ابتداءا لابد من التعريف بالعنف المادي فهو بأختصار استخدام القوة المادية ضد المراة بقصد الحاق الاذى بها او أخضاعها او استغلالها استخداما غير مشروع ومن شأنه هذا العنف ان يترك اثرا ظاهر وملموسا ومحسوسا على الضحية وقد يصدر من رجل واحد او مجموعة وهو يختلف عن العنف المعنوي من ناحية الوسيلة والاثر . وتتعرض المراة في مجتمعنا العراقي للعنف المادي او الجسدي سواء اكانت زوجة او بنت او اخت او خاله او عمة او جدة او.. وهنا هذا ما يعد من انماط العنف العائلي فهو اكثر انواع العنف المادي شيوعا والناجم عن التوظيف السّيء للقوة تجاه الأضعف داخل كيان الأسرة، او تعرضها للعنف ولو لم تكن تربطها باي صله بلمعنف وهذا النمط مايسمى بالعنف الموؤسساتي اوالمدرسي او المجتمعي وفقا للمكان المرتكب فيه العنف. ومن اشكال العنف الجسدي هو الضرب والحرق والايذاء وهذا يشكل جرم وفق احكام قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969ويعاقب مرتكبها وفقا لاحكام المواد 412 و 413 و 414 و 415 و416 وحسب جسامة الجرم يزداد مقدار العقوبة. ومن الحالات التي وردت مركزنا (مركز الامل للارشاد الاسري في النجف): فقد تعرضت احدى النساء للضرب من قبل زوجها لكونها قدمت الاكل باردا له وادى الضرب الى انفجار الطحال ونجت من الموت باعجوبة لتاخر اسعافها واودع زوجها التوقيف بتهمة وفق المادة 412 عقوبات وقد تنازلت فيما بعد عن حقها في الشكوى على زوجها وتطالب بالافراج عنه غير مبالية بماقام به وكرامتها المهدورة لانها ليس لديها أي ماوى اخر هي واطفالها الاربعة سوى الغرفة التي تسكنها مع زوجها في دار اهله واعسار اهلها الذين يملكون دار تتكون من غرفتين وفيها اثنى عشر فردا.. اما الشكل الاخر من اشكال العنف الجسدي هو القتل ومن ابشع صوره واشكاله القتل بدافع الشرف والاستفاده من احكام المادة 409 من قانون العقوبات والتي تخفف الحكم لمرتكب جريمة القتل بدافع الشرف ومع الاسف فان هذه الماده اباحت قتل النساء وبلا ذنب والكثير من القضايا كانت تستهدف المراة للقتل اماحرمانها من الارث اومشاكل شخصية او تقتل على سبيل شبهه بسيطة وتؤل على انها غسل عار ويفلت مرتكبها من العقاب؟
هذا من جانب ومن جانب اخر هذه الماده تخفف الحكم عن الرجل دون المراة فلووجدت احدى النساء زوجها متلبس بلزنا وعلى فراش الزوجية وقامت بقتله فانها تحاكم باقسى العقوبات وقد تصل للاعدام ويفلت الرجل الذي يرتكب هكذا جرم من العقاب؟
اما الشكل الثالث والاخير من اشكال العنف الجسدي فهو الاعتداء الجنسي وهو من ابشع انواع العنف الجسدي وحتى انه ابشع من القتل واكثر اذى لان الضحية بموجب العنف الجنسي تبقى طول حياتها تعاني من الالام نفسية وكبت وانطواء على عكس القتل فان الضحية تنتهي حياته ويسلم امره عند ممارسة العنف عليه ويعاقب مرتكب الاعتداء الجنسي وفقا لاحكام المواد:393، 394، 395، 396، 397، 398
من قانون العقوبات العراقي وقد تصل اقصى العقوبة وفق لاحكام القانون الى الاعدام ان تعرضت للاغتصاب جبرا ولم تبلغ سن الرشد؟ والغريب في مجتمعنا انه لو تعرضت المراة للاغتصاب جبرا ودون ارادتها فانها قد تتعرض للقتل من قبل اهلها لانها تجلب العار لهم وكانها مذنبة؟. ولابد هنا من الاشارة الى ان احكام المادة 41 من قانون العقوبات التي تبيح تاديب الزوج لزوجته وتعتبره عملا مباحا لايستوجب العقاب؟ ولم يحدد ماهو التاديب ولماذا الزوجة فقط هي بحاجة للتاديب؟. وترجع اهم اسباب العنف المادي ضد النساء الى سوء فهم وتفسير مبادئ الشريعة الاسلامية الغراء التي لم ولن تقبل بالعنف كوسيلة او حل وكذلك الحروب الخارجية والاهلية والتمرد العسكري وغيرها ومامن شأنه من استغلال النساء تداعيات الحروب الكارثية وما تخلقه من ثقافة للعنف وشيوع للقتل.. والأزمات الاقتصادية الخانقة وما تفرزه من عنف عام بسبب التضخم والفقر والبطالة والحاجة.. والجهل والامية والتخلف والآثار السلبية للتدهور التعليمي والتربوي والصحي والبيئي الذي يشل نمو وتطور المجتمع بكافة شرائحه. وكذلك بعض العادات والاعراف والتقاليد العشائرية التي تهدر حقوق المراة وتبيح ضربها وقتلها وحرمانها من حقوقها وعدم الاعتراف باهليتها الكاملة.
ولعل اهم اثار ذلك هو فقدان المراة انسانيتها التي هي هبة الله حينما تقع ضحية العنف المعتمد، وبفقدانها لإنسانيتها ينتفي أي دور بنّاءٍ لها في حركة الحياة والتنمية. فوفقا للشرعة الدولية فمن حق كل إنسان سواء اكان امرأة ام رجلا ألا يتعرض للعنف وأن يُعامل على قدم المواساة مع غيره من بني البشر باعتبار ذلك من حقوق الإنسان الأساسية التي تمثل حقيقة الوجود الإنساني.
وعندما تُهدر هذه الحقوق فإنَّ الدور الإنساني سيؤول إلى السقوط والاضمحلال،. إن ثقافة العنف ضد المرأة هي التي تجعل الناس يعتقدون أن العنف ليس عنفا وإنما هو حماية للمرأة وتهذيبها، وهذه الثقافة هي التي تنتج احتقارا منظما للمرأة و لجسدها.
ولايقرون ان المرأة شريك الرجل في بناء الحياة وإتحافها بالإعمار والتقدم، ولن تستقيم الحياة وتُؤتي أُكلها فيما لو تم التضحية بحقوق المرأة الأساسية وفي الطليعة حقها بالحياة والأمن والكرامة، فالعنف المسلط عليها يقتل ابداعها ويجعلها مقيدة ويعطل من تنمية وتقدم المجتمع والبلد بصورة عامة.