(عاش الشعب) كانت آخر عبارة للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، أطلقها بالتزامن مع رشقات الرصاص من بنادق المجرمين، حيث سقط مضرجاً بدمائه، وسط شماتة القوميين والبعثيين وشعورهم بالزهو، في غرفة الموسيقيين في مبنى الإذاعة والتلفزيون، هذه الجريمة النكراء التي أودت بحياة الزعيم واثنين من رفاقه، كانت بداية لمجازر شملت ما يقارب (4) آلاف عراقي، على أيدي ميليشيا الحرس القومي، أيام سوداء تحول خلالها العراق إلى ثكنة عسكرية، وتحولت المدارس إلى معتقلات والصفوف إلى غرف تعذيب، وتحولت الشوارع إلى أنهار دم، إعدامات بالجملة على أبواب البيوت وفي الحدائق العامة والساحات، وتحولت أعمدة الكهرباء إلى مقاصل، انتهاكات علنية مخالفة لكل الشرائع والقيم، كل هذا جرى بمباركة الدولتين العظميين أميركا وبريطانيا، وبدعم علني من دول الجوار وبعض الدول العربية، يوم أسود تنفست فيه بعض الدول الصعداء، واحتفلت بقتل العراقيين، وهذا اليوم على ما يبدو كان بداية التآمر على العراق، إذ كان ممهداً لحكم البعثيين وما آلت إليه أوضاعنا حتى هذه اللحظة.
الدول التي احتفلت بذلك اليوم هي نفسها التي أوقدت نار الحرب مع الجارة إيران، وحرضت الطاغية بعدما نفخت صورته وغذت عنجهيته ونزعته الدموية الاستبدادية، ودعمته مادياً ومعنوياً، وهي نفسها التي حصدت نتائجها التي كانت وبالاً على الشعبين الجارين، وهي نفسها التي لم تستوعب الدكتاتور الذي صنعته وزينت له إمكانية غزو الكويت، وهي نفسها التي استدعت القوات الدولية لتحرير الكويت، وهي نفسها التي ساعدت النظام على قمع الانتفاضة الشعبانية وأبقت على صدام ضعيفاً مهزوماً تملي عليه شروطها، وهي نفسها التي حاربت العراقيين في قوتهم أيام الحصار الاقتصادي واستفادت من مآسينا واستغلت طاقاتنا البشرية، وهي نفسها التي أغلقت أبوابها بوجوهنا، وهي نفسها التي تقف اليوم موقفاً معادياً لعملية التغيير. الدول التي سكتت على جرائم المقبور صدام وناصرته في حربه ضد إيران، لم تطالب بإسقاطه على الرغم من احتلاله للكويت، واليوم تتمنى عودته، فبعض العرب لا يزالون يعدونه بطلاً قومياً، هؤلاء أنفسهم من يدعم الجماعات الإرهابية ويسوغ أعمالها ويسوق فكرها، وهم أنفسهم من يباركون فتاوى القتل وأعمال التخريب واستهداف المدنيين العزل، وهم أنفسهم من يتباكى على مجرمي داعش، ويتحدثون عن انتهاكات يرتكبها الجيش العراقي أو رجال الحشد الأبطال، هم أنفسهم من يقود الفتن في مختلف البلاد العربية والإسلامية، ومن يتأمل التاريخ السياسي المعاصر بدقة، سيتأكد من أن بعض القوى الإقليمية قائمة على أساس إضعاف العراق، وأن استراتيجياتها السياسية والأمنية والاقتصادية مبنية على أساس عراق ضعيف مجزأ، ومنشغل بحروب داخلية، بالمقابل هناك من يعمل على إضعاف دول أخرى قد تشكل مع العراق قوة صاعدة كإيران وسوريا ومصر واليمن ولبنان، بينما تنمو إسرائيل كقوة فاعلة عن بعد ومهيمنة على مقدرات المنطقة في خضم هذه الصراعات التي تقودها تلك القوى الإقليمية التي لا تخفى على أحد.