- جمع كل عناصر البناء التكويني للقصيدة بصورة مفرطة
- أعتاد النقد على ما سواه وعمد تبدل الصورة في النص الشعري
قارئ شعر عدنان الصائغ يؤشر انزواءه خلف ركن النقد السياسي، فهو الغالب على شعره في معظمه والذي يتناول فيه انتقاداً واضحاً للنهج الحكومي في العراق قبل 2003 ، وبذلك فأن الصائغ يحسب في شعره على المعارضة لا الإصلاح الذي يعد من أبرز وظائف العملية الشعرية في أركانها.
فورة الغضب مما كان تؤشر لدى الصائغ تمرداً على الواقع، يقود الى تسجيل امتعاضه من تصرفات بعينها تسجل على القائمين على السلطة، وتدفع الى وصمهم بالقمع كما يفسر الصائغ بأبياته التي انتقينا منها مقطع واحد من قصيدته الموسومة (الى هولاكو)، هذا المقطع تبدلت فيه الصور بين الخوف، والهلع، والرجفة، والضحك، والمديح، ووصف (ما يكتب الصائغ نثراً) ما يفسر تقلب المعاني بين شطر وشطر ، وحتى بين بيت وأخر من أبيات القصيدة.
دائما ما يكتب الصائغ بإتقان الحرف وباكتمال الصورة الشعرية، واستطاع من خلاله أن يجسد سيناريو متكامل للحدث الذي جمعه مع هولاكو ليوصله للقارئ بدقة عبر استخدامه المتناقضات ليخرج بنص أصيل، قل أن نجد مثله في قصائد الجيل الذي تلاه.
الفقرة التي أقطعناها من مطلع القصيدة، جمعت كل عناصر البناء التكويني للقصيدة بصورة مفرطة، حتى بانت منها رائحة المكان، وحركات السياف، وملامح وجه (هولاكو) حين يتحدث ليهزأ بشاعر لم يمتدحه تملقاً، وهذا الإسقاط جاء في محله حين استخدمه عدنان تعبيراً عن حالة ما أراد أن يوصله ضمنياً عبر تصوير ذلك المشهد، حين يكتب الشاعر في ميدان النقد لابد أن يكون قد أتقن صنعته، وإلا يكون قد ذهب الى غير مكانه فيخسره، ويخسر الجمهور الذي أراد أن يكسب تعاطفه أو متابعته، لذلك فقد جهد الصائغ أن تكون قصيدته وفق هذا التصور، وسعى لإظهارها على صورة ما أراد، وفعلا جاءت مقنعة هادفة معبرة.
عمد الى الحنين في ترتيب أبياته ليأخذ بيد القارىء الى جملة من التساؤلات التي يوردها ضمنيا بقصيدته، وهدف الى الوصول نحو أن تكون قصيدته مقروءة ومؤثرة في آن واحد، خاطب حالة القلب عبر قصائده، ورسم تعبيرات تلك الحالة رسماً شعرياً فتركت أثارها على الواقع كما أراد لها.
اعتاد أن تكون قصيدته جامعة شاملة لا يحدها طيف ، أو تكون خاصة بحالة معينة،إلا انه أعتاد النقد وغلبه على ما سواه، وتشي القطعة التي اقتطعتاها من قصيدة ( الى هولاكو) بتفسير كل ما قيل بشأن عدنان الصائغ فقد جمع العذابات والألأم والشوق والحرية بكل معانيها وجسدها في إطار قصيدة واحدة عبرت عن هذا كله تعبيراً صادقاً يزخر بالحركة وتقلبات المشهد.
عالج عبر النص الذي اخترناه نضوج الفكرة، وألق الموقف فخرج بحصيلة وفيرة من الأوجاع التي تمس ما يعاني منها الجمهور، وهذا التبادل الفكري مابين الشاعر وجمهوره هو ما يخلق الشاعر من عدمه، لذلك كان عدنان شاعراً مبدعاً رسم حدود مملكته بحرفية ودقة متناهية.
عمد عدنان الصائغ الى أن تكون لغته الشعرية ببساطتها مفتاحاً يكتشف من خلالها القارىء ما تخبئه الأحداث من أمور ، بل سعى لأن تكون لغته الشعرية أداة يبلور عبرها رؤيته العميقة لاكتشاف ما يجول في نفس القارىء وما حولها.
تمتاز قصيدة الصائغ بميزة جمالية ثابتة، استطاع عدنان أن يركز من خلالها على تكريس تصوره عن الشمولية التي انتقدها، وأسس لها منهجاً في شعره، جمع الصائغ خلال مسيرته الشعرية مراحل من سبقوه من الرواد، وخرج بنمط متفرد عن المعاناة والغربة والتشتت، لكنه نمط محبب لدى القراء، وتوحي تجربة عدنان الصائغ بغنى المكون الشعري لديه وابرز ما يكشف عن ذلك إن نصه الشعري ليس بخاضع لقالب بعينه يرتكز عليه، وإنما يرمي بثقل ما ينتج من شعر عن الوعي الشعري والحداثة.
يعمد الصائغ دائما الى الجمالية باستخدام الكلمة، ولا يلتزم بحدود القياسات، وتلك هي الفاعلية الشعرية التي تظهر القصيدة وكأنها على نمط أخر غير الذي يكتب به الآخرون
ويرتبط هذا الحضور بشكل اندماجي وقصدية في الكتابة، مما يجعل عدنان الصائغ يصر على تجاوز حدود اختيار نص متفرد لتكوين الإطار الدلالي للقصيدة، استطاع الصائغ أن يجعل قصيدته مفتوحة على احتمالات عدة، تلتزم بالحداثة وحبكة النص المدهشة، لكنها تخرج من إطار الحدود التي تفرضها قصيدة الخمسينات وما تلاها، كي لا يكرس جزئية الارتهان الى ما موجود، وينعش عملية الخلق والإبداع دون الاعتماد على قوالب الحبكة القديمة أو الجاهزة والمتوارثة من الأجيال السابقة، وهنا يكون قد اعتمد الحداثة في تكوين النص الملتزم بالأسس الشعرية، خارجاً آياه من القوالب التي هيأت للقصيدة وسار عليها الكثير من الشعراء، لكنهم لم يقدموا إلا نمطاً سائداً لا حياة فيه ولا تجديد.
أنا وهولاكو صورة تختصر عصورا من الظلم والآلام، تجسد معاناة شعوب الدنيا جراء ما يتعرضون له من ظلم وعسف، هي صرخة بوجه الحرية التي تأخرت، كما هي بوجه الظلام والظلامية، قصيدة استوفت كل تفاصيل الشعر بمساحة محددة، وعبرت عما يجول في خاطر الشارع وخواطر القراء فجاءت مستكملة المعاني هادفة معبرة، جمعت كل أركان العمل الفني المتكامل بحدود أبيات الصائغ.
مقتطف من قصيدة (أنا وهولاكو) للشاعر عدنان الصائغ:
قادني الحراسُ إلى هولاكو
كان متربعاً على عرشِهِ الضخمِ
وبين يديهِ حشدٌ من الوزراءِ والشعراءِ والجواري
سألني لماذا لمْ تمدحني
ارتجفتُ مرتبكاً هلعاً:
يا سيدي أنا شاعرُ قصيدةِ نثر
أبتسمَ واثقاً مهيباً:
لا يهمكَ ذلك..
ثم أشارَ لسيافِهِ الأسودِ ضاحكاً:
علمْهُ إذاً كيف يكتبُ شعراً عمودياً بشطرِ رأسِهِ
إلى شطرٍ وعجزٍ
وإياكَ أن تخلَّ بالوزنِ
وإياكَ من الزحافِ والعللِ
امسكني السيافُ من ياقتي المرتجفةِ،
وهوى بسيفِهِ الضخمِ
على عنقي
فتدحرجَ رأسي،
عدنان الصائغ المولود في مدينة الكوفة سنة 1955، نشأ في ظروف معيشية صعبة، غادر عدنان الصائغ العراق صيف سنة 1993 .
صدرت له عدت دواوين نختار منها ثلاثة :
- انتظريني تحت نصب الحرية 1984 بغداد
- أغنيات على جسر الكوفة 1986 بغداد
- العصافير لا تحب الرصاص 1986 بغداد
وله أيضا:
- "مجلد الأعمال الشعرية" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2004.
- "خرجتٌ من الحرب سهواً" القاهرة 1994
- "صراخ بحجم وطن" السويد 1998.
كما حاز العديد من الجوائز منها:
- الجائزة الأولى في مسابقة الشعر الكبرى في العراق عام 1992 عن قصيدته "خرجتُ من الحرب سهواً".
- جائزة هيلمان هامليت العالمية للإبداع وحرية التعبير- عام 1996 في نيويورك.
- جائزة مهرجان الشعر العالمي عام 1997 في روتردام.
- الجائزة السنوية لإتحاد الكتاب السويديين - فرع الجنوب ، للعام 2005 في مالمو.