هناك أشخاص تحبهم بمجرد أن تراهم، محبوبون بطبيعتهم، وهذه ربما هبة من الله سبحانه وتعالى، وربما تكون سمة لها أبعاد نفسية، فبعض الأشخاص يمتلكون قوة تأثير أشبه بالمغناطيسية لجذب الآخرين، أنا شخصياً أحسست بأنني أعرفه منذ زمن طويل، وقد وجدت الكثير ممن أعرفهم يمتلكون الإحساس نفسه، وهذا دليل على مدى قربه من النفس، جذبنا تواضعه وانبساط شخصيته وهدوؤه، مثلما جذبتنا شجاعته وجديته ونخوته، إنه الفريق أول ركن عبد الوهاب الساعدي، القائد العسكري الذي يسير بين جنوده من أبطال مكافحة الإرهاب ويشاركهم لحظات الانتصار، يقاتل معهم ويأكل معهم وينام بينهم، وواضح أن له مكانة خاصة في قلوبهم، كمكانته في قلوب العراقيين الذين ينتظرون طلته من على شاشة الفضائية العراقية، بوجهه السمح وثقته العالية بالنفس، ليرسخ في أذهانهم حقيقة النصر العراقي على جرذان داعش وفلولهم المهزومة. بسيط في هندامه كأي جندي مقاتل يخوض حرباً طاحنة، واثق الخطوة كأي قائد شجاع يتقدم صفوف المقاتلين لخوض مواجهات مباشرة مع العدو، يستحضر كل قيم البطولة والشهامة وهو يشارك جنوده في إنقاذ عائلة عراقية تهدم عليها المنزل نتيجة قصف صاروخي للعدو الداعشي، يتفقد القطعات المقاتلة ويعطي للمراسلين تصورات واقعية مباشرة عن سير المعارك وهو يهم بسيره غير عابئ بالكاميرا، مخلص لقضية شعبه المصيرية، من خلال سلوكه الميداني المهني بوصفه قائداً عسكرياً، وسلوكه الاجتماعي بوصفه إنساناً بمنتهى النبل مع المدنيين الذين يحرص على الحفاظ على حياتهم أثناء سير العمليات في أحلك الظروف. قد يكون الساعدي مثالاً للعديد من القادة الذين يخوضون معارك الشرف والكرامة لتحرير أرض العراق من دنس الإرهاب، سواء في قواتنا المسلحة أم في الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي، كما هو مثال لآلاف المقاتلين في جميع الصنوف والتشكيلات، والحق إن الأبطال الذين حرروا مدن العراق بتضحياتهم الجسام هم من يستحق أن نوثق سيرهم ونفخر بمنجزاتهم، ونخلد بطولاتهم بأعمال فنية وأدبية، لا على طريقة المقبور صدام وأصنامه وروايات قادسيته المشؤومة التي راح ضحيتها أكثر من مليون عراقي بلا جدوى، وإنما على طريقة نقل الوقائع الحقيقية لأولئك الأبطال الذين لم نجد بينهم من اقتيد قسراً للقتال، كما في حروب الطاغية المقبور.
إن ما يقدمه اليوم قادة العراق في سوح القتال من أمثال عبد الوهاب الساعدي، قد فاق تصورات العالم، وكانوا بحق بمستوى المسؤولية التاريخية والوطنية والإنسانية والمهنية، في دحر العدوان، متخطين عوامل الضعف والتردد ونقص الإمكانات، وعلى الرغم من تخرصات المرجفين والعملاء والجبناء ممن وعدوا بحلق شواربهم، فقد قدموا للعراق ما لم يقدمه الكثير من الساسة الذين يتمتعون بالامتيازات والحمايات ويتكالبون على المنافع والمناصب، منغمسين بشهوة المال والتسلط، ومنشغلين بالمناكفات والتسقيطات السياسية، فتحية لكل أبطال العراق الذين حرروا الأرض وسيعمرونها، أولئك هم البناة الحقيقيون، وتحية لعبد الوهاب الساعدي أنموذجاً عراقياً فذاً لهذه المرحلة التي اختلطت فيها الأوراق.