في غمرة أعياد الربيع ينبثق ربيع الانتصار العراقي، ففي الوقت الذي تنطلق فيه شعلة نوروز هناك مشاعل حقيقية تضيء دروب المدينة، وتطهر ترابنا المقدس من دنس الظلاميين، وأم الربيعين يتضاعف ربيعاها ويشعان على جباه أولئك المقاتلين الأشاوس، فمنذ احتلال داعش لم يجد الربيع متسعاً لتحليق السنونو في ربوع نينوى، ولم تزهر حدائقها، ولم تنضج ثمارها، وها هو ينبعث مجدداً بروح الشهامة العراقية، إنه الانتصار الحقيقي الذي لا تخفي شمسه غرابيل التضليل الداعشي وقنوات الفتنة التي ما تزال غربانها تنعق بأكاذيب عن قصف المدنيين ومعاناة النازحين، ولا كأنه ثمة أرض تتحرر بدماء الشهداء الأبطال.
في توقيت مناسب ومحسوب يكون السيد رئيس الوزراء في واشنطن، ولهذه الزيارة معانٍ أعمق من إطارها الدبلوماسي، أعرف بأنه لا يأخذه الزهو بنفسه مدحاً وثناءً، إنما كانت ابتسامته تعبيراً عن زهوه بالانتصارات التي سطر ملاحمها أبناء العراق، كان صريحاً واضحاً لا يعبأ كثيراً بتنميق الكلام ولا يميل للخطابية بقدر ما يحرص على إيصال رسائله بمهنية كعادته، ركز في أحاديثه على الانتصارات التي تحققت بفضل وحدة العراقيين ووطنيتهم بدون مزايدات، ثم أفصح عمَّا يفكر به من بناء علاقات متوازنة مع الجميع مع حرصه على ألا يبقى العراق ساحة لنزاعات إقليمية، وللرجل رؤية اقتصادية لبناء البلد بتعدد الموارد وتوظيف الاستثمارات، وهذا بشهادة ترامب الذي بدا سعيداً وهو يصغي للسيد العبادي، وربما أراد ترامب أن يوصل رسالة مفادها: قد آن للعالم أن يدرك ماذا يعني العراق، سواء في مكانته الاقتصادية والسياسية وعمقه التاريخي والحضاري أم في قوته الصاعدة في مواجهة الإرهاب الذي يهدد العالم أجمع.
لم يفت السيد العبادي أن يذكِّر السيد ترامب بالاتفاقية الأمنية والإطارية وأهمية تفعيلها في مختلف المجالات، ففضلاً عن القضايا الاستراتيجية التي تخص الجانب الأمني، هناك مجالات التجارة والطاقة والمجال الثقافي، ونتمنى ألا يرتهن تفعيلها بتبادل المنفعة الثنائية، وإنما بمقدور الإدارة الأميركية الضغط على حلفائها، ممن كانوا جسوراً للإرهاب، والأهم من ذلك محاصرة الفكر التكفيري فكرياً وثقافياً وإعلامياً وتربوياً، وليس بالسلاح فقط، كما أشار السيد العبادي، فضلاً عن مجال الاتصالات عبر الشبكة العنكبوتية، وهذه مهمة دولية، فالتقنيات المتطورة في العالم لا تخفى عليها شبكات التجنيد عبر الإنترنيت وتبادل المعلومات بين الخلايا الإرهابية، ومن الممكن وضع ذلك في خدمة الجهد الاستخباري، ناهيك عن الجانب الاقتصادي وإمدادات المال التي تجعل داعش قائمة، كعمليات تهريب البترول وبيعه في الأسواق السوداء، وتهريب الآثار، وغسيل الأموال وغير ذلك، وإلا من أين تمول داعش حروبها مع جيوش نظامية لها قدراتها التسليحية وأغطيتها الجوية؟!
وبعض حلفاء الولايات المتحدة لهم أدوار أصبحت مكشوفة فماذا ينتظر البيت الأبيض؟ ألا يتطلب الأمر ضغطاً عراقياً لتؤدي أميركا واجباتها من خلال الضغط على حلفائها لإنهاء داعش؟ مؤكد أنها قادرة على ذلك.