مقدماً نحن ضد إلحاق الأذى بالمدنيين العزل من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ممن تحاول عصابات داعش الإجرامية زجهم في المعارك، بل إن الرهان منذ البدء كان على نظافة العمليات العسكرية لقواتنا بمختلف تشكيلاتها وصنوفها، ولم تسجل المعارك الضارية خروقات تذكر، قواتنا اليوم تخوض حرب شوارع في الموصل، وتحتاج إلى إسناد جوي، وداعش نتيجة لهزائمها النكراء المتلاحقة تأسر المدنيين وتستخدمهم دروعاً بشرية، وهذا الأمر يجعل المعركة معقدة نوعاً ما، لا سيما أن الجانب الأيمن ذو طبيعة مختلفة عن الأيسر، بسبب ضيق المناطق والكثافة السكانية، وقد حدث ما حدث، إذ طال قصف طيران التحالف الدولي ثلاثة منازل في منطقة الموصل الجديدة، وراح جراء ذلك عدد كبير من الضحايا المدنيين.
الإعلام الداعشي المغرض منذ مدة وهو يلفق أنباءً عن خروقات واعتداءات وقد روج كثيراً لمعاناة النازحين، كأنه يريد أن يقول إن البقاء أفضل من النزوح، والغاية كانت على ما يبدو إرباك قواتنا الحريصة على سلامة المدنيين، والآن وجد في هذا الحادث ضالته،؟ فراح يروج لتوقف عمليات تحرير الموصل، الأمر الذي نفي رسمياً، ربما حصل توقف مؤقت للضربات الجوية، وقد قامت الجهات المسؤولة بفتح تحقيق لمعرفة الملابسات، فهناك من ذهب إلى إن داعش تفخخ المنازل وتضع صهاريج وقود قربها وتقوم عناصرها بالتفجير حالما تتم محاصرتهم، ومنهم من طالب بالكشف عن وجوه الضحايا وهوياتهم، ومنهم من تساءل عن سبب تجمع هذا العدد الكبير من المدنيين؟ طبعاً لا أحد ينفي وجود عناصر من داعش كانت تستخدم أسطح البيوت لإطلاق النيران، كما لا أحد ينكر وجود ضحايا مدنيين أبرياء، سواء بسبب سوء تقدير من طيران التحالف أم بعمل إرهابي قام به بعض الدواعش تحت مظلة القصف.
تحرير الموصل قضية لا يمكن المساومة عليها ولا التراجع عنها، وقواتنا لا تزال حريصة على سلامة المدنيين، ونحن في حرب لسنا في نزهة- كما يقال- وحرب شوارع مع عصابات ضالة تتغلغل بين المدنيين وتحتجز العوائل وتستخدم مساكنهم في القتال، ولها أساليب قذرة في إيذاء البشر بلا حرمات ولا رادع من شرع أو قانون، والأخطاء واردة، ونطالب بتحقيق على أعلى المستويات بشأن الحادثة، لكن أن تكون هذه الحادثة ذريعة لتشويه حقيقة الانتصارات أو وقف العمليات فهذا ما لا سيكون، ومن يتباكى على أهل الموصل كان الأجدر به أن يتباكى عليهم حين انتهكت داعش حرماتهم، وقتلت وهجرت وشردت وعذبت واغتصبت وسبت وأعدمت وجلدت وجوعت وصادرت الأموال وأحرقت وألقت بالأبرياء من سطوح البنايات، أين كان المتباكون من جرائم داعش؟!
نحن لا نتباكى بل نبكي دماً على أهلنا في الموصل بسبب المعاناة التي تفوق طاقة البشر، بين موت أذاقوه على أيدي الأوباش الدواعش وموت يعيشونه سواء كانوا صامدين في بيوتهم أم مأسورين أو نازحين، ولكن لا بديل لنا ولهم إلا التحرير وللحرية ثمن.