- كرس الأمير المعنى الشعري كمغزى يتوافق مع متطلبات السرد
- بنى قصيدته على الجانب النفسي ووظف حبكتها بتأثيراته
وظف أكرم الأمير في قصيدته (ذاكرة) الماضي بصفته المعاشة كتاريخ سردي أنطلق منه لصياغة فكرة القصيدة، وبناء الحبكة لترسم صورة الحدث الذي تناوله، وعبر عنه كخلجات بينها في أبياته تعبيراً واضحاً ينقل مشاعره تجاه الأحداث التي عصفت بحياته، ليجسدها للقراء كتجربة حياتية معبرة عن الذات بصيغة السرد الذاتي.
ومنها كرس المعنى الشعري كمغزى يتوافق مع متطلبات السرد ليحرق الماضي بوصفه مضى وأحدث اثراً في النفوس بما خلفه من معان قد تكون مفرحة، لكن الأمير نقل منها ما أحترق بإعتباره محزن، لذلك جاء توصيفه بصيغة التشبيه التي استخدمها بصورة الزيت المحترق، وهذا الاحتراق لايخلف وراءه من أثر سوى رائحة تبقى عالقة في الأذهان، وبقعة أرض محروقة، وهو ما يلمسه الشاعر من بقاء لتلك الذكرى العابرة المحروقة بمرور الأيام وتقلباتها ومجموعة أحداث سجلت في مفكرته، لكن الأمير غاب عنه أن هناك من لم يوثق للماضي فيضيع هباء، ويحترق دون أن يشعر به أو يقرأه أحد، وهنا يجسد أكرم الأمير دالة الحدث المكتوب بفعل الماضي، اعتمادا على الأستذكار المقرون بالتجربة (اي واقعية السرد) ليعترف للقارئ بأن كل ماضيه الذي بنى عليه حبكة القصيدة، لم يعد سوى نهباً للحاضر الذي يعيشه بناءً على أثار ذلك الماضي.
الماضي
قطرةُ زيتٍ محروق
تفترسُ مُفكرتي الصغيرة.
عالج أكرم الأمير تلك الذاكرة المثقوبة التي رسمت معالم القصيدة بإمتداد الأفق، فكان الانتظار عنده أشبه بإشارة التوقف لذلك النزف المستمر للذاكرة التي مثلها (بالماضي) أثر نسايانها بفعل ما وصفه من فعل الحرق، عالجه بالمضارع (تمتد) ومنها أعطى عبره فرصة للقارئ لأن يلتقط انفاسه ويعاود التصور من جديد لتشكيل رؤى ولو ضمنية (خيالية) في ذهنه، ليسرح في ابعاد التصور عبر ما استخدمه من الوصف لأفق قد يتلاشى بفعل إنغماس الذاكرة في لهيب حريق الزيت.
لكن هذا أيضاً لم يكن ليتاح لأمد طويل عند قراءة القصيدة، التي سرعان ما يكتشف المتلقي أن ما تناوله أكرم الأمير في نصه الشعري هو عبارة عن (صدمة) مباشرة لايستعيد القارئ معها وعيه، ليقف مشدوهاً عند تلاشي حروف الأمير في قصيدته بفعل انتظارها الدور المؤمل للحرق في موقعة ذوبان الحروف بفعل حرارة زيت الحريق، مستخدماً لغة الإنبهار بمباشرة تامة، أو هجومية قوية حين قال (الزيت صياد ماهر) أي لاخلاص لمن يتأمله بالمناورة عبر التخيل، فالحرق قادم وستبقى ذاكرتنا الورقية والذهنية معرضة للضياع بوسائل الحرق وإن اختلفت.
تمتد
في الانتصار
ذوبان حروف
لا خلاص لورقي القادم
الزيتُ صيادٌ ماهر
أصر الأمير على بناء سايكولوجية بناء قصيدته على الجانب النفسي، وتوظيفه على تاثيرات ذلك الجانب عند المتلقي لجذبه واستكمال صورة المشهد وفق تأثيراته، بوصفها العامل المؤثر عند المتلقي، فأتخذ مما توفرها هذه الميزة من مساحة ليسلب القارئ ما يريد خلقه في ذهنه من تصور عند قراءة أبياته، ودفعه باتجاه صورة الحدث الذي جسد من خلاله حبكته عليه.
برع أكرم الأمير في رسم صورة تأطير الماضي بتداخل المضارع، كي يكون وقع الكلمة ابعد مما هو عليه لو ركز على الماضي، لذلك خرج الأمير من شكل الحدث المترتب على التواجد في الماضي بصيغته المكتوبة شعراً الى تداخل الصورة ونقلها عبر ما استخدمه من تشبيهات المضارع، وعدم التركيز على الشخصي، وإدخال التوصيف والبدائل لزيادة الاقناع وفاعلية الحدث، كما لجأ لإيراد مسميات أخرى دالة مثل (الاستكماتزم) كدلالة على الحالة بتوصيف ما تعشيه من مفارقات خلقت معنى إيجاد المفهوم الترابطي لتكوين القصيدة بصورة عامة.
قصيدة أكرم الأمير أتخذت من الذاكرة كدالة وصفية نفسية مترابطة لتكوين الصورة الشعرية بوضوح لدى المتلقي، هو ارادها أن تكون عاكسة لواقع معين عنى من خلاله الماضي والولوج منه الى المعاش، لكنها جاءت وصفية جادة تحوي من البدائل والدلالات أكثر مما يتوقعه القارئ، إلا أن الأمير كا ن يعي مايريد، فقدم أنموذجاً جميلاً يحمل التوصيف الدلالي كما ذكرنا بوصف ماجرى لما يجري.
بعينين يعانقهما (الاستكماتزم)
لا يفرقان بين النسور الجارحة والنوارس
أستخدم الأمير مايوحي بكل المتشابهات من الحروف التي أشار لها، وعوالم المسوخ التي تخيفه كما ذكر، وجاء على ذكرهم بانهم يعرفوه، أي أن تجربته مع هذا العالم هي بحكم المعرفة التي أسس عليها حبكته، ما أضاف لها عنصر التشويق مع العناصر الأخرى التي استخدمها ولو ضمنياً، بالإشارة الى المكان والزمان والشخوص، ناهيك عن جوهر القصيدة وهي الحبكة التي تدور في فلكها ابيات أكرم الامير ألا وهي المعاناة، والتي مثلها (بالتعاسة والوجع).
حروفٌ تشابهت
عالمٌ من مسوخ
يعرفونني، أخافهم
مفكرتي
فتيل أيامي المحاكةِ بالتعاسةِ والوجع
وجعٌ لا يدعني اشتاق إليه
تركيبة قصيدة أكرم الأمير جاءت على غرار اللغة التي كان يستخدمها (الراوي)، ويحمل فيها المتلقي الإستمرار مع تفاصيل روايته بكل أجزاءها دون ملل، بل بلهفة بالغة بادية على الوجوه، لقد ذهب الأمير الى استبدال لغة الحلم المعتادة في الشعر، الى لغة الوجع الذي يسري في النفس عبر المتشابهات التي تمثلها الأماكن والشخوص والتجارب.
تعاسة تشابهتُ معها بالملامحِ
حديد وهواء رطب
ليلة حمراء
الصدأ جنين
أكرم الأمير هو شاعر ومسرحي من جيل التغيير مابعد 2003 كما يسميه (كريم جخيور).
اصدر مجموعته الشعرية الأولى "طيور تفضل المشي" والتي ضمت 26 قصيدة مختلفة البناء والاسلوب، ضمت من بين عناوينها:
كرات ثابتة، ما قبل النهار، 30 يوماً، مصابيح طلع، بليا تشو، جوع، مجمرة الليل، تسع ثوانٍ، وغيرها من العناوين.
عالج مواضيعه بلغة بسيطة، وباسلوب شيق مقرب من القارئ.
استخدم التشبيه والوصف والمقارنة، ولجأ للمضارع لاستمرارية الحدث، وركز على الماضي بوصفه واقع معاش، كرس أحداثه ليلج من خلالها عبر دفاتر المفكرات ليرسم صورة الأحداث ومجرياتها بابياته التي كانت متشائمة جداً، هادفة جداً، تفرض سطوة شاعريتها على المتلقي بطريقة متقنة.