هذه ليست المرة الأولى التي تقيم فيها دولة إقليمية مؤتمراً لما يسمى المعارضين للعملية السياسية في العراق، فقد سبقت مؤتمر الدوحة الأخير مؤتمرات عديدة في تركيا والأردن، وهي عادة مؤتمرات تضم بعثيين ملطخة أياديهم بدم الشعب العراقي، وأمراء حرب من مثيري الفتنة الطائفية، وعناصر تنتمي لتنظيمات إرهابية متورطة بارتكاب مجازر، ومجرمين صدرت بحقهم أحكام قضائية، ومطلوبين للقضاء وخونة وطائفيين ومحرضين وتكفيريين، وللأسف الشديد ينضم بعض المشتركين في العملية السياسية لتلك المؤتمرات المشبوهة، سواء بالحضور والمشاركة أم بالتضامن.
ليس بإمكاننا تبرير موقف السيد سليم الجبوري رئيس البرلمان، حتى وإن ادعى بأنه في زيارة رسمية تم ترتيبها في وقت سابق، لا علاقة لها بالمؤتمر، لأنه لو لم يكن راضياً أو مباركاً لهذا المؤتمر المشبوه لاستنكر الأمر وألغى زيارته الرسمية احتجاجاً على التدخل السافر لدويلة قطر التي تستظل بمظلة السفارة الإسرائيلية، هذا بافتراض إنه عنوان وطني لا يمثل مكوناً أو طائفة، بل يمثل جميع ممثلي العراق بمختلف مكوناته وأطيافه، ويفترض به أن يوضح حقيقة التزامن بين عقد المؤتمر وزيارته الرسمية، هل كان ذلك بتدبير من قطر من دون علمه، أم بتنسيق معه؟ فوراء هذا التوقيت غايات مقصودة، منها إضفاء شرعية أوسع على المؤتمر الفاقد لشرعيته جملة وتفصيلاً، وتوظيف وجوده حضر أم لم يحضر للتشاور، وهذا بحد ذاته إيحاء بقبوله للمؤامرة التي تحاك ضد البلد، ومن ثم وقوفه إلى جانب القتلة والمجرمين والإرهابيين، وفي هذا توريط سياسي لا ينبغي أن ينطلي عليه وهو رئيس برلمان وليس سياسياً مجرداً.
أهداف المؤتمر كانت جلية وواضحة للجميع، والشخصيات التي حضرت معروفة للشارع العراقي، وقد يكون لتزامن اجتماع القادة العسكريين الأميركان مع شيوخ محافظة الأنبار في قاعدة (عين الأسد) مع المؤتر خيوط ممتدة، ورسالة إضافية لاستبعاد الحشد الشعبي من معادلة الحرب مع داعش، والتمهيد لإنشاء ما يسمى بالإقليم السني، وإعادة انتشار القوات الأميركية، وربما لاحقاً ضرب العملية السياسية برمتها وإعادة ترتيب خريطتها بحجة التخلص من النفوذ الإيراني.
ما نحذر منه بشدة هو الإعلان عن إقامة مؤتمر أوسع برعاية الأمم المتحدة، فبهذا تلويح بتأسيس مجلس لما يسمى بالمعارضة العراقية، على غرار المجلس السوري الذي قبلته جامعة الدول العربية بديلاً عمن يمثل شرعية الدولة، والأغرب من ذلك قبول النائبين محمد الكربولي وأحمد المساري بعضوية اللجنة السداسية المكونة من قيادي بعثي وتجار وساسيين مشبوهين، فأين نحن من الدستور الذي يحظر حزب البعث؟! ونتساءل ما مدى توافق ذلك مع النظام الداخلي لمجلس النواب؟ وما موقف الخارجية العراقية؟ ومن دون تبريرات فإن ما قام به الجبوري وبعض النواب لا يعد خرقاً للأعراف والقيم الوطنية فحسب، وإنما يعد انتهاكاً لهيبة الدولة العراقية، وتضامناً مع دولة انتهكت الأعراف الدولية والعلاقات الدبلوماسية بتدخلاتها العدوانية ضد العراق.