لطالما حذرنا من تمدد ظاهرة الإرهاب، وربما كان الأمر يسيراً في السنوات القليلة المنصرمة، قبل هذا الانتشار غير المسبوق لظواهر التطرف والعنف والتكفير، ومن ثم الجماعات الإرهابية المسلحة، كان الأمر محصوراً بالقاعدة والمجتمع الدولي برمته يعرف ماذا تعني القاعدة، وما مرجعياتها الفكرية، كما يعرف حقيقة تكوينها ودعمها، وفي ظل القاعدة ولدت جماعات محلية متفرقة، لكنها تنتمي للفكر ذاته، ومدعومة من الجهات نفسها، بل إن دولاً مثل العراق ومن ثم سوريا وليبيا واليمن قد تحولت إلى أسواق رائجة لتجارة الإرهاب، وقد نجد جيوباً أو خلايا نائمة هنا وهناك، سواء في البلدان العربية والإسلامية أم في عموم آسيا وأوربا والأميركتين، إذ لم يعد الإرهاب ظاهرة محلية، بعدما طال مناطق عديدة من العالم.
نحن العراقيين ندرك تماماً ملابسات انتشار ظاهرة الإرهاب ونعرف أهدافه ومراميه، كما نعرف بالفطرة داعميه ومموليه وغاياتهم، ومما لا شك فيه أن هناك فئات تتناغم مع تلك الغايات، وتعد الإرهاب وسيلة لإسقاط العملية السياسية برمتها، ومن ثم الاضطرار للعودة إلى عهد الاستبداد تدريجياً، وهذا المنظور لا يتوفر على الحد الأدنى من الواقعية، فالبلد برغم التناقضات والمعوقات والتحديات سائر في طريق الديمقراطية، فإذا كانت الظروف الآنية قد فرضت شكلاً منقوصاً للديمقراطية بسبب الاضطرار للتوافق والمحاصصة والشراكة، فإن المستقبل كفيل ببلورة منهج الدولة الديمقراطية.
ربما من الخطأ أن نختزل الإرهاب بعصابات داعش، فالواقع يشير إلى مكنون ثقافي تتناسل على ضوئه عشرات الجماعات الإرهابية، ولو أن الظروف قد حتمت على بعض الجماعات أن تبايع داعش وتنخرط في صفوفها، إلا أن جماعات أخرى موجودة اليوم ومتخفية ربما بعناوين تمويهية، ففي ظل الحرب التي نخوضها داخل المدن من السهل على الدواعش المحليين حلق لحاهم وتغيير ملابسهم القندهارية بملابس محلية، ومن ثم الانخراط عن طريق أقاربهم ومعارفهم في مختلف التشكيلات الحزبية والعشائرية، ونخشى من أن يشكل هؤلاء عقبة جديدة بوجه استقرار البلد مستقبلاً.
داعش تمنى بهزائم متتالية، فبعد تحرير محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى، والانتصارات الساحقة في عمليات قادمون يا نينوى، حررت القوات السورية مدينة حلب، وهي تضاهي أهمية نينوى بالنسبة لداعش، ومثلها مدينة سرت الليبية، ولتوجيه أنظار العالم عن تلك الهزائم، كان لا بد أن تقوم داعش بأعمال تعويضية كدخول مدينة تدمر المحررة، مثلما حاولت مع بيجي بعد تحرير صلاح الدين، كما تحاول إثارة العنف مجدداً في مدينة الفلوجة وفي بعض المناطق الحدودية التي لا تزال قلقة، فضلاً عن أن بعض الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدن كما حدث في أسطنبول والقاهرة لا يمكن إخراجها عن دائرة التخطيط الداعشي للفت أنظار العالم وطمأنة الأتباع، وهناك مدن أوربية مرشحة لأعمال إرهابية بمثابة الرد على الهزائم التي تلقتها وستتلقاها حتى تحرير آخر شبر من أرض العراق، وهنا نكرر تحذيرنا للعالم من رواج تجارة الإرهاب وهذا يشمل بعض الدول الداعمة والممولة، سواء بالمال والسلاح أم بالإعلام والفتاوى.