أثارت بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ضجة بشأن خور عبد الله في الآونة الأخيرة، وقد خرجت تظاهرات منددة بالتنازل عنه لصالح الكويت، لا سيما في مدينة البصرة، والأمور لا تزال غامضة عند بعض المواطنين، إذ لم توضح الجهات المسؤولة حقيقة اتفاقية الملاحة التي وصفها بعض النواب بالمذلة وصوتوا عليها، وقد بين وزير النقل الأسبق السيد عامر عبد الجبار حقيقة أن مجلس الأمن غير مسؤول عن ترسيم الحدود، ومع ذلك رسمها بصورة خاطئة باعتماده خط المنتصف وكأنها أرض يابسة، فالحدود المائية عادة ترسم على أعمق نقطة أو ما يسمى بخط التالوك، كما بين بأن قرار مجلس الأمن لم يقسم القناة كلها وإنما قسم جزءاً منها، بينما أعلن وزير النقل الحالي بأن العراق فقد آخر منافذه المائية وأصبح دولة مغلقة، ثم عاد لينقض حديثه الأول بكون خور عبد الله عراقي وسيبقى عراقياً، بينما يلقي قياديون من منظمة بدر باللائمة على رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابقين مدافعين عن السيد هادي العامري بكون غير مسؤول عن التوقيع على الاتفاقية التي تحفظ عليها وزير النقل الأسبق، وهنا لا أود الدخول في تفاصيل هذا الموضوع تحديداً، لكن أريد أن ألفت الاهتمام إلى عمليات قضم العراق تدريجياً.
من يراجع اتفاقيات ترسيم الحدود بين العراق وجيرانه سيجد أن غالبيتها اتفاقيات اضطرارية تمت في أوقات حرجة لم للعراقيين رأي فيها، فاتفاقيتا أرضروم الأولى والثانية، كانتا بين الدولتين الصفوية والعثمانية، بعد ذلك تم ترسيم حدود العراق استناداً إلى اتفاقية سايكس بيكو الدولية، مع ذلك ماذا بقي من عراق سايكس بيكو؟ ففي العام 1975 تنازل الطاغية المقبور عن نصف شط العرب لصالح شاه إيران في اتفاقية الجزائر مقابل وقف الدعم للمسلحين الكورد، وفي العام 1980 ألغاها ليزجنا في حرب طاحنة على مدى ثماني سنوات، وعند غزو الكويت أعادها، وفي الثمانينيات تنازل عما كان يسمى منطقة الحياد للسعودية، ثم تنازل عن مساحات من حدود العراق لصالح الأردن، وفي التسعينيات سمح للقوات التركية أن تعبث بحدود العراق مخترقة سيادته لعشرات الكيلومترات بذريعة ملاحقة مسلحي حزب العمال الكوردي، وعند هزيمته في الكويت أمر قادته بالتوقيع على بياض في خيمة سفوان مقابل بقائه في السلطة، وقد تغيرت ترسيمة الحدود مع الكويت جملة وتفصيلاً، وها نحن اليوم ندفع ثمن تلك التنازلات، إلى جانب التمدد الكوردي الداخلي لقضم المناطق المشتركة ومناطق أخرى عربية وتركمانية ومسيحية بغية التمهيد للانفصال، فما الذي سيتبقى للعراق؟
ألم يحن الوقت لمراجعة كل تلك الاتفاقيات على ضوء ترسيمة سايكس بيكو الدولية؟ ألم يحن الوقت لاسترداد الحقوق المسلوبة التي وهبها الطاغية لضمان بقائه في السلطة؟ ما الذي يضطرنا للقبول بسياسة الأمر الواقع؟ لماذا لا نسعى لتدويل قضايانا انطلاقاً من كوننا الآن غير ملزمين بما آلت إليه سياسات النظام المقبور؟