حسن هاني حسن ..
تأثر بالحداثة في الشعر وكان بعيداً عن النمط التقليدي
لعب على سيكولوجية القصيدة ودفع بتأثيراتها النفسية قبل آلية النظم
من ديوان ذهول لـ حسن هاني ... قراءة نقف عندها بذهول منقطع، صورة شعرية رائعة جسدها بحروف أنيقة داخل فيها الحاضر مع الحضارة بإشارة الى (قيثارة سومرية) وما تعنيه هذه الوقفة من استلهام التاريخ والدخول منه الى بوابة الحاضر، أراد أن يجسد حضور التمازج الحضاري على الحاضر فركز على الإبداع في الحضارات عبر المنجز الذي كرسه السومريون كأحد انجازاتهم التي تعددت وليس أقلها في حقل الموسيقى، وهي التي قيل عنها (غذاء الروح) ليصف الترابط الروحي للإنسان مع الموسيقى، وبخاصة في لحظات ضياعه أو تشتته الفكري، والذي تستعيده الموسيقى عند سماع نغماتها بتودد .
لذلك عمد حسن هاني الى قول (هكذا أفقت)، ثم عملية المزج بين الجملة وموسيقاها والتي أوردها حسن في مطلع ديوانه (ذهول) ليقول بعد أفقت (لخلجاتي وعازفها قلمي) .
ثم يركز حسن هادي في صورته الرائعة التي رسم فيها عملية التقدم في العمر بأنها تأتي بغتة من المجهول ، ترتب عليها صناعة الصورة الشعرية بحرفية دقيقة جداً، فمن يباغته قدوم العمر تراه غارقاً في أشياء عدة ليس أقلها تأثير تلك الموسيقى على نفسه، في حين كرس عناصر عدة من مستلزمات البناء الشكلي للقصيدة مثلها بالزمن والمكان والشخوص والأدوات والرموز لتكتمل عنده الحبكة التي أخرجت المطلع وفق هذا الشكل التام .
هـكذا أفقتُ ...
على عزف قيثارةٍ سومريّةٍ ألحانُها ترجمة لخلجاتي وعازفها
قلمي ...
يأتي آخر العمر
بغتة !
من الآفاق ..
في حقبة مفقودة
يتسلّل خلف نخلة
ويطعن زهرة الحقل ..
حاملاً آلام الماضي
وسيفاً مكسوراً
تقطر منه حبّات الزيتون !!
وفي ذهول أيضا أول ديوان لحسن هادي وهو من الشعراء البصريين الشباب والذي صدر عن دار الينابيع - بدمشق وضم عدة قصائد ، اخترنا منها ( ضجيج الصمت) كواحدة من قصائد الديوان المذكور، فقد وفق الشاعر باختيار العنوان الصادم المعبر بحيرة عما جاء بمحتواه، فكيف للصمت أن يخلق ضجيجاً، إلا إذا كان صمتاً مدوياً معبراً عن حالة معينة تفوق تفاصيلها قدرة من يريد الكلام، هو أعتمد القاعدة الثابتة التي تقول (الصمت من ذهب)، وهنا يخبوا الكلام، ويستعاض عنه بضجيج الصمت الذي لعب من خلاله حسن هاني على سيكولوجية القصيدة ودفع بتأثيراتها النفسية قبل آلية النظم التي يعتمد عليها الشعر في تكوينه.
عالج بالمتناقض من المفردات جمود الموقف ، واعتمد التأثير النفسي للكلمة ووقعها على المتلقي ليخرج بنص مليء بالمرادفات من المعاني الدالة ليترك أثره على القارىء بشوق المتلهف لمواصلة القراءة، ومنها خلق التصور المرئي للصورة التي رسمها هاني بدقة محترف.
لعب الشاعر على الخارج عن المألوف في صناعة حبكة قصيدته، لتأتي أبياتها غريبة الأطوار عن باقي القصائد، فدفع بما فوق التصور ليكرس حالة القصيدة وشكلها الدرامي (عانق الليل ردائي، صخب السكون) وهي مرادفة للعنوان الذي أعتمده لقصيدته (ضجيج الصمت)، (صخب السكون) متناقضين جسدهما حسن هاني كشواخص أساسية وبنى على آثارهما هيكل قصيدته التي كانت غرائبية جداً، لا يشبه فيها الحدث ما تم صياغته من حبكة ، وهنا نقول أن حسن هاني قد تأثر بالحداثوية في الشعر، وكان بعيداً عن النمط التقليدي الذي ساد في الفترات الماضية، أرى إن هناك شبه أو تطابق أو تأثر باسلوب الشاعر المبدع (كاظم الحجاج بقصيدته " أنظر بعين من نهرين") و(كريم العامري بقصيدته "ثمة من يراقبك") وكلاهما من جيل الستينات والسبعينات الرائد في الشعر الحر.
حينما عانق الليل ُ ردائي
افتقدتُ صخبَ السكون
دمدمَ في أذنيّ :
وقعُ وعورة الطريق
نامتْ تحت ظلِّ أصابعي
غيمة ٌ !
وتوسّدتْ على جفنيّ
أحلام ...
يصاحبُ همسي الفراق
يرافقني إرثٌ قديم ...
ينخرُ ذاكرتي ...
يعكّرها بخطوطٍ غامضة
يمزجُها بالسواد !
ويُفقدها ذاكرة العالم ...
قسراً يقاسمني الأمل :
أوجاعي
كتب حسن هاني قصيدته (ضجيج الصمت) بدقة متناهية، وفرت له أن يجمع كل حالات التعبير عن ما يشعر به الإنسان، وما يفكر به ، وما يكرسه من جهد للعمل والتفكر والتأمل ن وجمع فيها المكان والزمان والحدث بصورة لم تكن معزولة عن الحركة المرافقة لفنية الشعر وموسيقاه، استخدم التكرار والتعويض والمرادف والآني، ناهيك عن المثل التاريخي وحتى حركات الشفاه والتعبيرات الجسدية، فأنتج قصيدة شاملة جامعة تكمن في طياتها صورة بل صور معبرة عما يجول في النفس البشرية ساعة الترقب والانتظار ، وساعة العزلة ، وساعة الألم.
أراد هاني أن يساير الشعراء الآخرين بمنتج شعري يوازي ما قدموا ، وأجاد في هذه القصيدة، فهي في خانة الكبار إن لم نقل المنافسة طبعا مع من سبقوه من الأساتذة الرواد، بل هي في مقدمة ما كتب جيله من الشباب، ولها الريادة في هذا الجانب.
حسن هاني شاعر شاب مبدع دخل الحيز المخيف في كهوف الشعر ن ربما يتخوف منه الآخرين من أقرانه، لكنه نجح وبإتقان في (ضجيج الصمت) التي كتبها بتلون المشاعر واكتمال العناصر ودقة الاختيار ، وجودة ما ترك خلفه من صور شعرية جميلة ومعبرة.
أرتعدُ لمجابهة الألم !
أقشعرّ حين يصرخُ بي الصمت !
وتبعثرُ الأزهارُ وحشتها !
لصَخب السكون ، هَمَسَ :
الظل ...
حالَ ما كان يحملُهُ للريح !
انتفضَ الخجلُ لحظة َ انطلاق ...
سارَ على تقاسيمِ انعكاساتهِ :
صراخُ وتـَرٍ كئيب ...
كلّما ابتعدتُ عنه !!
بسذاجة ٍ يقذفني للرعود !
أيّما يشتتُني في المغيب
صِغرُ النفسِ قطرة ٌ في تراب
قامة ُ الحُزنِ جُثـّة ٌ في طريق
وهو ما بينهما يترُكني ... هنا !
حسن هاني حسن من جيل الشباب ما بعد 2003 له قصائد عدة منها:
السرقة، حمق، خيط الظل، عناق الحور، رقص على الجمر، نحن تلك الكلمات وغيرها.
حسن هاني حسن من مواليد البصرة 1982 حاصل على دبلوم المعهد التقني في البصرة، حاز على عدة جوائز منها:
- جائزة النور الإبداعية مؤسسة النور الثقافية 2009 السويد.
- جائزة ثقافة ضد العنف بيت الصحافة في البصرة 2009 العراق.
- جائزة الأمل الإبداعية قناة النعيم الفضائية 2011 العراق.
- جائزة مهرجان الشباب الرابع جمعية الثقافة للجميع 2013 العراق.
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.