في العام 2003 أفصح البرلمان التركي عن قوة الديمقراطية في تركيا، حين صوت ضد مشاركة تركيا أو استخدام القواعد لضرب العراق، وكانت تركيا قاب قوسين أو أدنى للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، لكن صعود نجم أردوغان كان عودة إلى العثمنة وانقلاباً على الدولة الأتاتوركية، وعلى العكس من الموقف السابق للبرلمان بعدم التدخل، أطلق أردوغان العنان لتدخلاته بدعم تنظيمات الأخوان المسلمين في مختلف الدول العربية، وأصبحت تدخلاته سافرة في سوريا والعراق ومصر وليبيا وتونس، واليوم من خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية لمنحه صلاحيات مطلقة يكون قد أنهى آخر عهد للديمقراطية في تركيا.
رب قائل يقول ما لنا وتركيا؟! وقبل هذا السؤال ينبغي أن نقول ما لأردوغان والعراق؟! ألم يتدخل في شؤوننا الداخلية؟ ألم يوفر غطاء لوجستياً لداعش؟ ألم تشرف ابنته مباشرة على جرحى داعش في المستشفيات التركية؟ ألم يكن ابنه الوسيط الرئيس لبيع النفط الذي تهربه داعش أو غيرها من حقول العراق؟ ألم يدفع بقوات عسكرية محتلة انتهكت السيادة الوطنية؟ ألم يتجاوز على كل المعاهدات بدخول الأراضي العراقية بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردي؟ ألم يلوح مرات ومرات بقطع المياه؟ وقضايا أخرى كثيرة، ولو كانت تركيا بقوتها الديمقراطية وبرلمانها المستقل لما سمح لأردوغان بكل هذه التجاوزات، بمعنى آخر إن تركيا ديمقراطية ستكون أفضل لمستقبل العراق من تركيا استبدادية ينفرد أردوغان بقراراتها السياسية وعلاقاتها الخارجية.
الشيء نفسه يقال عن سورية، فبعضهم يقول ما لنا وبشار الأسد؟!
نعم ما لنا وأي حاكم، لكن جميع الدول تحرص ألا تجاورها أنظمة تهدد أمنها، فالنظام السوري الحالي أفضل مئة مرة من الجماعات الإرهابية أو ما يسمى بالمعارضة المرتبطة بأجندات إقليمية همها الأول والأخير محاربة العراق وتقويض تجربته وإعادته إلى ما كان عليه من نظام استبدادي أحادي قبل 2003، ذلك أن أحداث سورية وضعتنا بين خيارين إما النظام الحالي أو نظام ديني سلفي وأخواني مرتبط بمشروع الهيمنة السعودية وأذرع النفوذ التركي القطري فأيمها الأفضل لنا؟!
لنتخيل أن العراق محاط بأنظمة ديمقراطية، لها برلمانات كالبرلمان التركي الذي صوت ضد مشاركة جيش بلاده في العام 2003، ولها دساتير لا تقر بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتحترم المعاهدات والقوانين الدولية، وحقوق الإنسان ولا تفرق بين الطوائف والأديان، فهل كنا نعاني مثلما عانينا على أيام النظام الصدامي الذي كان مدعوماً لأسباب طائفية من غالبية دول الجوار التي غذت عنجهيته لخوض حرب الثماني سنوات مع الجارة إيران؟
على إن غزو الكويت كان نتيجة طبيعية لتلك الحرب، نحن لا نحاول إلقاء الأخطاء على الآخرين، لكن للآخرين أدوار فاعلة تسببت بالكثير من المآسي التي عشناها ونعيشها الآن، فدول الجوار تتقاسم اليوم العراق من خلال طوائفه وأحزابه، وتصدر الفتاوى التي تشرعن قتلنا، وتمد بمالها السياسي كل أنماط الإرهاب وعوامل الفتنة والتفرقة وتخريب حياتنا، والجار قبل الدار كما يقول المثل الدارج.