مهما حاولنا البحث عن مسوغات أو تبريرات سياسية أو أمنية لتواجد القوات التركية المخترقة لسيادة العراق لن نجد، ولا يمكننا وصف الوجود العسكري التركي غير الشرعي إلا بصفة الاحتلال، الحكومة العراقية لم ولن تتوانى في تنبيه الجانب التركي وتحذيره، وتداول الأمر في المحافل الإقليمية والدولية، الجامعة العربية أجمعت على أنه احتلال وخرق للسيادة وطالبت تركيا بالانسحاب، الإدارة الأميركية أبدت معارضتها لذلك التواجد غير المرخص، كذلك مختلف الأوساط الدولية، لكن الحكومة التركية مصرة وغير عابئة بشيء، والبرلمان التركي الذي صوت قبل أيام على تمديد مهمة القوات العسكرية في العراق، لم يعد ذلك البرلمان الذي رفض مشاركة تركيا أو استخدام أراضيها في الحرب لإسقاط نظام صدام حسين في نيسان 2003، إذ لم يعد هناك حرص على إبقاء تركيا طرفاً محايداً.
هناك اتفاقية معروفة بين نظام صدام والحكومة التركية على التوغل مسافة 20 كم لمحاربة عناصر حزب العمال (pkk) تم تجديدها في العام 1994 لمدة 20 سنة، وقد انتهت في العام 2014، وهناك اتفاقية للتدريب أعقبت نهاية الاتفاقية القديمة، وبين هذا وذاك كان الجانب التركي قد استغل الحماية الأميركية لإقليم كوردستان عقب حرب الكويت لينشئ قواعد عسكرية ثابتة في دهوك وغيرها، وما كان من حكومة الإقليم إلا أن تغض الطرف عن ذلك، ومرة بذريعة حزب العمال وأخرى بذريعة حماية التركمان وثالثة بذريعة تلافي خطر داعش ورابعة بذريعة حماية السنة وخامسة بذريعة التدريب، وقد تعددت الذرائع التركية مع استمرار تواطئ البارزاني وآل النجيفي ومن يتبعهما ويزداد عناد الأتراك وتزمتهم، ويتمادون في التدخل غير الشرعي في شؤون العراق، وبلغ الأمر مرحلة الخطر من دون رادع إقليمي أو دولي، على أن الحكومة العراقية وهي تعد العدة لتحرير الموصل تحاول أن تتفادى اندلاع مواجهات جانبية.
إن مواجهة داعش باتت خياراً دولياً، ونحتاج نحن العراقيين دعم المجتمع الدولي معنوياً ومادياً، وتركيا إذ تعد نفسها جزءاً من التحالف الدولي لتبرير تواجدها العسكري فتلك مغالطة كبرى، فالجميع يعلم بحيثيات الدور التركي في تسهيل تدفق المقاتلين الأجانب والعرب من الرقة إلى الموصل، ولا يخفى على أحد عمليات تهريب النفط الذي تسرقه عصابات داعش ليباع في الأسواق السوداء عبر تركيا وصولاً إلى إسرائيل بمشاركة أطراف محلية معروفة، بل إن عناصر داعش يتخذون من تركيا حديقة خلفية للتنقل وتلقي العلاج وعقد الصفقات والاجتماعات وما إلى ذلك، وهذا يعني إن تركيا متهمة بالإرهاب وليست مجرد داعم له.
الغايات التركية باتت مكشوفة، ولم تعد مجرد أمنيات رمزية، فتركيا ما تزال تضع في موازنتها السنوية قيمة رمزية (ليرة واحدة) لكل من ولايتي الموصل وحلب، الأمر الذي يحفز الحلم العثماني في ذهنية أردوغان وأمثاله لانتهاز أية فرصة لتحويل الرمزي إلى واقعي، وما التصريحات الاستفزازية الأخيرة لأردوغان إلا تدخلاً سافراً يدعو للمواجهة.