عرفت الصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل قبل ان التقيه خلال زياراتي العديدة برفقة الرئيس عبد السلام عارف وقبله وزراء الاقتصاد في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم الذين مثلوا العراق في اجتماعات المجلس الاقتصادي العربي والوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة.
وعرفته عندما عينت مديرا لمكتب وكالة الانباء العراقية (واع) في مصر عام 1972 وشهدت في ذلك الوقت الاطاحة به كرئيس لتحرير صحيفة الاهرام بقرار من الرئيس انور السادات وتعيين الكاتب المعروف الصيق احمد بهاء الدين (رحمه الله).
وهيكل كما هو معلوم كان موطن اسرار الرئيس جمال عبد النصر منذ انطلاق ثورة 23 يوليو (تموز) 1953 وهو يعرف الكثير عن الرئيس عبد السلام عارف واتجاهاته الوحدوية وايمانه بقيادة عبد الناصر لحركة التحرر العربي.
وقد نشر هيكل الكثير من المقالات التي تشير الى ان الجمهورية العربية المتحدة برئاسة عبد الناصر كانت تقف الى جانب عبد السلام في الصراع بينه وبين الزعيم عبد الكريم قاسم بعد ثور 14 تموز 1958 في العراق.
من الااسرار التي يرويها هيكل عن ثورة 14 تموز والعلاقة بين قاسم وعارف اتصالهما السري بالرئيس جمال عبد الناصر قبل الثورة.
وكما يروي هيكل ذلك الاتصال ان قاسم وعارف اتصلا سرا بالرئيس عبد الناصر يعرضان عليه مشروع الثورة قبل وقوعها بعام واحد.
** هيكل يخاطب الزعيم
يقول هيكل في رسالة مفتوحة نشرها في مقال له في الاهرام بتاريخ 17 كانون الاول 1958 مخاطبا الزعيم عبد الكريم قاسم:
في البداية لم تكن فجر 14 يوليو، يوم الثورة في العراق يا سيدى، وإنما كانت قبل ذلك بزمان طويل. كانت يا سيدى قبل عام من الثورة على الأقل
في ذلك اليوم يا سيدي "عبد الكريم قاسم" سعيت، وسعى معك زميلك وصديقك وشريكك في الثورة - عبد السلام عارف - لكى تتصل بدمشق والقاهرة وتبعث برسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر.وكنت يومها في الأردن ومعك عبد السلام عارف. وتسللتما ذات ليلة في السر إلى قرية على الحدود مع سوريا والتقيتما بعدد من المسؤولين السوريين وسألتماهم إن كان منهم من يستطيع أن ينقل رسالة منكما إلى القاهرة.
ومع ذلك فلنسم الأشخاص بأسمائهم لكى تكون الصورة كلها واضحة لا لغز فيها ولا طلسم.
تلك الليلة، في درعا، على الحدود السورية - الأردنية، التقيتما، أنت وعبد السلام عارف بأمين النفورى وزير المواصلات اليوم وأحمد عبد الكريم وزير البلديات وعبد الحميد
السراج وزير الداخلية في الإقليم السوري! هل تذكر يا سيدى؟
تذكر طبعاً! وفى تلك الليلة يا سيدى، تكلم عبد السلام عارف أمامك، وأفضى بالسر كاملاً إليهم ثم تكرر اللقاء ثم كانت رسالة محددة منكما، طلبتما أن تنقل إلى القاهرة، ويطلب من القاهرة الرد عليها:
"إن هناك تنظيماً سرياً في الجيش العراقى، وإن ضباط هذا التنظيم قد فاض بهم الألم وما عادوا يطيقون الصبر أو يقدرون عليه، وإنهم سوف يتحركون مهما كلفهم الأمر ضد نوري السعيد وكل من يمثله، ابتداءً من حلف بغداد، إلى التآمر على القومية العربية".
** نص رسالة قائدي الثورة الى عبد الناصر
هذه هي الرسالة.والرد الذي يطلبونه عليها:
"نود التفضل باعلامنا موقف حكومة الجمهورية العربية المتحدة، وسيادة الرئيس جمال عبد الناصر عن كيفية ابداء النصح ومن خلال خبرتكم في ثورة 23 يوليو من امكانية تنظيم صفوف الضباط في العراق، وماهو تصوركم لكيفية بدء التحرك، وما هو السبيل إلى وضع خطة، ثم ما هي الضمانات التي تستطيع القاهرة أن تقدمها للتنظيم، وما هو مدى المساعدة التي يمكن أن تبذل لحماية الثورة وحماية العمل الذي نقوم به؟".
تذكر يا سيدى الزعيم ذلك طبعاً ولا تنساه ولعلك يا سيدى أيضاً تذكر ولا تنسى الرد الذي وصل إليكما من القاهرة.
لقد طار عبد الحميد السراج بعد لقائه بكما إلى القاهرة يحمل الرسالة ويطلب الرد من الرئيس جمال عبد الناصر شخصياً.
ثم عاد السراج يحمل الرد.
ماذا كان الرد يا سيدى؟
** من عبد الناصر الى قاسم وعارف
كان الرد:
- 1.أن خير ضمان للذى تشعرون أن واجبكم يدعوكم إليه هو أن تحفظوا أمركم سراً حتى علينا.
- 2.2 - إنكم وحدكم تقدرون على وضع الخطة التي تتلاءم مع ظروف بلادكم، والخطة التي نجحت صباح 23 يوليو في القاهرة لا تصلح للتطبيق في بغداد بسبب اختلاف الظروف.
- 3.إن الذي يضع الخطة لابد أن يكون هو نفس الذي ينفذها، لأن كل خطة ناجحة يجب أن تكون مرنة في نفس الوقت، تشكل نفسها في حدود الفكرة العامة، مع تطورات التنفيذ دقيقة بدقيقة، ولو أن خطة 23 يوليو نفذت بحذافيرها كما وضعت قبل بدء التنفيذ لما لاقت النجاح الذي لاقته، ولذلك يجب أن يضع الخطة لأى عمل في العراق من يملك ساعة التنفيذ أن يغير ويبدل بما يتلاءم مع التطورات ويستفيد منها.
- 4.إن الذي يريد أن يقوم بعمل ثورى لا يسأل عن الضمانات، وإنما هو يقدر موقفه، وضمانه الوحيد هو استعداده لبذل آخر قطرة من دمه في سبيل ما يؤمن به من هدف.
- 5.إن الفكرة والخطة والهدف، يجب أن تنبع من العراق لكى لا يكون مجالاً للتشويش على الثورة بعد وقوعها بأنها كانت من وحى بلد بذاته أو شخص بذاته.
- 6.إن الفرص لنجاح ثورة في العراق واسعة عريضة.
- 7.إن الرأى العام العربي أولاً سوف يهب لحمايتها.
- 8.إن البلاد العربية كلها تحكمها الآن تيارات متحررة، ولقد اختلفت الظروف الآن عما كانت عليه مثلا سنة 1952 عندما قامت الثورة المصرية، فلقد كانت المنطقة كلها في ذلك الوقت تحت حكم الاستعمار مباشرة أو تحت حكم أعوان الاستعمار.
- 9.وأخيراً، فإن كل حركة للتحرر في العراق، تستطيع أن تطمئن من غير اتفاق ومن غير سابق تشاور، أنه في اللحظة التي تعلن فيها عن نفسها، سوف تلقى من القاهرة، كل ما وراء القاهرة وما أمامها من عون وتأييد بالعمل، وليس بمجرد إلقاء الخطب.