اسميته النزوح الاكبر! وهو فعلاً النزوح السوري الاكبر عالمياً ويُقارن بالنزوح الكبير للمهجرين إبان الحروب العالمية الكبرى ومنها كان نزوح اليهود هرباً من الاضطهاد النازي. الفرق أن هؤلاء غُرس لهم وطناً في قلب الشرق الاوسط وازاحوا شعباً بكامله لاجلهم، فكان النزوح الفلسطيني الكبير. أما نحن فمشردون في أرجاء الارض.
ما يحصل الآن للمهجرين السوريين هو مأساة متحركة تصوب اتجاهها نحو الشمال، أي نحو الدول الاوروبية وأهمها الدولة الالمانية التي فتحت ذراعيها للاجئين السوريين وقالت إنهم لن يكونوا عبئاً على الدولة الالمانية لانها – اي الدولة - محتاجة الى اليد العاملة في مصانعها وشركاتها وأن السوريين سيؤمنون الدعم والدفع لاقتصاد المانيا. وهذا ما يجدر وصفه بعبارة يستخدمها الغرب كثيراً وهي:Fair enough. أي أنها صيغة عادلة يكون فيها الطرفان رابحين. ولكن هناك من يشكك بنوايا الدولة الالمانية ويقول إنها تريد استغلال القوة العاملة السورية.
انا لا أرى ذلك ولكني لا زلت أشك بنوايا الالمان وباقي الدول الاوروبية وهذا بيت القصيد من مقالي اليوم. في هذه الاثناء، هناك دول تمنع عبور المهجرين إلى المانيا ومنها تركيا التي تمنعهم من مغادرة محطة أدرنة وهي المحطة التي تؤدي الى اليونان وبلغاريا براً متجهين شمالاً نحو اوروبا. وهناك بلاد المجر.
ولكن، لماذا؟ هناك من يعتقد أنه وضع مؤقت وأن هذه الدول تجمد حال المهجرين بينما تُبرم الاتفاقيات حول التوزيع البشري كونياً ويرون على من ستستقر الصفقات ومَن من الافرقاء الاوروبيين -وبعض الدول الشرق أوسطية – سيتعاون مع الدول الكبرى ومن سيكون خارج اللعبة. وهناك من يقول ان عرقلة سير المهجرين هو، مجرد غباء! صديقتي المجرية صرّحت لي – بألم- أنها خجلة من تصرفات حكومتها القصيرة النظر والتي مبعثها بكل بساطة، التطرف والخوف من الغريب ولو كان عابر سبيل. أما بالنسبة لدول اوروبة الباقية وأهمها المانيا وانكلترا، نرى استقبالاً غريباً من نوعه بعد غض النظر عن المأساة السورية لعدة سنوات. وتزامنت هذه المشاعر الانسانية مع الخطوات العسكرية التي بدأت باتخاذها كلا من روسيا (أرضاً وجواً) وامريكا (جوا) على عدوهم المشترك “داعش”.
فهل يخلون الساحة السورية للاقتتال داخل سوريا؟
من سيسكن في بيوت السوريين التي يخلونها بعد انتهاء الحرب؟ ومن سيعمر البيوت التي هُدمت؟ هجرة السوريين الى الشمال تنقذ حياة الملايين من السوريين ولكن ألا تُذكرنا بهجرة الفلسطينيين؟ والى من ستبقى الارض؟ هذه التساؤلات والصور الكونية التي تتراءى أمامي تجعلني أكاد أجزم ان استقبال الاوروبيين للمهجرين لهو صفقة وأخذ أدوار في الحرب على سورية واليمن وفيما بعد .. السعودية.
اقتتال الشيعة في اليمن وسورية والعراق على حصصهم في هذه الدول يفسر لنا ما يحصل اليوم في لبنان والتأخير في انتخاب رئيس للجمهورية، فإن هذا يعتمد كثيراً على نتائج المعارك على الارض خصوصاً في اليمن وسورية حيث تميل الدفة نحو انتصار إلهي آخر للشيعة فيهما (والعراق في قبضتهم على أي حال).
ليس مستبعداً أبداً ان تكون نواياهم للسعودية ايضاً هو استنزاف قواها في مستنقع اليمن فلا تقدر على مساندة المعارضة السورية ولا حتى على ردع القوات الشيعية الزاحفة نحوها جنوباً من اليمن وشمالاً من العراق وسورية. وهذا من شأنه إضعاف كل من يصطف الى جانب السعودية. إن بوادر الحراك المدني في لبنان يذكرني ببداية الثورة السورية الشعبية وكيف كانت تتمحور بداياتها حول المطالبة بحقوق مدنية ومساواة وكانت شعاراتها ضد الظلم والقمع وكبت الحريات، وبعدها تطورت الى المطالبة بتغيير النظام الفاسد والمبني على ترويع المواطنين واي مخالف لهم بأساليب وحشية مستقتلة دائماً نحو الحفاظ على امتيازات الاقلية الحاكمة وازلامها.
كما في لبنان، كان محرّك الحراك الشعبي في ثورات الربيع العربي خصوصاً في تونس ومصر وسورية هم الشبان والشابات. وعلى ضوء اتفاقيات الدول العظمى اليوم ومساومتهم على اراضي الشرق الاوسط، يجدر بنا التمهل قليلاً كي نراقب ما يحدث الان في سورية ونأخذ منه العِبر. ما يشفع لنا ان الاسد ليس رئيسنا ولكن صحبه يتحكمون في بلدنا ويسيطرون على بواباته وارزاقه.لا زال الحراك المدني سلمياً ولكن ماذا لو اصبح دموياً؟
وهذا ليس بالمستبعد. تكفي ضربة كف حتى تشب حرب ما بعدها حرب لأن البلد على كف عفريت والعفريت قادر قدير، له أرجل وايدي في بلاد عدة، وهو ( بده دقرة ويشد).