دخان،
دخان،
دخان،
كل شيء في بلدي يرمز للدخان..
معامل الآجر على امتداد الوطن تنفث دخانها، يرفرف كالرايات أسودا، يذكرنا بقول الشاعر صفي الدين الحلي "بيض صنائعنا، سود وقائعنا، خُضر مرابعنا حمر مواضينا".
دخان العربات من عوادم الصوت يملأ المسافات،
ودخان في المضايف وفي البيوتات جزء من ثقافة الرجولة..
هكذا عرف الدخان في بلدي..
دخان كعباءة فارس يسابق الريح غطت جسد الوطن، اعتقادا أن تمنع الجحيم النازل من طائرات الحقد.
وما اختفى وأصبح ملتصقا في الذاكرة اشكال سيارات الدخان التي تركض ورائها الطفولة تنفخ وسع رئتيها
في وقت الغروب سموم البعوض، يلهث بعدها أطفال الحي يستمتعون بما يتبقى من زيت على وجوههم كأنما هو عطر زيت العود.
يملأ السماء دخان، عته من قيادة ولت، لم تفقه في فن الحروب، دخان أنزله المطر وتكشف جسد بغداد عاريا لغربان الاحتلال.
وتغنى شاعرنا الرصافي بالدخان بقوله:
”وقاطرة ترمي الفضا بدخانها
وتملأ الأرض في سيرها رعبا“
دخان الانفجارات، غمامات يلاعبها الهواء في كل صباح، توقظ النسيم وتشظي الآمال.
في وطني تجابه رايات الحرية بالبنادق،
ويخرق الرؤوس، خارق حارق،
فيخرج الدخان من صدغ جمجمة الربيع،
يلاحق السماء كالحمائم،
دموعها دم وأحزان،
دخان
دخان ، دخان
في بلدي كل شيء له دخان،
قلوبنا أعواد كبريت توقد الأحزان،
صراخنا يفجر الجروح..
ربيعنا أغتيل في المرابع الخضراء،
كأجراس كنائس نينوى،
وبسمة الأطفال في انفجار المكان.