- اعتمدت ( الأنا) تعبيراً عن حالة عشق ضمنتها القصيدة
- بنت فكرتها على ألألم واستكملت منه قصتها الشعرية
تناولت رؤى البصري حالات من التناقض اللا منتهي في ثنيات شعرها، وأدخلت الوصف كمصدر بنت عليه قافيتها للمجهول، فكانت صورتها الشعرية تحمل تلاقيات مختلفة بنتها على ضمير المتكلم، وجعلت جملتها مبنية للمجهول لتوحي للقارئ فرط ما أرادت أن توصله عبر أبياتها من ألم واشتياق.
ولان الشوق يدفع للحنين، كان مطلع قصيدتها اقرب للشعر الوجداني منه للوصفي، لذلك هي عمدت لتضمين مطلعها بكلمات مثل (أشتاقك، بعنف، برق، وهن، امرأة عاشقة)، وهي كلمات تعبر عن خلجات ما يجول في نفس الإنسان إن اعتلاه الشوق وأضناه الحنين واللوعة.
صيغة المبني للمجهول التي استخدمتها رؤى لفت أبياتها بمزيد من الغموض حتى طغت على شكل القصيدة برمتها، لا ندري إن أرادت منها تغييب القارىء عن الهاجس، أم هي أخذته رغما عنه ليعيش جو القصيدة العاطفي العام، فباتت هي من تتحكم بمشاعر من يقرأ وتقلب أحاسيسه وتداورها، حتى تصل به الى نهايتها التي تريد عبر ما ضمنتها من هواجس وانفعالات وصفية متناقضة تارة، ومتناظرة أخرى لكنها بمجملها وجدانية تصف حالة الهيام في الأخر.
أنني أَشتاقك َ
بعنف برق
وَوَهن امرأة عاشقة.
واعتمد ت رؤى البصري على متابعة مسار قصيدتها على ( الأنا)، وهي صيغة انعزالية تعبر عن سر البوح بتجرد عن حالة نفسية عاشتها وركنت لتكريسها ووصفها بمآلات متباينة منها ماهو خاص، ومنها الذي اعتمدت فيه توصيف الأشياء الأخرى عبر استخدامها (الظرف) مكانياً أو زمانياً، أو حتى الأسماء الدالة، إضافة الى المحسوسات والدلالات النفسية والسلوكية، ( أنني، وأشعل، حمامة، أعزل، كلي، ليل).
ومنه أفادت أبيات رؤى عن تداخل العناصر التي اعتمدتها لبناء هيكلية القصيدة، بصورة نمطية لا يغفلها شاعر أو أديب كالمكان والزمان والشخوص والحبكة وغيرها، لذلك جاءت حبكة القصيدة متوازنة لدى رؤى، كونها اعتمدت مخرجات تفضي الى ما رسمت هي من تصور لأبياتها والحالة التي أرادت التعبير عنها وإيصال مضمونها للقارئ.
تعتمد بنية القصيدة على أن يبرز الإنسان من خلال الشاعر، أي التعبير بصورة ظاهرة أو ضمنية عن تجارب الآخرين من خلال محتوى القصيدة وأبياتها، وهنا نجيز لأنفسنا أن نطلق على ما ذهبت إليه البصري بأنها أدخلت الرمزية في شعرها، لتعمق الإحساس الداخلي عبر استخدامها للتعابير الدالة على مفردات بعينها كدلالة لاكتمال المعنى الذي أرادته جراء استخدامها (الأنا) والرمزية في التعبير الدلالي.
أنني أطفئ
عاماً مضى
وَأشعل ُ عاما يأتي
برجاء حمامة
وصلاة قلب أعزل
وكُلي يحنو على كُلي
في هدأة ليل.
استخدمت رؤى المؤثرات الخارجية كعنصر مساعد لإظهار قصيدتها والصورة التي تريدها، مؤثرة، هادفة، سلسة، متفاعلة، تداخلت أبياتها مع المكنون النفسي للمتلقي، ووظفت موهبتها باستدراج القارىء الى حيث تريد عبر البوح بمكنونات النفس، وتقلبات الوصف الذي أضفى على السرد الذي تناولت فيه أبعادا عدة، كاختلاجات الشعور، والترتيب الدرامي لعناصر السرد، والوصف ثم الاستعارات الغريبة التي تحوي تقلبات شكلية لدلالات مختلفة المعنى، ناهيك عن الموهبة التي أبرزتها في توظيفها الكلمات والوصف، والتي تعتبر من أساسيات صنع العمل الأدبي.
استفادت رؤى البصري أيضا من بنية القصيدة باعتبارها (قصيدة نثر) وشكلها العضوي، مما أوجد لها حيزا مضافاً عبرت عنه بفنية، معتبرة مما كُتب بهذا الاتجاه لتخرج بصيغة ربما مغايرة بعض الشيء لكنها تنتمي لنفس الحقل الذي خرجت من ثناياه أشعار من سبقها..
البناء العام للقصيدة جاء متكامل من ناحية الحبكة والحدث وعلاقته ب ( الأنا) التي اعتمدتها رؤى كشخصية بنت عليها حبكتها وتكوين قصيدتها، وأدارت الصراع من خلال مجريات الحدث، لتضفي على أبياتها الأهمية التي أرادتها شكلاً ومضموناً.
أشتاق أن أشمَّ رائحته
الآن َ
حين أنتصفَ الغيابُ في هَجِير الشوق
أموت اشتياقا
وَالوقت ُ يُقشْرُ قلبي
لـا يزالُ يُدَندُنُ
تعــالي..
فأبتسمُ كقِطة
تَلعقُ اشتهائها بصمتِ
لم تغفل رؤى البصري الإيقاع الموسيقي في قصيدتها حيث جاءت هذه الخاصية لتكمل عناصر السرد الأخرى، والتي تبنتها الى جانب جمال أسلوبها ودقة حروفها، لتشي بما أرادت البوح به من ألم بَنت عليه فكرة القصيدة، وعبرت من خلاله الى بناء القصة الشعرية، ذلك إن كل عمل أدبي في مضمونه قصة يراد لها أن تصل القارىء ولكن بصيغ مختلفة.
أجادت رؤى بأسلوبها الفني الراقي ن وانتقاءها حروفها، ورسمت صورة جميلة معبرة رغم المعاناة التي كرستها في قصيدتها، لكنها كانت أشبه بالملح الذي لا يحلوا الزاد إلا به.
عُقدي ناقمة ٌ على طَوفانِ جُنُوني
أنا المعوجة كشجرة لبلاب
تَزرَعُني في أصيص أيامكَ
وتَهْمُسُ
سَتَكبُرين أمام َ عيني
فأذوووب ُحين تأتي يداك َ الى روحي
وتخطفُ تَعبي
الى صدركَ أجيُ عاصفة
فتكسرني أبوتكَ
مثل أعذب رشفة من حياة
كُنتَ
أيها البُستاني.