مما اذكره عن الزعيم عبد الكريم قاسم الذي انشئت وكالة الانباء العراقية بقرار منه عام 1959 انه كان يحرص ان يزود الوكالة بالاخبار المهمة عن طريق السكرتير الصحفي لكنه احيانا يقدمها مباشرة بنفسه وهذا ما حدث يوم 30 كانون الثاني عام 1961.
في ذلك اليوم كان موعد افتتاح مؤتمر وزراء الخارجية العرب ببغداد وكان الزعيم حريصا ان ينجح المؤتمر ويعده نجاحا لحكومته.
في الايام التي سبقت انعقاد المؤتمر شكلنا في وكالة الأنباء العراقية مجموعة عمل لمتابعة أخبار المؤتمر ضمت حامد يوسف حمادي الذي اصبح وزيرا للأعلام والثقافة في عهد الرئيس صدام حسين وفاروق شكري والمرحوم هادي الساعاتي وأنا، وقد بذلنا جهدا كبيرا في هذا المجال في وقت لم تكن تتوفر فيه الأجهزة ووسائل الاتصالات التي نعرفها اليوم والتي تساعد الصحفي في عمله.
كنا نقضي النهار والليل متنقلين بين المطار (مطار المثنى) وقصر الزهور حيث انعقد المؤتمر وفندق بغداد حيث إقامة الوفود ووكالة الأنباء العراقية في الصالحية قرب الإذاعة حيث تستلم أخبارنا وتوزع على الصحف وترسل إلى الإذاعة والتلفزيون ضمن نشرات الأخبار التي كانت الوكالة في تلك الفترة هي المسؤولة عن أعدادها. واذكر ان من بين ابرز الشخصيات التي حضرت المؤتمر وزير خارجية مصر محمود فوزي والامين العام للجامعة العربية عبد الخالق حسونة وغيرهما.
قبل ساعة من افتتاح المؤتمر وكنت ما أزال في مقر الوكالة في الصالحية اتصل السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم طالبا حضور المدير العام للوكالة أحمد قطان فورا إلى وزارة الدفاع لمقابلة (الزعيم) لأمر هام، ولما لم يكن المدير العام موجودا فقد طلب مني السكرتير الصحفي إن احضر وبأقصى سرعة. وحال وصولي أدخلوني على عبد الكريم قاسم في مكتبه، بادرني بأنه يريد أن يعطي الوكالة سبقا صحفيا وان علي الإسراع في إرساله وإعلانه قبل افتتاح المؤتمر. قال إن العراق نجح في إقناع تونس التي كانت تقاطع اجتماعات الجامعة العربية بحضور مؤتمر وزراء الخارجية في بغداد وان وزير خارجية تونس في طريقه الآن إلى بغداد. خرجت من مكتب عبد الكريم قاسم وأنا لا اعرف ماذا افعل بالخبر الهام الذي احمله، كان الوقت ضيقا، ولم تبق سوى عشر دقائق على افتتاح المؤتمر، وبالفعل فقد استمعت في مكتب السكرتير إن الإذاعة قد بدأت بالنقل المباشر لوقائع المؤتمر من قصر الزهور. كان المرحوم المذيع سعاد الهرمزي يتولى نقل وقائع المؤتمر من القصر وهو يصف وصول الوزراء، اتصلت هاتفيا بالإذاعة وطلبت رقم هاتف النقل الخارجي في القصر، وعندما تحدثت مع أحد الموظفين أمليت عليه الخبر وطلبت منه أن يعطيه إلى المذيع سعاد الهرمزي لإذاعته فورا. كان الخبر يبدأ بعبارة (علمت وكالة الأنباء العراقية) باعتبار أن هذه العبارة هي التي تسجل السبق الصحفي للوكالة ولكن الذي حدث هدم كل شيء فقد أذاع الهرمزي الخبر بعبارة (علمت وكالة الأنباء العربية) ومعنى ذلك أن الخبر أو السبق الصحفي قد نسبه إلى وكالة أخرى هي (وكالة الأنباء العربية) وهي فرع من وكالة أنباء رويترز البريطانية وهي وكالة نشطة في الدول العربية في حين أن وكالتنا مازالت غير معروفة إذ لم يمض على تأسيسها سوى عام ونصف العام. وهكذا ضاع السبق الصحفي لوكالتنا! لكن ما اراده الزعيم تحقق بنشر الخبر على نطاق واسع وهو ما اعتبره نجاحا يضاف الى النجاح في عقد المؤتمر ببغداد.