مازالت القهوة العربية بدلالها وفناجينها جزء من ثقافتنا وتقليدا من تقاليدنا الموروثة التي يلتزم بها أبناء العراق.
يطلق عليها مشروب الأجاويد وهي مفتاح السلام والبدء في الكلام وتشكل سمه من سمات الكرم الانساني الأصيل.
القهوة توحدنا في أفراحنا وأحزاننا وفي حل مشاكلنا في أحيان كثيرة، ولها من القدسية التراثية العظيمة ما تحل أصعب القضايا المعقدة والمستعصية.
ان القهوة لم يرتبط اسمها بدين وعقيدة أو مذهب بعينه، وليس لها ارتباط أجنبي أو إنها دخيلة من جار أو صديق، بل إنها الدستور الذي دونه تسقط الدساتير وتتوقف الأنظمة والقوانين.
ومن قوانينها أن الضيف إذا امتنع من احتسائها واضعا الفنجان جانبا، قائلا "لانشرب القهوة إلا ان تنقضي حاجتنا"، فان عادة المضيف أن يطالبه بشرب قهوته دلالة على قضاء الحاجة مهما كان ثمنها أو تضحيتها، وهي دلالة الفروسية والشهامة لدى المضيف.
ومن تسميات طرق احتسائها التقليدية كما وردت في كتب التراث، أربعة فناجين تسمى حسب تسلسلها فنجان الهيف، الكيف، الضيف، ثم يعقبها فنجان السيف، مدللا على أن سيف الضيف جاهزٌ للاستلال دفاعا عن المضيف.
يا وطني، يا عراق.. لقد وضعت قهوتك جانبا ولي مطلبا إن لم تلبه فلن أحتسي فنجانا واحدا لا هيفا، ولا ضيفا، ولا كيفا، ولا سيفا.
أطالبك بوقف النزيف ولم اللحمة بين ابنائك.
اطالبك بفتح ذراعك التي احتوتنا آلاف السنين بكل ما آتيناك به، فتحملتنا وبقيت ذلك الكريم الشهم الذي لم يرد لنا مطلبا.
سأبقي قهوتك ولو بردت، حتى توعدني خيرا، وتزغرد الأمهات بديلا لأزيز الرصاص، ويدوي مدفع الإفطار عند الآذان بديلا للراجمات وعبوات الموت الجبانة.
سأنتظر من شهامتك وكرمك العتيق أن تنبس من جراحاتك وتقول "اشربي قهوتك"، حينها سأحتسي مع احبتك وعشاقك أربع فناجين متتالية واشهد أنك عراقنا الابدي الذي لا يجمعنا غيره.