يوم الثلاثاء الماضي 23 تموز هو يوم تاريخي لمدينة بغداد وسكانها فهو يوم عيد ميلاد اهم شوارعها اليوم الذي افتتح فيه شارع الرشيد قبل 103 سنوات.
وكما حدث في الاعوام القليلة الماضية نتذكر هذا التاريخ وناسف لما حل بشارع الرشيد في السنوات الاخيرة بعد ان كان المركز الرئيس للعاصمة تجاريا وثقافيا وسياسيا مثل تلك الشوارع المهمة في معظم مدن العالم الكبرى كشارع اكسفورد في لندن وشارع (الجادة الخامسةFifth Avenue) في نيورك وشارع (الشانزليزيه) في باريس وشارع طلعت حرب في القاهرة وغيرها.
- ·من خليل باشا الى هارون الشيد
الشوارع هي خير دليل على تاريخ الشعوب، فالأسماء التي أخذتها شوارع المدن الكبرى لم تكن اعتباطية، بل تم اختيارها عن قصد، فقد أخذت أسماء لشخصيات وحوادث وكذلك شارع الرشيد وهو اسم الخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد. لكن شارع الرشيد لم يكن اسمه هكذا عند افتتاحه فقد سمي (خليل باشا جادة سي) وخليل باشا هو الوالي العثماني الذي افتتح الشارع في زمانه يوم 23 تموز 1916. شارع الرشيد الذي مر على افتتاحه 103 سنوات الثلاثاء الماضي كان محط الانظار ومركز القوة لكنه في النصف الثاني من عمره بانت عليه الشيخوخه فنافسه اخرون في الاهمية في بغداد التي اتسعت عشرات المرات عما كانت عليه في يوم مولده 23 تموز 1916.
- ·بعد 8 اشهر دخلته القوات البريطانية
واذا كان العراقيون قد عانوا في النصف الثاني من القرن الماضي من الحروب فان شارع الرشيد بدأ ايامه الاولى بالمعارك بين العثمانيين الذين كانوا يحكمون بغداد وبين الانكليز الذين استولوا على بغداد وشارعها بعد 8 اشهر فدخلها 40 الف جندي في اذار 1917 ليعلن الجنرال مود كلمته الشهيرة في بيانه لاهل بغداد يوم 19 اذار "جئنا محررين لا فاتحين" تماما كما فعل الرئيس الامريكي جورج بوش يوم اعلن الغزو في 19 اذار لتحرير العراق.
- ·هل هي مصادفة ان يوم 19 اذار عام 1916 كان الغزو البريطاني و19 اذار 2003 بدء الغزو الامريكي.
- ·افتتاحه لاسباب حربية
وللتاريخ فان شارع الرشيد لم يفتح من اجل عيون العراقيين فقد كان ذلك لأسباب حربية ولتسهيل حركة الجيش العثماني وعرباته امام القوات البريطانية فتم العمل في هذه (الجادة) كما كانت تسمى بصورة مستعجلة وارتجالية رغم معارضة العلماء ورجال الدين البغداديين عند ظهور عقبة امام استقامتهِ ببروز أحد الجوامع على الطريق جامع مرجان قرب الشورجة كما كان يصطدم بأملاك المتنفذين والأجانب من المشمولين بالحماية وفق الامتيازات الأجنبية، وكذلك لقلة المال المتوفر لدي الوالي العثماني لاستملاكها، لذلك وجب حصول انحناءات في الشارع تبعاً لهذه العراقيل.
- ·6 سنوات عمل قبل الافتتاح
وعند افتتاحه في الايام الاخيرة للحكم العثماني عرف باسم شارع (خليل باشا جاده سي) على اسم خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني الذي قام بتوسيع وتعديل الطريق العام الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم وجعله شارعاً باسمهِ كما بدأ بتهديم أملاك الفقراء والغائبين ومن لا وارث لهم، وهكذا أصبح الطريق ممهداً واسعاً تسلك فيه وسائط النقل بسهولة.
يقول المؤرخون ان شارع الرشيد او(خليل باشا جادة سي) قد بدأ شقه منذ عام 1910 اي ان العمل به اكتمل بعد 6 سنوات اليس غريبا انه حمل اسم الوالي العثماني خليل باشا الذي تولى الحكم في بغداد قبل الافتتاح ب 6 اشهر.
ونتساءل لماذا الغرابة وقد جاء حكام اخرون في عهود اخرى ووضعوا اسماءهم على مشاريع شيدها من سبقهم.
هذا ما جرى ويجري في عراقنا للاسف الشديد. خلال السنوات الست من عام 1910 الى عام 1917 تولى الحكم في بفداد 12 واليا عثمانيا وكان السلطان العثماني يعين كلا منهم واليا وقائدا عاما للجيش لكنهم لم يستطيعوا بجيشهم ايقاف الزحف البريطاني الى ان سقطت بغداد عام 1917 وانتهت بذلك سيطرة العثمانيين على العراق لتبدا حقبة جديدة من الحكم الاجنبي.
- ·من هو خليل باشا؟؟
الوالي خليل باشا الذي سمي الشارع باسمه لم يحكم بغداد اكثر من سنة وشهرين قبل ان ينسحب مع الجيش العثماني يوم 11 اذار عند احتلال بغداد عن طريق البر باتجاه سامراء ثم الموصل. وحسب المؤرخين فان خليل باشا كان سيء السمعة لا يختلف كثيرا عما عرفناه من حكام العراق وانقل هنا نص ما ذكره المؤرخون (ترك هذا الوالي اكثر امور البلد وانهمك في الرذائل انهماكا شائنا ولم يبال في الوضع واشتغل في لذائذه).
- ·820 مينى تراثيا
والان اصبح شارع الرشيد مكبا للنفايات بعد ان كان اهم شوارع بغداد ورغم البيانات والتصريحات من المسؤولين في امانه بغداد لانتشاله مما هو فيه الى ان حالة الشارع لم تتغير.
يوم الجمعة الماضي ابدى وزير الثقافة د عبد الامير الحمداني في ندوة عقدت في العاصمة الاردنية عمان اهتمام وزارته بالشارع مشيرا الى ان شارع الرشيد يضم 820 مبنى تراثيا من ساحة الميدان الى شارع ابو نؤاس تحتاج الى رعاية وصيانة.
ورغم كل ما حل بالشارع فان فيه حاليا اهم معالم العاصمة بغداد مثل شارع المتنبي ومقهى الزهاوي وسوق الصفافير وتمثال الرصافي والبنك المركزي ومصرف الرافدين وسوق الشورجة والسوق العربي وجامع الحيدر خانه ومسرح الرشيد وغيرها الكثير مما لا يحصى من مبان تراثية لها مكانة في تاريخ هذه المدينة الخالدة.