هل الأهوار مرفق سياحي؟ أو هل أنها أدرجت على لائحة التراث بوصفها مكاناً سياحياً؟
الجواب لا طبعاً،
بل إنها أدرجت لما تتمتع به من خصوصية إحيائية وطبيعية وبشرية بوصفها حياة قائمة منذ آلاف السنين، لكن عملية إدراجها كبقية الأماكن التي أدرجت سابقاً حولت أنظار السائحين إليها، من الداخل والخارج، ونحتاج حقاً توظيف مختلف الإمكانات لا لمجرد تحويلها قبلة للسياح، ولكن للمحافظة عليها بما هي بمسطحاتها وقصبها وبرديها ومشاحيفها وطيورها وفالاتها وأسماكها وجاموسها وجبايشها وإيشاناتها وأكواخها العائمة وشلبها وتنانيرها ومواقد الطابك ومعدانها وبربرتها وناسها الأصلاء.
فبناء ما هو طارئ على طبيعتها سيشوه وجودها، مثلما فعل المقبور صدام حسين بحجة المحافظة على آثار بابل فغلفها بطابوق منحوت عليه (ص. ح) أول حرفين من اسمه.
إن أي شكل من أشكال البناء الحديث سيهتك عذرية المكان وربما يلغي الغرض الأساسي الذي أدرجت على لائحة التراث العالمي بسببه، فالأهوار ليست مجرد طبيعة حافلة بالتنوع الإحيائي النباتي والحيواني وليست مجرد مسطحات مائية بمساحات شاسعة لا مثيل لها، وإنما هي أيضاً بيئة حياة لعيش الكثير من المواطنين، ومن جانب إنساني لا ينبغي تحويلهم إلى مخلوقات للفرجة، يجب أن نوفر ما يبقيهم على العيش بدعة وأمان بمنأى عن فضول السائحين الذين سيحولون أولئك السكان إلى مجتمع مراقب.
لست ضد توظيف الجانب السياحي، لكن بما لا يخرب حياة الأهوار أو ينغص عيش سكانها، ممكن كما يقترح البعض إقامة مضايف على حافاتها لإقامة بعض المطاعم السياحية أو المقاهي أو دور الاستراحة من مادة القصب، ويمكن أن تبنى فنادق من الدرجة الممتازة خارج حدود الأهوار ولكنها ترتبط بشبكة وسائط نقل سلكية (تلفريك) تنتهي عند حافات الأهوار، على أن يبقى المشحوف هو وسيلة النقل الوحيدة داخل الأهوار، فهي ليست محميات يمكن تسييجها أو إغلاقها، إنما هي مكان لأناس توارثوا طرق العيش فيها منذ آلاف السنين، فلنحافظ عليها ونحاول اكتشافها كما حاول الرحالة الإنكليز الهواة وليفر ثيسكر وكافن يونغ وكافن مكسويل وغيرهم ممن عاشوا فيها سنوات خلال حقبة الخمسينيات من القرن المنصرم.
رأيي هذا من وحي ورقتي البحثية (الأهوار في مذكرات الرحالة الإنكليز) التي شاركت بها في ندوة أقامتها كلية العلوم السياحية في الجامعة المستنصرية، واستمعت خلالها إلى محاضرة الدكتور علي اللامي مستشار رئيس الوزراء الذي استعرض مراحل ملف إدراج الأهوار على لائحة التراث العالمي من بداية الفكرة إلى الإعلان، وقد كانت أطروحات اللامي تفضي إلى المعنى ذاته، فهناك أبعاد ثقافية يجهلها أو يتجاهلها دعاة السياحة، الأمر الذي يجعلنا متخوفين من مشاريع الاستثمار العشوائي على حساب الأهوار بيئة وثقافة وحياة قائمة منذ الخليقة.