آخر مصدر رزق لسد رمق أمه وأخوته الصغار كان بيع العلكة في زوايا السوق المكتظ بأمثاله الباحثين عن شروق شمس الكرامة التي غابت منذ عقد ونيف.
علكة تخلق الخبز وتبعث الأمل لأرملة ويتامى تركهم رب أسرتهم بلا وداع مضرجا بدم الشهادة على سواتر الجهاد كي لا يصل الإرهاب الى عتبة دارهم المائل للسقوط.
ضحى بأغلى ملكه، وبقيت صروح الدجالين والفاسدين تتلألأ فيها مصابيح الماس وبهرجة الفساد الذي لم ينضب.
ما بين مناداته بالمتسوقين: علكة..علكة، أملا في بيعها في تزاحم البائعين، سمع النداء من السماء، وانفجرت براكين الحقد، تطايرت الحكايا وتلاطمت الأحلام.
ما بين صمت المفاجأة وأنين الجروح، صرخة تطلقها السماء، تعالوا الي على سروج الموت أو على أجنحة المأساة.
أمسك بعلب علكته فهو لم يبيع منها ليأتي بمورده خبزا لأمه وأخوته.
الموت يقبض على روحه وهو يقبض على علب العلكة، كيف له أن يقرر الرحيل قسرا ولم يعد بمدخول يومه؟
في لحظات الموت يندى الجبين تحاكي قطرات خجله الجوع الذي يتسكع في جوف الأهل أمي، أخوتي، عذرا، ستنامون جياعا هذه الليلة.
وفي السماء أبرقت أرواحهم وهطل الدم يروي الأرض التي لا ترتوي.
وهناك بين الأنوار، حيث سلام، التقى بأمه وأبيه وأخوته، يحمل علكته التي لم تباع، روحه التي بيعت وحدها كانت خبز كرامة الرحيل ولقاء أبديا ودع الصراخ واشلاء الضحايا.