أثورة أم انقلاب؟
سؤال أصبح تقليدياً يثار دائماً لمناسبة ما حدث صبيحة الرابع عشر من تموز من العام 1958، ولا نقصد من وراء إثارته إلا الرغبة في مراجعة تاريخنا السياسي الحديث، لما شابه من التباسات ووقائع ندفع ثمنها حتى يومنا هذا، طبعاً لا نشكك بشخصية الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الذي اقترن اسمه بذلك اليوم، بكونه شخصية وطنية طموح أراد أن يخدم بلده وشعبه، وكان مهموماً بالفقراء وسكان الأكواخ والصرائف، وسعى عبر عدة مشاريع استكملت بعد استشهاده على يد زمرة القوميين والبعثيين الذين اصطرعوا على السلطة فيما بعد.
قاسم لم يكن شيوعياً ولم يكن قومياً، إذا ما اتخذناه ممثلاً لهوية ما حدث، بل هو جنرال طامح هيأت له الظروف فرصة مؤاتية لاستنساخ الأنموذج المصري، وقد شاعت آنذاك فكرة (الضباط الأحرار) مثلما شاعت فكرة ثورات التحرر، لكن بالمقارنة مع دول عربية أخرى نجد أنفسنا ندفع ثمن ما حدث في ذلك اليوم، لأن التجربة السياسية في العراق تحديداً لم تنتج أنموذجاً يماثل قاسم في وطنيته وتطلعاته المدنية، فضلاً عن أن حقبته اتسمت بالصراعات الدموية بين الأحزاب التي تكالبت على السلطة وتنافست تنافساً فجاً على الهيمنة على مقدرات الحكم، وإذا كان لقاسم مشروع وطني فردي، فإن النخبة السياسية آنذاك لم تجتمع على مشروع وطني للنهوض بالجمهورية الفتية التي قامت على أنقاض الملكية المنهارة.
ربما يستعيد البعض منا ما افتقدناه من حياة مدنية دستورية، أسستها الحقبة الملكية، حتى بتنا نستذكر ما يروى من مواقف الراحل نوري السعيد، بما تنطوي عليه من مزح ومفارقات تنم عن عقلية سياسية مهنية، ونزعة مسالمة وحرية في التعبير وما إلى ذلك، أحزاب، صحف، مظاهرات، انتخابات نيابية، وكلها أصبحت محظورة أو اختفت تدريجياً مع توالي الأنظمة الانقلابية التي توجها البعث الصدامي بأسوأ أنموذج تسلطي قمعي.
العبرة ليست بالتسمية (ثورة أم انقلاب) لكن لو افترضنا بأن الذي حدث في ذلك اليوم لم يحدث، أكان هذا هو وضع العراق؟
ولو أن الزعيم قاسم استمر لعشر سنوات أخرى أو أكثر، فهل كان سيصبح دكتاتوراً مستبداً لقمع ما يحاك ضده، أم على عكس ذلك؟
هل كان سينجح بالتأسيس لمشروع وطني يبني دولة حقيقية؟ ماذا لو لم ينجح انقلابيو 14 تموز بإسقاط الحكم الملكي؟
وكان المفروض أن ينبثق الاتحاد الهاشمي يوم 18 تموز من ذلك العام، هل كنا اليوم دولة إقليمية مهيمنة على سياسات المنطقة؟
وبصرف النظر عن الاتحاد، لنفترض أن المملكة العراقية قائمة حتى اليوم، بأية صورة ممكن أن نتخيل العراق، آخذين بنظر الاعتبار ثورة النفط، والعلاقة ببريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة؟
هل كنا نحارب إيران ثماني سنوات؟
هل نغزو الكويت؟
هل تغزونا أميركا؟
هل ندفع كل تلك الخسائر البشرية والمادية؟
مجرد أسئلة افتراضية.