خرج من الأثر نحو عالم السرد
- باسم الشريف ضَمَنَ قصصه كل ابعاد العمل الأدبي وعناصره
- ركز على الدلالة ليجسد فضاء ات لا متناهية للقصة
ترجم باسم الشريف النص بطريقة فنية، خلقت عوالم متعددة الغرض في السرد التوضيحي لفكرة الخيال المتداخل، ما يوحي للقارئ أن الشريف يريد الذهاب نحو رسم التخيلات التي ترضي غرور المتلقي وفق ماهو حاصل اليوم عبر استعارات الكتاب لعالم الخيال وصور التخيل الذهني لينطلقوا منها نحو تصورات رسم الحبكة التي تمثل جوهر أعمالهم، لكن باسم الشريف ذهب باتجاه السرد ليدخل من خلاله لاستحضار ذكريات الواقع الماضي أي (السردي) ليتمثل بصورة التخيل الزمني، استحضارا لتلك الشواهد وليبني من تداخلاتها عالماً خاصاً بأفق صوره التي تشكلت منها القصة.
وهنا أجاز باسم الشريف لنفسه سحب القارىء من يده ليغوص معه برحلة عميقة من الإستذكارات ، مستخدماً لغة سلسة معبرة تتيح للذهن الإبحار على شواطئ تصوراتها بصورة فنية رائعة، خدمت النص وشكلت مع اكتمال عناصره منجزاً فنياً وجمالياً معبراً عما أراد الشريف إيصاله للمتلقي.
أعتمد باسم الشريف استخدام الدلالة في العمل القصصي كركيزة مباشرة أدار أعماله وفق مقتضاها، حتى تكرست أساسا بنيت عليه حبكة قصصه، واستحالت الى قاعدة درامية انطلق منها نحو السرد الذي أجاد فيه، ومنه انطلق ليلبس حبكته أقنعة متعددة بتعدد المغزى الذي أداره بترتيب وإتقان وبسلاسة واضحة.
ذهب بأحداث القصة ليجسد موضوعة ما تتركه من تبعات على مجريات السرد، وكيف يقاس هذا الأثر بثقل ما يترك من هول على الذي يعاني، فالمصائب هول يتحمله الإنسان، وعلى من يتصدى لنقل تلك المعاناة أن يرسم أثار تلك المعاناة بمقياس ما يعاني صاحبها، وهنا تكون عملية السرد متقنة إن أجاد الكاتب تقمص هذا الدور، والكتابة بألم يشبه الحقيقة، أي أن يمارس الكاتب دور الضحية وما يقع عليها من تبعات، وهي الواقعية التي أخذت كل مأخذ من حيز الأدب في الخمسينات وما بعدها الى فترة ظهور أدب الخيال وما تبعه من تراكمات أضرت بالنص وأخذته بعيداً عن الأدب الواقعي.
خرج باسم من تجربة الأثر الى الخوض في عالم السرد من جديد ليقدم وضوحاً ونضجا عاليين في استقراء الدلالة الشكلية فيما تدلل عليه مجريات السرد في القصة، وهذا الواقع الأدبي هو الذي بين في ثنايا ما ذهب إليه الشريف من دلالات رسمت فضاء قصته وشكلت السرد بصورته الجلية في (شواهد الأشياء).
إن النتاج الأدبي الواقعي حين يعتمد الغريب من الأحداث، ويتناول الانفعالات التي تفضي الى تدرجات المكان في القصة، ثم الى حيث الزمان الذي يحيط بالحدث حتى ترتسم الدهشة على تفاصيل الوجوه بما جاء من حدث جسدته كلمات القاص بأناقة التعبير، واختيار دقيق، يكون المشهد قد اكتمل، والصورة باتت ليست غرائبية فحسب، بل تعدت الى ما يوصف بإتقان جميل تعلوا فظاءاته أصوات السرد المتقن للحدث وليتداخل مع إيقاع القصة، ويخرج العمل الأدبي على ضوءها من ثنايا المعتاد الى تدرجات الواقع السردي البعيد عن الرتابة والملل.
سعى باسم الى تحرير فكر القارىء من التبعية الذهنية وثباته على الذاكرة الواقعية التي تعتمد الشواخص والإثباتات، كونها حقيقة شاخصة لا تحتمل التأويل، وذهب الى اعتماد الذاكرة أيضا كمرتكز حاضر دائماً في بنية النص السردي بواقعه الدال وليس بصوره الخيالية التي ربما لا تصمد أمام تقدم الزمن.
جاء الشريف على استخدام التعبيرية البصرية التي تنمي الإحساس بالنص عبر الشواهد التي ضمنها عنوان قصته لتبقى في ذهن القارىء لا تغادره عند غياب صورها، وهنا عكس صورة تداخل جميل كانت أدواته الخيال مع السرد، وهو ما تمثل في رسم صور عديدة عند استيقاظ الوعي الكامن لدى أبطاله حين يستخدم مفردات من مثل الأسفار، التخيل، المساءات، الأشباح وغيرها وهو ما يدل على استحضار شواهد عدة واستخدامها قبل أن يطويها النسيان.
كانت أغلب نصوصه تدل على تداخل الإيحاء الشعري مع النص الذي يكتبه، وهو ما أتفق عليه العديد من النقاد الذين تناولوا نصوص باسم الشريف بالنقد والتحليل، ورغم إن هذه تحسب لباسم ،إلا إنها ربما تنعكس عليه فيما لو تكررت في قصص وأعمال أدبية أخرى، وربما ستأخذ عليه من باب التكرار في رسم الصورة أو تكريس التداخل فيما بين النص والإيحاء بصوره الشعرية داخل النص المكتوب.
أوحى الشريف في أكثر من مكان بان هناك رفضاً للواقع عبر شخوصه الذين ضمنهم قصصه، ليأخذنا عبر تصوراتهم لاستحضار واقع أخر لكنه غير تقليدي، ما يجعله أكثر وطأة على شخوصه الذين لم يبتعدوا عن وصف (الحالمين) كصيغة مستديمة رافقتهم حتى في تخيلاتهم.
ذهب الشريف لأن يكون عمله متقن ومتكامل من نواحيه المتعددة، وأرى أن باسم أجاد فعلاً في صياغة نص أدبي يرتقي الى أن يكون هادف، يحمل كل ابعاد العمل الأدبي، ويضم كل العناصر التي تؤسس لقصة تعتمد السرد كمنهج أولي، ومن ثم تظهر من خلال ذلك السرد لتبني تصورات بنيانها القصصي (الحبكة) على التخيلات التي تعتمد الواقع كشاهد يعبر عن أشياء حقيقة دالة، استطاع باسم أن يجسدها حقيقة على الواقع لتمثل (شواهد الأشياء) عمليات الهروب من ثقل الواقع المعاش الى تخيلات الحلم عبر سردية واقعية ممتعة تخلق فناً ينشىء لعمل أدبي جميل ومقبول.