من ذكرياتي عن الرئيس عبد السلام عارف انه استدعاني وطلب مني ان اوجه للرئيس جمال عبد الناصر سؤالا محددا حين نلتقيه في ذلك اليوم من شهر شباط 1966.
كان الرئيس عارف في زيارة لمصر استغرقت مدة طويلة هدفها الاول العلاج من مرض لم نكن نعرف عنه شيئا.
كان الرئيس في قصر القبة حيث كان يقيم طوال الزيارة وكان في ذلك اليوم ينتظر الرئيس جمال عبد الناصر الذي وعد بمؤتمر صحفي مع مجموعة الصحفيين العراقيين المرافقين للرئيس عارف.
وفور دخولي الى غرفة الاستقبال في الجناح المخصص له شرح لي سبب استدعائه لي.
حدثني عن الوضع السياسي في العراق والمشاكل التي يحدثها بعض الأشخاص من داخل الحكومة وخارجها وإنهم يتحدثون باسم عبد الناصر وقال لي انه يريد وضع حد لذلك وعلى لسان عبد الناصر نفسه وخلال هذا المؤتمر الصحفي ولذلك يطلب مني أن أوجه سؤالا محددا للرئيس جمال عبد الناصر.
- ·** نص السؤال
والسؤال هو على ما اذكر:
(- سيادة الرئيس أن العلاقات بينكم وبين الرئيس عبد السلام عارف علاقات جيدة غير أن بعض التجمعات في العراق تتحدث باسمكم وتدعي إنكم تدعمونها فما هي حقيقة موقف مصر؟).
وادركت انه اختارني لتوجيه السؤال لاني امثل وكالة الانباء العراقية (واع) وهي الوكالة الرسمية ولم يشأ ان يقوم بالمهمة صحفيون اخرون منهم من يؤيده ومنهم من يقف الى جانب الاحزاب القومية المؤيدة للرئيس عبد الناصر.
- ·** العمل في الصحافة الرسمية
استطيع القول حسب تجربتي المتواضعة ان العمل في الصحافة الرسمية له خصوصيته
وتترتب عليه مسؤوليات مضافة قد لا يشعر بها
صحفيو القطاع الخاص أي الصحافة الأهلية.
كانت البداية في وكالة الأنباء العراقية (واع) التي كان لي شرف الدور الرئيسي في تأسيسها عام 1959، وبعد 18 عاما طلبت إحالتي على التقاعد مستفيدا من القوانين التي تجيز احتساب العمل الصحفي حيثما كان لأغراض التقاعد.
والعمل في وكالة أنباء رسمية يعطي الصحفي صفة رسمية فيما ينشره من أخبار وتقارير ويفترض في الصحفي أن يدرك سياسة الحكومة ويتصرف بالحدود المرسومة لمؤسسته الصحفية ولكن الاهم هو المصداقية اي نقل الاحداث كما هي دون ابداء الراي تاركا ذلك للمتلقي.
وفي العادة فان الصحفي عندما يحضر مؤتمرا صحفيا لشخصية عالمية فانه يوجه أسئلة إلى تلك الشخصية من إعداده أو من إعداد رئيسه في
العمل الصحفي لكن الذي حدث لي مرتين أن الحكومة طلبت مني توجيه سؤال محدد في
مؤتمرين صحفيين أحدهما للزعيم السوفيتي
ميكويان في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم والثاني للرئيس المصري جمال عبد الناصر.
في عهد الرئيس عبد السلام عارف ظهرت عدة فئات أو تجمعات سياسية قومية تدعي كل منها أنها تحظى بدعم مصر أو الرئيس عبد الناصر نفسه في حين كان النظام نفسه محسوبا على السياسة المصرية منذ تشرين الثاني 1963 وتولي عبد السلام عارف السلطة.
وكان عارف يشعر أن ادعاءات التجمعات القومية لها ما يبررها وكان ذلك مثار إزعاج له خاصة أن بعض الوزراء في حكومته يمثلون تلك التجمعات ويبدو انه كان يريد موقفا رسميا واضحا من مصر ومن الرئيس نفسه بدعمه دون غيره.
وقد جاءته الفرصة عن طريقي.
وكنت ضمن الوفد الصحفي المرافق له ووجدنا الفرصة سانحة للقاء مع الرئيس جمال عبد الناصر فتم ترتيب هذا اللقاء على شكل مؤتمر صحفي مشترك للرئيسين ولا يحضره سوى الوفد الصحفي العراقي اضافة الى الوفد الرسمي المرافق للرئيس والذي يضم عددا من الوزراء والشخصيات الرسيمة.
- ·** ووجهت السؤال القنبلة
وعند انعقاد المؤتمر الصحفي جلس الرئيسان عبد الناصر وعارف ورحب عبد الناصر بنا كما رحب بزيارة الرئيس عارف.
وحبن جاء دور الصحفيين لتوجيه الاسئلة كنت اول المتحدثين فوجهت السؤال القنبلة (كما سماه الزملاء) الى الرئيس عبد الناصر.
قلت له حسب الاتفاق مع الرئيس عبد السلام:
(- سيادة الرئيس أن العلاقات بينكم وبين الرئيس عبد السلام عارف علاقات جيدة غير أن بعض التجمعات في العراق تتحدث باسمكم وتدعي إنكم تدعمونها فما هي حقيقة موقف مصر؟).
أبتسم الرئيس جمال عبد الناصر وأظن انه فهم مغزى السؤال والغاية منه في حين فوجئ الحاضرون من الصحفيين العراقيين والوزراء العراقيين الذين يعنيهم السؤال مباشرة.
وحده عبد السلام عارف لم يفاجأ وبتسم هو الآخر ولكن علامة الرضا!!.
وكان جواب عبد الناصر كما أراد عبد السلام عارف تماما إذ أنه أعلن تأييده التام له ولحكومته ونفى صحة ادعاءات الآخرين وتحدث عن أهمية الوحدة الوطنية داعيا كل القوميين إلى دعم الحكومة.
- ·** ورطة انتهت على خير
وعند انتهاء المؤتمر جاءني وزير الوحدة الدكتور ياسين خليل ليقول لي إن السؤال قد أوقعني (أنا) في ورطة وأنه لا يستبعد أن يقتلني البعض عند العودة إلى بغداد!!.
لكن احدا لم يتعرض لي من الاحزاب والتكتلات والصحف القومية المناصرة لمصر.
وفي اليوم التالي نشرت جميع الصحف العراقية نص المؤتمر الصحفي الذي بعثته من القاهرة وأبرزت بشكل خاص جواب الرئيس جمال عبد الناصر على سؤالي.