وقالَ بلسانِ الجعجعة وهي لسان الرحى: "لا تهرفْ بما لا تعرف! (والهَرَفُ هو الإطناب في المدح، والمثَل يُضرَب لمن يتعدّى الحدود في مدحِ الشيء قبلَ تمام معرفتِه) إنَّ شرَّ أيّام الديك يومَ تُغسل رجلاه! (ويكون ذلك بعدَ الذبح والتهيئة للطبخ).
يا ابن أمِّه اعلمْ إنّ الحوافر هي للّخم وللّكم، والحميرُ تُعرَف بالنهيق.
وعندما يُطلِعُنا رجلُ العلِم على نتيجة تجربتِه يُطلِعُنا أيضاً على كيفيّة إجراء تجربتِه لكي يكون بمقدورِنا نحن أن نجريها، وإذا لم نحصل على النتيجة المرجوّة ذاتها فإنّ نتيجةَ تجربتِه لن نقبلَها كحقيقة. أظهرتْ تجاربي أنّ اللبيط عِلم وإنّما هو عِلم قائم لذاتِه لا بذاته"!.
وسمعَ ابنُ أمّه وقال: "تحكّكتِ العقربُ بالأفعى! (وهذا المثل يُضرَب لمن ينازع مَنْ هو أقوى وأقدر). يا ابن أبيه إنَّ الغزال الذي يقف ساكناً ويتلقّى رصاصةَ الصيّاد التي تقتله لو كان يمتلك عقلاً واعياً لاستفاد منه وعرِف ما يجري ويُحاك له وأنقذَ حياتَه مِنَ الموتِ المحقَّق. إنّ الحوافر هي أيضاً للدّعْس والمعْس والفعْس والهرْس. أنتَ كالمربوط والمرعى خصيب؟.
خسئت، ليس هو عِلم قائم لذاته بل هو عِلمٌ قائم بذاتِه، ويُشرِف مِنْ أعلى برج الأسد على اللياقةِ البدنيّة والأمنِ والإستقرار. ما هكذا تُورَدُ يا سعدُ الإبل.
قيل أنّ حماراً تنكّرَ في شبه أسد فلّما رفعَ صوتَه وصاحَ عُرِفتْ حقيقتُه. ويقولُ الزير قهّار المواكب / رماني الدهرُ في كلِّ المصائب / فلا تسمع أخي قولَ الأعادي / لأنّ الضدّ شوره ليس صائب / ويشورون عليك في رأيٍ وخيم / ليسقوكَ أخي كأسَ العواطب //. وقالتِ امرأةٌ لجارتها: كيف صار الرجل يتزوّج بأربعة ويملك مِنَ الإماء ما يشاء والمرأة لا تتزوّج إلاّ واحداً ولا تستبدّ بمملوك؟.
قالتْ: قومُ الأنبياء منهم والخلفاء منهم والقضاة منهم والشُرَط منهم، فحكموا فينا كما شاؤوا وحكموا لأنفسِهم بما أرادوا.
يا أحمق مِنْ ناطحِ الماء لا تشربِ السمّ اتّكالاً على الترياق".
ردّ عليه ابنُ أبيه حانقاً: "مفتاحُ البطن لقمة ومفتاحُ الشرّ كلمة لا نهقة، ويقولون للحمار: "حا" ويصبر. ويقولون: "هِشْ" ويصبر.
فما العجب إذا أمسى لقمةً سائغةً في فم الأسد أو الفهد أو الضبع أو النمِر أو الذئب أو الثعلب وكلّ ابن آوى أو ابن عرس؟. إنّي آكل لحمي ولا أدعه لآكل.
وقال رجلٌ لمزبّد: إذا استقبلكَ الكلبُ في الليلِ فاقرأْ: يا معشرَ الإنسِ والجنّ إن استطعتم أن تنفذوا مِنْ أقطارِ السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاّ بسلطان"! (وهي الآية 33 مِنْ سورة الرحمن). قال له مزبّد: الوجه عندي أن تكون معك عصا".
ارتعدتْ فرائصُ ابن أمّه وقال: "يا أختل مِنَ الذئب". ردّ عليه ابن أبيه وقال: "يا أحقد مِنَ الجمَل". قال ابن أمّه: "أسدٌ اشتدّ عليه الحرّ فدخلَ في بعضِ المغائر يتظلّل أتاه جرذ ومشى فوق ظهرِه فنظرَه الأسد وضحكَ منه وقال: ليس مِنَ الجرذ خوفي وإنّما كبر عليّ احتقاره لي"! (أي أنّ الهوان على العاقل أشدّ مِنَ الموت).
قال ابنُ أبيه: "وقفتْ بعوضةٌ على قرنِ ثور وحين قالتْ له: أثقلتُ عليك؟.
أجاب: لا يهمّ فنزولك مثل رحيلك".
وعلى هذا النحو تغامزا حتى استشعرَ ابنُ أمِّه إرهاقاً وطلبَ السلامةَ بالسؤال وسأل: "ألا يُقال: إلى أمّه يلهفُ اللهفان"؟ (والرجلُ يلهفُ إلى أهلِه، واللهفانُ هو المتحسِّر والمكروب).
قالَ ابنُ أبيه: "الإيناسُ قبلَ الإبساس"! (ويقال للناقة قبلَ حلبِها: بس بس، والناقةُ التي تدرّ على الإبساس تُسمّى: البسوس).
قالَ ابنُ أمّه لذاتِه: "مَنْ خشي الذئبَ أعدّ كلباً". وقال لابن أبيه: "هيّا إلى المهراجا فيعثر لنا على العقل الذي ضاعَ بيني وبينك"!.
وطارا إلى وادي النار وجبلِ الكبريت وإذا حميتِ الشمسُ تغدو مثل جهنّم. ونظراه يُعلّق على صدرِ إمرأةٍ حبلى اتّقاءَ ليليث أو الجنيّة ليلى الجناح الأيسر لدجاجة. وانتظرا حتى زفرتْ وشهقتْ وخرجتْ. سجدا له. وعرضا عليه ما أشكل عليهما.
قالَ لهما: "لا يحمل الحقدَ مَنْ تعلو به الرتب / ولا ينال العُلا مَنْ طبعه الغضب.. // مَنْ طلبَ العُلا مِنْ غير كدٍّ / سيدركها إذا شابَ الغراب.. //.
أليس ديننا يحثّنا إذا أُشكِل علينا أو غُرِّر بنا أن نقصد من فورنا حومةَ الميدان ومَنْ يطعن خصمَه ويريحه مِنْ عمرِه أو يضربه على هامِه ويلقي رأسَه قدّامه تُضرَب له النوبات وتزغرد له النساءُ والبنات ويكون دائماً على الحقّ فيما القتيل هو على الباطل والخزي والعار"؟.
قال ابنُ أبيه لابنِ أمّه: "مَنْ وضعَ نفسَه مواضع التهمة لا يلومنّ مَنْ أساءَ به الظنّ".
وانطلقا إلى حومةِ الميدان، وقالَ ابنُ أمّه: "أنا البطل الرئبال".
وقالَ ابنُ أبيه: "أنا قومُ اللقا عندَ النطاح". واصطدما كأنّهما جبلان، وتعاكستْ بينهما ضربتان. وسقطا معاً على الثرى أربع قطع.
قال سيّدهما وقد رأى وسمع: "استراحَ مَنْ لا عقل له"!.