قد تبدو شخصية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خارج المألوف، بسبب صراحته وتصريحاته النارية التي أثارت قلقاً في بعض دول العالم، وعلى غير المتوقع كانت روسيا في أمان، وعلى عكسها حليفتها إيران التي لوح لها بإلغاء الاتفاق النووي، أما الحليف التقليدي للولايات المتحدة، ونعني السعودية فهي قد بلغت بحسب تصريحاته وتلميحاته مرحلة الخطر الحقيقية، ناهيك عن الكوريتين والمكسيك وألمانيا واليابان وفلسطين وحتى العراق قد طاله ما طاله من تصريحاته المقلقة، البعض يرى بأنه سيتغير بعدما يباشر فعلياً بمهام عمله، ونرى أن هذه الاستعراضية هي جزء من أسلوبه الشخصي وليس بالضرورة أن ينعكس ذلك كلياً على إدارته للبيت الأبيض.
هناك ثوابت في السياسة الأميركية لا ترامب ولا غيره يمكن أن يزحزحها، وهناك خطوط حمراء يرسمها دافعو الضرائب والناخبون لا يمكن تجاوزها، سواء في الاقتصاد أم في السياسات الخارجية، ومصادر الطاقة والأمن القومي، وهناك مقدس لا يمكن المساس به، هو إسرائيل تحديداً، وترامب لم يدخر وسعاً في طمئنتها إلى أبعد مما تطمح إليه، فلم يتردد بإطلاق وعد لا يقل شؤماً عن وعد بلفور بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقد انطلق ترامب من طبيعة عمله وشخصيته الاستثمارية حين طالب بمردودات مالية مقابل ما تقدمه أميركا من حماية لبعض الدول، قد يخسر بعض المواقف ويربك بعض الحلفاء ويتحمل ضغوطات داخلية وخارجية، لكنه في الآخر لا يخسر.
وعوده بالقضاء على الإسلام المتطرف، وبعض التصريحات المعادية نوعاً ما لعموم الإسلام، وتركيزه على أكبر دولتين إسلاميتين(إيران والسعودية) كلاهما ذات نظام ثيوقراطي، وهما على طرفي نقيض، فيه الكثير من العشوائية، فالاتفاق النووي بالنسبة لإيران ليس اتفاقاً ثنائياً، بل هو اتفاق دولي أدارته ما سميت بمجموعة (5+1) أي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، فضلاً عن ألمانيا التي تولت المفاوضات مع إيران منذ العام 2006، وهي حليفة روسيا التي يرى ترامب أن تلاقي المصالح معها أفضل من نتائج أي حرب باردة أو ساخنة، وبالنسبة للسعودية فهي الحليف النفطي رقم (1) وهي السوق الأكبر لشراء السلاح، الأمر الذي يضر بمصالح دافعي الرأسماليين المنتجين، وهي خزانة احتياطية للرأسمال الأميركي، لكن على ما يبدو قد آن الأوان للبحث عن بديل، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور على خلفية قانون (جيستا) التي تحاول السعودية التملص منه.
من خلال ذلك كله نرى أن ترامب هو الصورة الحقيقية للشخصية التي تمثل خليطاً متجانساً للمزاج الأميركي، صريح وليبرالي متحرر من كل قيد ومتعجرف وشعبوي ورأسمالي برجماتي عملي، يترجم كل شيء إلى أرباح متوقعة، مؤمن مطلقاً بمركزية أميركا عقلاً وقوة وتفوقاً، ومتيقن من أن الآخرين سيحتملون ثقله من أجل مصالحهم التي لا تتحقق إلا بمصالح أميركا، وأميركا لا تفرق عنده كثيراً عن شركة أبيه التي حولها إلى منظمة ترامب العقارية.