لنشر ثقافة حقوق الانسان في كل ميادين المجتمع اهمية كبيرة لتمكين الناس من الإلمام بالمعلومات الاساسية اللازمة لتحررهم من جميع الانتهاكات ومعرفتهم باهم حقوقهم، وغرس الشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الأفراد والمصالح العامة. كما أن ثقافة حقوق الإنسان تشمل مجموعة القيم والبنى الذهنية والسلوكية، والتراث الثقافي والتقاليد والأعراف التي تنسجم مع مبادئ حقوق الإنسان، ووسائل التنشئة التي تنقل هذه الثقافة في البيت والمدرسة والهيئات الوسيطة، ووسائل الإعلام.
إن تعليم ثقافة حقوق الإنسان ونشرها هو عملية متواصلة وشاملة تعم جميع صور الحياة، ويجب أن تنفذ إلى جميع أوجه الممارسات الشخصية والمهنية والثقافية والاجتماعية والسياسية والمدنية. ومن الضروري لجميع المهن أن ترتبط بمقاييس أداء تلتزم بقيم تستلهم الحقوق الأساسية للإنسان.
فهكذا ثقافة، تغرس في النفوس حب واحترام الكرامة الانسانية والمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، ويدعوالناس بالضرورة إلى الاحترام المتبادل والمساعدة الجماعية والتأقلم مع حاجات بعضهم البعض وحقوقهم، كما يقودهم إلى القبول بالعمل معًا للتوصل بصورة حرة إلى صياغات مناسبة ومتجددة تضمن توازن المصالح والعمل المشترك من أجل الخير العام، دون حاجة إلى فرض سلطان العنف المنظم أو العشوائي الذي يصادر حريات الناس جميعًا
وهنا لودققنا التقييم العالمي الذي أجراه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في منتصف العقد (1999م) لتقييم التقدم الذي حصل في النصف الأول، لوجدنا أنه نادرًا ما تم وضع استراتيجيات فعالة لنشر ثقافة حقوق الإنسان على المستوى الوطني بشكل عام، رغم أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد أعلنت بالإجماع دعمها عقد تعليم حقوق الإنسان، كما صادقت على معاهدات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي تحوي بنودًا حول حقوق الإنسان.
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمات غير الحكومية كانت (ومن المؤكد أنها ما زالت) تمثل فاعلاً رئيسًا في مجال تعليم حقوق الإنسان،وحث الدول على نشر هكذا ثقافات ولكن هناك حاجة لزيادة التعاون والتنسيق بين أدوار المنظمات الحكومية وغير الحكومية فيما يتعلق بأنشطتها لتعليم حقوق الإنسان .
وبخصوص تعليم حقوق الإنسان في المدارس على وجه التحديد، تشير دراسة من جامعة أونيونتا في نيويورك عام 2000م إلى أن 40% من مدارس الولايات المتحدة المشمولة في الدراسة تعتمد مادة حقوق الإنسان ضمن برامج التعليم القياسية فيها، وتربطها بمواضيع أخرى.
أما في العالم العربي، فقد أشارت دراسة تقييمية لمحتوى الكتب المدرسية ألقيت في الندوة العربية حول التربية على حقوق الإنسان في بيروت في 1997م شملت عشرًا من الدول العربية التي صادقت أساسًا على العهدين الدوليين، أشارت الدراسة إلى أنه كان هناك بوادر اهتمام بتدريس مبادئ حقوق الإنسان ضمن مضامين النصوص التي وردت في الكتب المدرسية. ولكن هذه البوادر ليست ذاتها في كل البلدان العربية، والخطوات ليس بالنسق والسرعة نفسيهما، ولا بالطريقة نفسها في كل مواد التعليم وفي جميع سنوات التدريس. ولا تدرس مادة حقوق الإنسان بوصفها مادة مستقلة في جميع أطوار التعليم. وفي أفضل الأحوال يتم تعليم حقوق الإنسان بشكل صريح ومباشر من خلال مادة التربية المدنية (في التعليم الأساسي والثانوي) ومادة حقوق الإنسان (في التعليم الجامعي) كما في تونس، ولكن في معظم الأحيان يمكن استخلاص بعض الإشارات لحقوق الإنسان في مادة التربية المدنية أو الوطنية أو المواد الدراسية الأخرى في مراحل التعليم المختلفة، أي أن نشر المبادئ والقيم المتصلة بحقوق الإنسان يتم ضمنيًا وبشكل غير مباشر، باستثناء كليات الاقتصاد والعلوم السياسية في معظم الدول العربية. وعلى أي حال، فقد يكون وجود مقرر منفصل لحقوق الإنسان ضمن مقررات التعليم أمرًا يباعد بين طلابنا وتشكل القناعة بمبادئ حقوق الإنسان، ويحولها إلى معلومات جافة يحفظها الطلاب دون أن يعني فهمها شيئًا كبيرًا بالنسبة لهم.
ولعل الأسلوب المناسب لتعليم حقوق الإنسان هو إشاعة مناخ عام في جميع المؤسسات التعليمية يؤمن بحرية الفكر وحرية الرأي واحترام حقوق الإنسان بين الطلاب والمعلمين والإدارة، ومن ثم السعي لدراسة التجارب الناجحة والرائدة لنشاط حقوق الإنسان داخل مدارس الحكومة والاستفادة من الأدلة والقواعد الإرشادية التي صممتها المنظمات العالمية لدعم المعلمين. ولعل اهم أهداف تعليم حقوق الإنسان ونشر ثقافتها بماياتي:-
- اولا:- تنمية الشخصية الإنسانية وازدهارها بأبعادها الوجدانية والفكرية والاجتماعية، وتجذير إحساسها بالكرامة والحرية والمساواة والعدل الاجتماعي والممارسة الديموقراطية.
- ثانيا:- تعزيز وعي الناس، نساء ورجالاً بحقوقهم بما يساعد على تمكينهم من تحويل مبادئ حقوق الإنسان إلى حقيقة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية، ورفع قدرتهم على الدفاع عنها، وصيانتها والنهوض بها على جميع المستويات.
- ثالثا:- توطيد أواصر الصداقة والتضامن بين الشعوب، وتعزيز احترام حقوق الآخرين، وصيانة التعدد والتنوع الثقافي وازدهار الثقافات القومية لكل الجماعات والشعوب، وإغناء ثقافة الحوار والتسامح المتبادل ونبذ العنف والإرهاب، وتعزيز اللاعنف ومناهضة التعصب وإكساب جميع الناس مناعة قوية ضد خطاب الكراهية.
- رابعا:- تعزيز ثقافة السلام القائم على العدل وعلى احترام حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير، والحق في مقاومة الاحتلال، ودمقرطة العلاقات الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي، بحيث تعكس المصالح المشتركة للبشرية.