ربطتني علاقة صداقة مع المطرب الشهير ناظم الغزالي بحكم عملي الصحفي. وكنت في بداية عملي في صحيفة الشعب ومجلتها (الاسبوع) في العهد الملكي اتولى متابعة الفنانين واجري لقاءات معهم وكان من اشهرهم في ذلك الوقت ناظم الغزالي وقراء المقام مثل يوسف عمر وعبد الرحمن خضر.
وفي عام 1959 كنت اعمل محررا في صحيفة البلاد التي اسسها المرحوم روفائيل بطي وكنت اعد صفحة فنون للجريدة عندما اتصل بي ناظم الغزالي وقال انه يريد زيارتي في الصحيفة.
رحبت به كالعادة لكن اتضح لي انه لم يكن لوحده بل معه اثنان من اشهر قراء المقامات هما يوسف عمر وعبد الرحمن خضر.
قال لي ناظم الغزالي جئنا نحن الثلاثة اليك نطلب ان تساندنا اعلاميا في خلاف بيننا وبين الاذاعة التي قررت تخفيض وقت برنامج المقام من نصف ساعة يوميا الى ثلث ساعة.
في العمل الصحفي تعد هذه فرصة لا تحصل كل يوم ومساندتهم في مطلبهم يعني المزيد من المواضيع والتحقيقات الصحفية؟
وقد ساندتهم فعلا في حملة صحفية استجابت لها الاذاعة لبعض الوقت. ونشرت عدة موضوعات نقلت فيه اراءهم واراء المستمعين ومحبي المقام مع صورة التقطت اثناء الزيارة يبدو فيها قراء المقام الثلاثة وهم يحملون بايديهم [السبح] كعادة قراء المقام وانا اقف في يمين الصورة
وحسب علمي فان ناظم الغزالي المولود في بغداد عام 1921 قد توفي عام 1963 في مثل يوم الثلاثاء المقبل 23 تشرين الاول. ولد في منطقة الحيدر خانة في بغداد يتيمًا، وبمنتهى الصعوبة استطاع أن يكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة، في المدرسة المأمونية، وبعد تردد طويل ألتحق بمعهد الفنون الجميلة قسم المسرح، ليحتضنه فيه فنان العراق الكبير حقي الشبلي. ولا اذيع سرا ان أول أغانيه (هلا هلا) لحنها له حقي الشبلي وقد غناها ناظم في عام 1948 وكان عمره 27 عاما. لكن ظروفه المادية القاسية جعلته يترك المعهد ليعمل مراقباً في مشروع للطحين بأمانة العاصمة وهناك اكتشف عمال المشروع موهبته الغنائية. لكن تلك الفترة وتشجيع الزملاء والاصدقاء جعلته يعود الى معهد الفنون الجميلة ويحقق النجاح بين زملائه في المعهد.
يمكن القول بدون تردد ان ناظم كان طموحا وكان انيقا للغاية وكان ينفق ما يحصل عليه على الديكور في تقديم اغانية بما يثير اعجاب المستمعين والمشاهدين. وكان من المطربين المثقفين ةقد ظهر ذلك في سلسلة مقالات نشرها في مجلة "النديم" تحت عنوان "أشهر المغنين العرب"، وظهر أيضاً في كتابه "طبقات العازفين والموسيقيين من سنة 1900 ـ 1962"،. ساعده حقي الشبلي كثيرا فانضم إلى فرقة "الزبانية" وشارك في مسرحية "مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد شوقي في عام 1942.
لكن نجاح اغنيته "هلا هلا" في الإذاعة جعلته يترك التمثيل المسرحي ليتفرغ للغناء. وبين عامي 1947 و1948 انضم إلى فرقة الموشحات التي كان يديرها ويشرف عليها الموسيقار الشيخ علي الدرويش.
ومما اذكره علاقته بالرئيس عبد السلام عارف الذي كان شغوفا باغانيه وقد بدأت تلك العلاقة في فلسطين حين سافر ناظم اليها مع الوفد الفني للدعم المعنوي وشحذ همة الجيش العراقي والجيوش العربية المتواجدة في فلسطين لمحاربة إسرائيل، والتقى هناك بعبد السلام عارف الذي أصبح لاحقاً رئيساً للجمهورية وتمتنت علاقة الصداقة بينهما بسبب حب عارف لفن الغزالي والمقام العراقي عامة لكنه للاسف توفي في السنة الاولى لرئاسة عبد السلام اي في اواخر عام 1963.
في الخمسينيات بدأت أغنيات الغزالي تعبر الحدود، فسافر إلى عدة دول، وأقام عدة حفلات في كثير من الدول العربية.
زواجه بسليمة مراد
كان زواج الغزالي من سليمة مراد من الزيجات المثيرة للجدل ان كانت عن حب او كانت للمنفعة المشتركة ومن المؤكد ان سليمة باشا كانت تحتاج الى زوج بمواصفات ناظم شاب طموح يحب الغناء وقد تعلم منها الكثير خلال السنوات العشر لزواجعما من 1953 الى 2963. وفي عام 1958 قاما بإحياء حفل غنائي جماهيري كبير، فتح آفاقاً واسعة لهما إلى خارج حدود العراق فكانت بعدها حفلات في لندن وباريس وبيروت.
وفاته
قبل وفاته سافر إلى بيروت، وأقام فيها 35 حفلاً، وسجل العديد من الأغاني للتلفزيون اللبناني، ثم إلى الكويت، وسجّل قرابة عشرين حفلة بين التلفزيون والحفلات الرسمية.
وفي العام نفسه أجتهدَ وبذلَ جهداً كبيراً ليتمكن بسرعة أنْ ينتهي من تصوير دوره في فيلم "مرحبا أيها الحب" مع المطربة نجاح سلام، وغنّى فيه أغنية "يا أم العيون السود".
اما وفاته فاننا نذكر ذلك اليوم 23 تشرن الاول 1963 عندما قطعت الاذاعة برامجها لتذيع خبر وفاته وهو ما لم تفعله الاذاعة باذاعة اخبار الوفيات. وحسب ما قيل لنا انه في صباح ذلك اليوم طلب قدحاً من الماء الساخن لحلاقة ذقنه، لكنَّه سقط مغشياً، وبعدها فارق الحياة.
اما سليمة باشا فقد روت لنا ما حدث قائلة " كنت قد عدت من بيروت في حوالي الثانية عشرة وعشر دقائق ظهرا. توجهت نحو البيت فشاهدت جموعا متحشدة من الناس في الباب. وعندما اقتربت منهم كي استعلمهم لم يخبروني فيما كانت عيونهم تنبئ بوقوع كارثة. دخلت مجنونة اركض إلا إن – روزة – فاجأتني قبل أن أسالها بحقيقة المأساة، بعدها تهالكت عند مدخل البيت ولم أفق من غيبوبتي إلا بعد أن اكتظ البيت بالزحام".
ومما يذكر في هذا المجال ان سليمة مراد التي تكبر ناظم الغزالي بــ 16 عاما (مواليد 1905) عاشت بعد وفاته 11 عاما لتتوفى عام 1974 وكان عمرها 69 عاما اما هو فقد كان عمره عند الوفاة 42 عاما.
وكصحفي عرف ناظم الغزالي عن قرب استطيع ان اؤكد ان سليمه باشا كانت تشكل بالنسبة له الصديقة والمعلمة والزوجة.
رحمهما الله