يوماً بعد آخر تثبت الوقائع النظرية العراقية القائلة إن الإرهاب ليس عراقياً محلياً، ومن لم يتفاداه في العراق فسيكتوي بناره، وهكذا حصل مع سوريا فظن البعض بأنها مجرد امتداد للعراق، وهو لا يزال فاعلاً في أفغانستان والباكستان وليبيا واليمن ونوعاً ما لبنان، وقد عانت منه الجزائر والهند، وقد وصل إلى مصر وتركيا والأردن فضلاً عن تونس، ولم تكن دول الخليج بمأمن منه، بل هي اليوم من أكثر الدول التي يعدها المراقبون مرشحة لمخاطر الإرهاب، إذ تشير الأنباء إلى إن السعودية أحبطت في الآونة الأخيرة، بحسب تقاريرها أربع عمليات إرهابية لثلاث شبكات عنقودية لداعش، أما أميركا فقد دفعت ثمن تأسيسها لتنظيم القاعدة لمواجهة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن المنصرم، وقد شهدت بريطانية وفرنسا ودول أوربية أخرى العديد من الأعمال الإرهابية.
فخلال الأيام القليلة الماضية شهد العالم تسارعاً خطيراً غير مسبوق في أعمال إرهابية نوعية، كتفجير الكنيسة القبطية في القاهرة، فمصر قد شهدت أعمال عنف استهدفت بعض الكنائس سابقا لكن جميعها كانت من خارج الأبنية، أما هذه المرة فكانت من الداخل، أما العمل الإرهابي في مدينة الكرك الأردنية فكان بأسلوب المواجهة القتالية المباشرة، وهذا لا يمكن أن يكون ما لم تكن الجماعات الإرهابية المهاجمة تستند إلى قاعدة قتالية مساندة، بمعنى آخر إن هذه العملية مجرد رسالة أولية لوجود خلايا قد تفاجئ الشارع الأردني وتباغت قوى الأمن في هذا البلد الذي تزايد فيه المد السلفي الوهابي في السنوات الأخيرة.
وأشارت الأنباء إلى استهداف مركز إسلامي في مدينة زيورخ في سويسرا، ولا ندري ما ملابسات حادث انفجار سيارة غربي العاصمة الألمانية برلين، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي خبر الشاحنة التي دهست عشرات المواطنين عمداً في سوق الكريسميس في برلين أيضاً، ولا نعلم كم عملية إرهابية سترتكب خلال اليوم الفاصل بين كتابة هذا المقال ونشره، بينما يغطي حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة على جميع الأحداث،
الطريقة العلنية المباغتة التي ظهر فيها القاتل مردداً التكبيرات ومعلناً عن هدفه ليغتال ضحيته ويواصل تهديداته لعدة دقائق شاهراً سلاحه هاتفاً لا تنسوا حلب لا تنسوا سوريا، قد فاجأت العالم،
فهل هو عمل مخطط له بهذه الدقة؟ أم جاء بمحض الصدفة؟ هل أن المجرم الذي يعمل شرطياً في وحدة مكافحة الشغب، وقتل في العملية، قد تم تجنيده من جهة ما؟ أم هو فعلاً ينتمي لداعش أو للنصرة؟ هل كان يتعقب السفير بوصفه هدفاً وقد انتهز الفرصة، أم أن الخطة تستهدف كل ما يمت لروسيا بصلة؟
وقد سحبت على إثر ذلك أميركا طاقمها الدبلوماسي من أنقرة بعد تردد أنباء عن إطلاق عيارات نارية قرب سفارتها، وعليه فإن العملية التي سرعان ما وصفها أردوغان بالاستفزازية لنسف التطبيع مع روسيا لن تكون الأخيرة في خضم ما يلعبه أردوغان نفسه من دور استفزازي في المنطقة.