منذ أربعة عشر عاماً ونحن نحاول أن نتخذ من يوم التاسع من نيسان يوماً للخلاص من الدكتاتورية المقيتة، ونعاني ممن يحنون إلى ذلك العهد الأسود، بحجة الأمان والاستقرار، وهذه مغالطة كبيرة، فأي أمان في ظل حروب متتالية وحصار اقتصادي وعشرات الأجهزة القمعية، أي استقرار في حقبة دموية من أبشع حقب التاريخ؟!
لا ننكر أن العملية السياسية لا تزال تتعثر، وهناك عوامل أسهمت بتردي الأوضاع، الأميركان ارتكبوا أخطاء جسيمة، السياسيون الجدد تخبطوا في بناء الدولة، المحاصصة أتاحت الفرصة لعديمي الكفاءة أن يستولوا على مناصب ليسوا أهلاً لها، ولا ننسى تسلل البعثيين لأماكن حساسة بغية التخريب، لكن الكارثة الحقيقية كانت في التدخلات، إذ انقسم سياسيونا إلى أنصار وأعداء لهذا الطرف أو ذاك، لم يفكر إلا القليل منهم بمصلحة الوطن، كل يسعى لإرضاء الطرف الذي يعتقد بأنه يمثله ويشكل عمقه السياسي، وبتقسيمة طائفية أصبحنا نمثل سياسات قوى خارجية غذت الصراعات ومدتها بكل الممكنات.
كل القوى العظمى كألمانيا وفرنسا والصين وروسيا، رأت أن عملية التغيير ليست بصالحها، إذ فقدت حليفاً مهماً، فالعراق سيشكل مثابة حيوية للنفوذ الأميركي على حساب مصالحها، الإدارة الأميركية لم تحتسب لحجم العلاقات التي ستقلقها بين العراق وإيران عدوها الأول في المنطقة، قوى إقليمية كانت تتنافس على الولاء لأميركا لتحل محل الشاه المقبور بصفة شرطي للمنطقة رأت في العراق الجديد عقبة كأداء ومنافساً حقيقياً ليشكل دولة ديمقراطية قوية ناهضة بقدرات اقتصادية وعسكرية فعملت على إفشال تجربته، وحاربته سراً وعلانية، هذا فضلاً عن التأجيج الطائفي غير المسبوق الذي أثارته قوى معلومة لدى الجميع، سواء من خلال خطاباتها الدينية وفتاواها التكفيرية أم من خلال إعلامها المحرض ومالها السياسي الذي أغدقته على أتباعها من السياسيين والجماعات المسلحة.
نريد القول إن نظام الطاغية المقبور، برغم كل ما مررنا به من مآسٍ، لا يمكن مقارنته بأي نظام في التاريخ، فمنذ توليه الحكم حتى سقوطه، لم يهنأ العراقيون بالاستقرار، ما عدا أتباعه وجلاوزته ومريديه، منذ تعليق ما يسمى بالجواسيس على المشانق في ساحة التحرير مروراً بالمجازر التي ارتكبها بحق معارضيه من اليساريين والإسلاميين وحتى القوميين، البعثيون أنفسهم لم يسلموا من شرور صدام، ثم تهجير المواطنين في حملة التسفيرات المشهورة، وحرب الثماني سنوات التي راح ضحيتها أكثر من مليون شاب، وحلبجة والأنفال، ثم ألحقها بغزو الكويت، وقمع الانتفاضة، والمقابر الجماعية، وذلة الجوع التي أهانت كل ذي كرامة، تخيلوا لو أن التظاهرات أو الاعتصامات كانت في زمن صدام؟ ماذا كان سيفعل؟!
كل الحروب سببها صدام، وكل مآسي الحاضر يتحمل هو وزرها، جلاوزته والسائرون على نهجه الطائفي الاستبدادي يستخدمون أساليبه الدموية نفسها، ثروة العراق الحقيقية هو الذي بددها، وفوت علينا فرص التطور والنهوض، إذ استلم العراق وفي حوزته فائض كبير وهرب منه وهو من أكثر البلدان مديونية.