لست خبيراً عسكرياً لكن لا يخفى على أحد من أن الحرب على داعش تختلف عن كل الحروب، فالحروب التقليدية بين الجيوش النظامية لها قوانينها وخططها وفعالياتها الميدانية المتعارف عليها، لكن حربنا يمكن وصفها بحرب بين جيش نظامي وعصابات خارجة عن السياقات العسكرية، ففي الموصل ولا سيما في الساحل الأيمن الذي يوشك أن يتحرر على أيدي قواتنا البطلة، ليست هناك معركة بين جيشين نظاميين أحدهما غازٍ والآخر محرر، فلداعش أساليب غاية في الخسة والتجاوز على كل الأعراف العسكرية والإنسانية، الدواعش ومن خلال التجربة الطويلة غير قادرين على المواجهة، لذلك يلجؤون للمراوغة والمخاتلة والتصيد، كالسيارات مفخخة، والبهائم الانتحاريين، والقناصة، وتفخيخ المباني والمساكن، وتوظيف الأطفال والصبيان والنساء أو التنكر بزيهن، فضلاً عن استخدام الأنفاق، كل هذا لإحداث الإرباك وإيقاع الخسائر بقواتنا المهاجمة، وكل هذا إذا ما سلمنا بكون الخديعة جزءاً من الحرب سنقبله، لكن كيف لجيش نظامي أن يخوض حرب شوارع مع عصابات محتمية بالمدنيين وغير عابئة بمصائرهم؟ في الوقت الذي يفكر فيه الجندي العراقي بحسب الاستراتيجية القتالية المرسومة له أن يفتك بالعدو ويحافظ على المدنيين، معادلة صعبة ما لم نقل مستحيلة.
استهداف مكامن داعش بالقصف الجوي أو المدفعي تمهيداً لأي هجوم هو إجراء عسكري تقليدي، وقد توفرت للمدنيين طرق آمنة للإخلاء، مع تنبيهات متكررة بالابتعاد عن تواجد الدواعش، وقد وصلت قواتنا إلى قلب الساحل الأيمن ومركز المدينة منطقة الدواسة ومسجد النبي شيت، ومن منا لا يعرف شارع الدواسة بمطاعمه ومقاهيه ومحاله التجارية وأزقته الضيقة ومساكنه المتراصة؟!
وسيمضي أبطالنا لباب الطوب والسرجخانة وتحرير مبنى المحافظة بعد تطهير مجمع المحاكم وغيره، من دون أن يسجل المراقبون خرقاً واحداً، لا بقصف عشوائي كما يدعي البعض ولا بمواجهات، أما المدنيون فمنهم من وجد في بيته مكاناً آمناً ومنهم من نزح عبر الممرات الآمنة ليستقبله أبطال القوات المسلحة أو الحشد الشعبي بمنتهى الترحاب وتقديم المساعدة الإنسانية بمشاعر صادقة ومعاملة أخوية، ليأخذ طريقه نحو مخيمات النازحين وهذا ما شهد به العالم أجمع.
أين المشكلة إذاً؟
ما الداعي لتباكي البعض على المدنيين داخل الساحل الأيمن أو على النازحين؟
أين الخلل؟!
نقول لمن يتباكى إن الخلل بك أنت، فما الذي قدمته لأهلك في الموصل؟ سواء كنت ضالعاً أم ساكتاً أو متفرجاً فأنت تتحمل وزر الفتنة في الموصل، وأنت وأشباهك من أوهم أهل الموصل بإنقاذهم مذهبياً على يد داعش، أنت من أدخل داعش وتواطأ مع القوى الظلامية لتحقيق مآربك، لا أعني شخصاً بعينه، وإنما كل الذين يتباكون الآن زوراً وبهتاناً على أهل الموصل، لأن هؤلاء المتباكين لا يريدون لهم التحرر من سطوة الدواعش، وربما هم يتباكون على أتباعهم الذين يقاتلون إلى جانبهم، وإلا أين كانوا من جرائم داعش التي أذاقت أهل الموصل شتى أنواع العذاب والويلات؟!