- أكثر من استخدام صيغ التعجب في الكثير من قصصه
- خرجت نصوصه من الرمزية لتركن الى الواقعية الرمزية الهادفة
رشاقة مفردات اللغة التي استخدمها قصي الخفاجي، والتي أجمع عليها عدد من النقاد تبين حرفيته في صناعة القصة القصيرة التي تعتبر من فنون الوعي المتقد الذي يحتاج لثقافة عالية ،ومهارة ليست بالاعتيادية في السرد والتكوين بالإضافة الى اللغة، وهي رمز البناء الذي تنتج عنه الحبكة بل العمل برمته.
عمل الخفاجي على بدائل الأفكار مستخدما مساحة السرد مثل الملعب الذي يجيد المدرب الماهر عمليات استبدال لاعبيه ضمن الوقت المحدد، لذلك كان قصي الخفاجي يجيد استبدال الأفكار والكلمات التي تصوغها بدلالة واضحة ضمن حدود السرد الذي يفرض على الكاتب حدوده في الكتابة والتعبير .
الخفاجي ضمن كل ماكتب رسالة واضحة مفادها أن كل جنس أدبي له ميزاته ومضامينه التي يعتمدها لإظهار النص وفق مقاييس النجاح، لذلك فهو أعتمد قاعدة آدبية مفادها إن القصة القصيرة هي جنس خاص لاتختزل فقراته فيضيع المعنى، اي ان القصة القصيرة غير قابلة للاختزال والدلالات والرموز المستخدمة في اي نص، إنما هي منحى لصناعة الشعور بالعمل الأدبي، ومنه القصة القصيرة.
استخدم قصي الخفاجي التواصل اللغوي في النص، فأسس عبره مساحة مكنته من البوح بشكل تلقائي منظور يعبر عن مكنونات السرد، وغزارة المعاني، وعمد لتداخل الذكريات وأحاسيس الطفولة بشكل جذاب ممتع، حتى استحالت قصصه الى أشياء محببة بنهايات مفاجئة.ضمن معظم نصوصه حزناً يكفي للتصور بأن قصي الخفاجي قد أدمن ذلك الحزن، وتطبع به حتى بات ميزة في كتاباته، كما عمد لتداخل اللاوعي في السرد عبر تنقلاته بهدوء مابين الصفة والموصوف، ليوحي بإيقاع الكلمة عبر مشهد حزين لكنه مقنع ومؤثر، ولم يتجاوز الألم الذي يعتصر الإنسان لحظة الحزن، فكانت حروفه معبرة وبغزارة عن تلك المشاهد التي تصرخ ألماً ضمنه مجريات الأحداث التي تقبل في مضامينها ليوصل معاني قصصه الى القارىء بلغة جميلة محببة لا تتجاوز الأخر ، بل تخرج من طياته لتكمل عملية السرد التي أعتمدها الخفاجي مكرساً كل عناصر القصة في صفحات قيمة رشيقة اللغة عالية المعنى دقيقة الفهم.
الخفاجي لا يعتمد الأمل الآتي كمنهج يخط عليه مسار القصة التي يكتب، لذلك كان يكرس صفة الحزن الآني المعاش عبر تفاصيل السرد بواقعية معقولة غير مبالغ فيها، ومنها يستطيع تخيل ما يعتري القارىء من خلجات تدور في نفسه ساعتها، فيأتي على رسمها لوحات مقرؤة تحمل أبعاداً عدة ليس أقلها النفسي، الذي أراد من خلاله قصي أن يكون على مقربة من القارىء بكل تفاصيل الحدث، وهنا خرجت نصوصه من الرمزية لتركن الى الواقعية الرمزية الهادفة عبر ما يجسده من تجارب مليئة بمشاحنات لغوية وتعابير لفضية دالة، ينقلها عبر حوارات تتجزأ حيناً، وتتواصل أحيان كثيرة، لكنها مكتملة المعنى والحضور.
وفي خضم تلك التفاصيل التي نراها معقدة، لكننا حين نقرأ قصص الخفاجي نجد إجابات عدة لأسئلة كثيرة استطاع أن يشكل منها محاور قصصه معتمداً السرد المتتالي عبر مجريات القصة وبتوازن مقبول يأخذ القارىء لينتقل بين الفقرات التي ضمنها قصصه مؤطرا إياها بالانفعالات تارة، وبالظاهر من المواقف، والضمني منها، حتى يخرج عليك بصيغة جامعة تربط كل الأطر التي استخدمها كنوع من السبك المتقن لأبواب القصة وتكويناتها وعناصرها.
استطاع قصي الخفاجي آن يبني هيكل قصصه وفق تعاضد اللغة مع عناصر النص، مختزلاً عصراً كاملاً من ضياع الكلمة المقروءة، كما أنه لم يغفل تحولات الزمن الذي نعيشه وتأثيراته على الأدب المكتوب وما يلاقيه من صعوبات، باتت تشكل عنصراً من القطيعة بين الناس والكِتاب أو الكلمة.
وهو ما لفت إليه النظر قصي الخفاجي، وأثاره ولو ضمنياً في كتاباته، ليعلي من شأن القصة القصيرة كجنس أدبي لا يقل شأناً عن باقي الفنون الأدبية الأخرى.
ربما لوهلة نقول أن قصي الخفاجي أكثر من استخدام صيغ التعجب في الكثير من قصصه، لكن هذا بحد ذاته لا يوفر مساحة حكم كافية على نصوص الخفاجي، ووصمها بالغرائبية، بل ربما تكون فورة النص ومتطلباته هي من فرضت على الكاتب أن يلجأ الى محاولة إيهام القارىء ومن ثم مواجهته بما هو واقع عبر الغرائبية التي يستخدمها القاص، آي أن يلجأ لعناصر الدهشة ليكمل عمليات الفهم والاستيعاب والتبسيط لدى القارىء عبر صيغ التعجب أو الاندهاش التي يستخدمها في السرد، وهنا تكون عمليات التحليل البنيوي ناقصة إن لم تصاحبها الخصائص الغرائبية والمعرفة المسبقة.
ذهب قصي الى إدخال عمليات الوصف والاستفهام ليفسر الغموض الذي قد يعتلي بعض النصوص، خاصة فيما يتعلق باستخدام الكاتب لتشبيهات معينة لا تميز بين المذكر والمؤنث، ما يضفي صفة الغموض على بعض فقرات العمل، ويترك القارىء في حيرة من أمره، لذلك يستمر قصي في السرد دون توقف أو تلكأ حتى يكتمل لديه البنيان السردي بشكل كامل، ساعتها يكون القارىء قد فهم المغزى الذي أراده الكاتب عبر سلسلة مجريات السرد، الذي ضمنه تفاعلات الجدل السردي وتداخلات عناصر القصة، التي استخدمها الخفاجي بدقة متقنة وبحذر، ونجح فيها.
ولم تخلوا قصص قصي الخفاجي من الجمل الوصفية، والفعلية، كما عمد في الكثير من أعماله الى استخدام التشبيه اللفظي كدلالة استخدمها في كثير من الأحيان للتعبير عن الجنس البشري.
وفي جانب أخر جاء الخفاجي ليستخدم الأفعال الحسية تعبيراً عن الغريزة والفناء والجسد والموت والحياة، وتلك المقاربات الفلسفية هي التي اعتمدها الكاتب كصيغ مقبولة أنشأ منها هيكله السردي الذي أراد له أن يكون مليء بالمتناقضات، لكنها لا تفضي الى المجهول أو المعتم، بل في كثير منها تشكل خلاصاً من فكرة الفناء.
قصي الخفاجي وبشكل مختصر موهبة فنية أدبية جميلة، ابرز من خلال عمله العلاقة الرمزية بين النص والسرد، وكشف عن موهبة حقيقة عبر كتاباته الرشيقة والغنية بالموصوف والمتداخل من الأحداث بفنية عالية أتقن طرائقها الخفاجي، وعبر عن منهج الوصف بدقة متناهية.