لا أتكلم عن ساعة صفر أو بدء عمليات أو انتصارات متفرقة هنا وهناك، بل سأقول مؤكِداً بأن الموصل تحررت من دنس عصابات داعش القذرة، نعم تحررت بسواعد العراقيين من أبطال الجيش العراقي ونشامى مكافحة الإرهاب، تحررت بعزم رجال الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية، تحررت بالبيشمركة ومتطوعي أهالي نينوى، تحررت بطيران الجيش ودعم التحالف الدولي، تحررت بأدعية الأمهات وصلوات الآباء، بشهقات الأيزيديات والمسيحيات اللواتي ظلمن وعذبن وهجرن، تحررت بأنفاس العراقيين من زاخو للفاو.
العمليات العسكرية على الأرض تحتاج إلى خطط واستراتيجيات وتحضيرات، والحروب تحتاج بالضرورة إلى جيوش متمرسة وآليات وأجهزة مراقبة وجهود استخبارية، ومعاركنا مع داعش التي حققنا خلالها انتصارات أبهرت العالم لم تكن بمحض الصدفة، ولم تأتِ من فراغ، بل إن العراق الذي يقاتل منذ حوالي أربعين سنة في حروب باطلة، وتفككت آلته العسكرية خلال ذلك، قد استعاد بهمة رجاله وإرادة شعبه قوته وحيويته بوصفه دولة قادرة على الدفاع عن نفسها، انتصاراتنا ليست مجرد (فزعة) تحركت خلالها مشاعر الوطنية وحماساتها، وإنما هي تفوق فكر عسكري ومراس ميداني وخبرة متراكمة، وهي أيضاً موقف وطني غذى الروح المعنوية عند المقاتلين الشجعان، فانتصاراتنا مزيج مما هو مادي/ عسكري ومعنوي/ وطني.
مشاركة الحشد الشعبي المقدس تمنح مقاتلي صنوف الجيش وقوى الأمن طاقة معنوية إضافية، لما يسطره من ملاحم بطولية في الميدان، ومشاركة البيشمركة بالتنسيق مع قواتنا ترسم الصورة الحقيقية لعراق ما بعد داعش، وتمنح الأمل بعودة العراق قوياً موحداً في ظل نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي حر، ومشاركة مقاتلي نينوى البطلة تعطي رسالة بحجم الانتصار لتخرس الأصوات النشاز التي تحاول عرقلة مسيرتنا والمضي قدماً لتطهير أراضينا المقدسة من دنس الإرهاب الداعشي، وهكذا لا تتحرر الموصل إلا بأيادٍ عراقية طاهرة عربية سنية وشيعية وكردية وتركمانية ومسيحية وأيزيدية وشبكية، ولا حاجة لنا بالأتراك ولا بعملائهم المدافعين عن قواتهم المحتلة والمنتهكة لسيادة العراق.
قرأت على الفيسبوك منشوراً نقلاً عن وكالة الصحافة الفرنسية مفاده أن وزير الخارجية التركي يلتقي بالسيد القائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي، بعد انتظار دام خمس ساعات، طالباً إيجاد ممر آمن لإخلاء القوات التركية إلى الحدود الدولية وانسحاب قوات بدر وكتائب حزب الله اللتين تحاصران المعسكر، لست متأكداً من صحة الخبر لكنه ليس بعيداً عن واقع الأحداث، ولو صح فهي بحق ضربة معلم تحسب للسيد العبادي، كما تحسب لبدر وللكتائب وللعراق أجمع.
أعتقد بأن خارطة المعركة التي نوهنا بها تعطي مدلولات واقعية كثيرة في عودة الموصل كما كانت قبل احتلال داعش، بل أكثر انتماء وولاء واندماجاً بالدولة الأم العراق الكبير الذي يسع جميع أبنائه بدون تمييز، وستسقط كل الرهانات التي لوحت بتقسيمها، مثلما يندحر الذين سعوا لذلك محاولين تأخير تحريرها من أسر داعش.