لا يختلف اثنان بشأن ما يقوم به الساسة الكرد من استفزازات صارخة الغاية منها التمدد والهيمنة وابتلاع ما يمكن ابتلاعه من أراضٍ ومدن يتم الاستيلاء عليها في ظل ظروف لا مجال فيها للخوض بقضايا جانبية من قبل الحكومة، هناك استغلال واضح لظروف الحرب التي نخوضها ضد داعش، وقد أعلنها رئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود البارزاني حين قال إن حدود كردستان ترسم بالدم، وقد لمح كثيراً بضم مناطق كسهل نينوى وسنجار وغيرها، كما أن المطالبة بكركوك لم تتوقف عند إجراءات التغيير السكاني بتهجير العرب والتركمان وتضييق الخناق عليهم، واسطوانة الانفصال التي تثار بين آونة وأخرى وبتوقيتات لو أنها حصلت في دولة أخرى لأصبحت تهمة بالخيانة العظمى لأن البلد في حالة حرب.
آخر استفزاز هو قرار مجلس محافظة كركوك برفع علم كردستان إلى جانب علم العراق على المباني الحكومية، في جلسة تمت مقاطعتها من أعضاء الكتلتين العربية والتركمانية، الأمر الذي قوبل برفض قاطع من الأوساط السياسية الحكومية والبرلمانية وكذلك عموم الشارع العراقي، بل إن بعثة الأمم المتحدة يونامي عدته أمراً خطيراً يهدد السلم الأهلي والتعايش بين مختلف المكونات، البرلمان صوت ضد ذلك القرار والحكومة وصفته بالمخالف للدستور ولقانون المحافظات، وإذا كان البارازاني وحزبه مصدر الاستفزازات السابقة، فإن قضية كركوك هذه المرة تصدر من عضو في حزب الطالباني، وقد كنا إلى وقت قريب نراهن على اعتدال حزب الاتحاد الديمقراطي، لكن على ما يبدو أن قضية اقتسام المناطق أصبحت واضحة، ولكل حزب نصيب من الخريطة.
كركوك عراقية ولا تزال تحت سلطة الحكومة الاتحادية محافظة حالها حال المحافظات الأخرى التي لم تنتظم بإقليم، والاستفتاء غير مناسب في الوقت الحالي لا على كركوك ولا على الانفصال لأننا في حالة حرب، ذلك أن إثارة هكذا قضايا حساسة بهذا التوقيت يعني بصورة وأخرى إعلان حرب مضادة، فسياسة فرض الأمر الواقع لا يمكن أن تدوم مهما طال الزمن، وواضح أن الساسة الكرد يسعون لرسم خريطة سياسية لما بعد داعش ويتصورون الأمر سهلاً، غير عابئين لا بدستور ولا بقوانين ولا بمسؤولية تاريخية أو وطنية، وغير محتسبين للاعتراضات الدولية والإقليمية على قيام دولة كردية، وبدت داعش اليوم كما لو أنها أداة لإعادة ترسيم حدود كردستان بما يلائم النزعة التوسعية على حساب الآخرين.
لا ندعو لمصادرة حق تقرير المصير لكن ليس على حساب السيادة العراقية، ولا بالخضوع لأساليب الابتزاز وفرض سياسة الأمر الواقع، ولا بانتهاز فرصة انشغالنا بالحرب المقدسة ضد الإرهاب، لأننا لم نحارب الإرهاب لخلق إرهاب من نوع جديد، وعلى الساسة الكرد أن يراعوا كونهم شركاء لا أعداء، لهم في البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة مثلما لبقية المكونات ولزاماً عليهم أن يحترموا الدستور الذي منحهم تلك الحقوق، والإقليم لا يمتلك حتى هذه اللحظة إمكانات دولة حقيقية يمكن أن تستقل مهما كانت تحالفاتها.