الدين نشاط إنساني يشد الإنسان الى علاقة مشتركة مع الإله الخالق المعبود، من خلال الأيمان والاعتقاد بوجود اله جدير بالعبادة والالتزام بأوامره وتعاليمه، اوبتعبير آخر هو الطريق الى الله، والدين يعني المنهج لما يتخذه الإنسان في الحياة، ويقوم على تحريك العقل في الاعتقاد والأيمان على أساس المقدس في العقيدة، ويعني التسليم العقلاني بحقيقة او فلسفة معينة، من خلال الأيمان والتأمل العقلي بوجود الله او عدد من الالهة.
ومن خلال وحدة الوجود الإنساني والكون، وعلى مدى الزمن الطويل الذي مر بالبشرية ظهرت أديان إنسانية عديدة تنوعت في عقائدها وطرقها ومفاهيمها وطقوسها، غير انها جميعها كانت تتجه بالنتيجة نحو طريق واحد، بالأضافة الى الأيمان بوحدة الخلق للكون والالتزام بمنهجية العقيدة المقدسة والقوانين الأخلاقية التي توجبها، وبالتالي خلق منظومة شرعية ومبدئية تنظم الحياة وفق تلك المنهجية، ولعل الفرق الواضح والشاسع بين الإنسان البدائي والإنسان المتمدن هو الالتزام بالقيم والأخلاق والوصايا والتعاليم التي يوجبها كل دين أو عقيدة مهما اختلفت طرائقها ورؤاها، فجميعها تتدخل في أنشطة الإنسان، وجميعها تشكل تحفيز للتفكير وأعمال العقل، بصرف النظر عن الأدخالات او الطقوس التي تفرضها مصالح رجال الدين في كل زمان أو مكان، وبصرف النظر ايضا عما تضيفه الميثولوجيا الشعبية خارج منظومة الفكر والعقيدة، وبصرف النظر عن درجة الاعتقاد والايمان بها.
وخلال هذه الحقبة الزمنية الفائتة اندثرت اديان عديدة كانت حاضرة وسائدة وأصبحت مجرد ذكرى تاريخية، في حين بقيت اديان اخرى لها قدرة على النمو والصمود والانتشار، وبقيت اعداد اخرى بالرغم من انحسارها وتقوقعها وتعرضها لظروف تغيرت فيها الاحكام بتغير الازمان، هذا الأنحسار أو التقهقر نتيجة طبيعية، باعتبار أن الولادة الجديدة لأي ديانة تتجاوز العديد من النقاط التي جاء بها الدين القديم، وتكون منسجمة مع الزمان، ووفق حاجة المجتمع التي تظهر خلاله ضمن مرحلة معينة، حيث تلقي الديانة الجديدة قبولا وانسجاما من المجتمع الذي تعيشه، ومن خلال نقاط التزاحم والتفاضل تتراجع أحد الديانات بينما ترتقي الأخرى، وبهذا التقهقر تكاد العديد من الديانات الأخرى أن تتراجع فتتوقع وتنكفيء على نفسها، وتبدأ قسم منها بالاضمحلال والتراجع حتى تنتهي، فتنتهي بذلك المنافسة والتزاحم في الفكر والعقيدة بين تلك الديانات.
وفي كل الاحوال فان الدين هو محاولة البحث الأنساني عن الحقيقة ضمن ظروف الزمان والمكان، وينظم العلاقات بين الناس وفق منهجيته ووفق الأسس التي يرسمها من خلال المنظومة الأخلاقية في العقوبات التي يفرضها والتي يحددها في النصوص المقدسة او التعليمات الموجبة بالالتزام بها ضميريا على اساس المثل العليا، ويحدد معالم الحرية الفردية والموجبات الاجتماعية وفق لشريعته او عقيدته، ضمن مفهوم الحلال والمحرمات والحدود التي تنص عليها كتب كل ديانة. من يطلع على المباديء الأساسية التي يقوم عليها الدين الزرادشتي يشعر من خلال تلك الفترة القديمة التي حل فيها هذا الدين بين الناس على عظمة المنهج في توحيد الكائن الأسمى الواحد الاحد، والتصور الانساني للظواهر المادية والمعنوية للحياة والتي أكد عليها هذا الدين، بالإضافة الى شمولية وتنظيم العلاقات الدينية والإنسانية في تلك المرحلة الزمنية، والميل الى عمل الخير والسلوك القويم واعتماد العدل والحكمة، معتمدا على تقديس ظواهر الطبيعة، مستندا على قيم تضمن العدالة والمساواة، وأداء الصلوات الخمسة لتكون العلاقة بين الإنسان وبين الله مباشرة دون وسيط، بالإضافة الى فرض الزكاة المالي الذي يضمن مال الفقراء والمساكين والمحتاجين، وتستبعد الزرادشتية اية طقوس او شعائر تهدف الى إيقاع الأذى او الضرر في بدن الإنسان، كما ترفض الزرادشتية أية شعائر تؤدي الى تجويع الجسد او تعذيبه بأسم الدين، لأنها تؤكد على أن أي انسان عليه أن يجاهد ضد الشر بروحه حتى يمكن ان يحقق مرضاة الاله، ولهذا فإنها ترفض امتناع الإنسان عن الطعام بقصد الصيام. وتركز الزرادشتية على التقيد بمنظومة الأخلاق التي حددتها النصوص وأكد عليها زرادشت، وهي تشكل قوة ايجابية للشخص الزرادشتي تمنحه التعبير عن تلك الأخلاق بالفعل لا بالقول فقط، ودافعا لقهر الصفات السلبية، ويقهر الكذب بالصدق، والجشع بالرضا والصدقات، والحاجة بالقناعة، والغضب بالحلم والتروي، والحرب بالسلام وغيرها.
ان لتلك المباديء والقيم التي نشرها زرادشت في ذلك الزمن تأثيرا أخاذا وعميقا في النفس البشرية، حيث انها شكلت منهجا متطورا من مناهج الحياة قبل حلول الديانات الأساسية الثلاث في الوجود ( اليهودية والمسيحية والأسلام)، ولهذا انتشر هذا الدين في منطقة الشرق الأوسط، ومع انه تزامن مع وجود ديانات اخرى في المنطقة التي ظهر فيها أو خارجها ، الا انه بقي محصورا ضمن دائرة عدم قبول الآخر من خارج الديانة الزرادشتية، فهي ديانة غير تبشيرية منغلقة على نفسها، لا تقبل في صفوفها من كان على دين آخر .
ويطلق بعض على الديانة الزرادشتية (دين الأفستا) أو ( دين المزديسنا)، وكما يعتبرهم بعض آخر دين عبدة النار ، ويطلق عليهم بعض آخر أتباع زرادشت أو اتباع أهورا مزدا،.
غير انهم ومهما اختلفت التسميات وتنوعت الآراء فانهم عبدة الله الواحد الأحد، اله الحياة والكون والخير المطلق القديم ولاغير سواه. وبالنظر للتزامن والتشابك بين الزرادشتية مع ديانات اخرى حلت في نفس المكان والزمان كالديانة المانوية والمزدكية والأيزيدية، مما يتوجب تفكيك هذا التشابك، وتوضيح معالم الديانة الأيزيدية من ناحية الطقوس والمباديء العامة والشعائر الدينية، لتوضيح الاختلافات والمتشابهات من أسس كل ديانة، وفد اخذت الديانة الزرادشتية اسم ناشرها وحكيمها ومبشرها لتصبح على اسمه، ونادى زرادشت بالتوحيد منهجا ضمن ديانته، لذا فهو يقر بوحدانية الله، وبالرغم من وضوح منهج التوحيد عند الزرادشتية، الا ان المسلمين اطلقوا عليها لاحقا بعد حلول الدين الأسلامي وأنتصاره في المنطقة لفظة (ديانة المجوس)، وورد ذكرهم في القرآن المجيد في سورة الحج، وتم اعتبارهم من أهل الذمة، وباعتبارهم من أهل الكتاب الذين نص عليهم القرآن كتاب الله:
((أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس، والذين أشركوا، أن الله يفصل بينهم يوم القيامة، ان الله على كل شيء شهيد)) سورة الحج، الا ان هناك من يذكر بان المجوس هم أعضاءٌ بالوراثة، في طبقة كهنوتية في ميديا، وهي مملكةٌ قديمة كانت تقع في المنطقة التي تُسمى الآن شمالي إيران، ويُسمًّى العضو من هذه الطبقة مجوسيًا. اشتهر المجوس بممارسة السحر، وبتفسير البشائر والنذر والأحلام وتقديم القرابين التنجيمية، وهم غير كهنة الزرادشتية.
ومن نسل المجوس جاء البارسيون (البارسي) parsis الذين هجروا ايران بعد استيلاء العرب عليها وفرض الدين الاسلامي، وصاروا في الهند وخصوصا في بومباي وسورت وبارودا.
الا ان الموسوعة الحرة الويكيبيديا عرفتهم: (بارسيون (بالهندية:पारसी)هي مجموعة عرقية يتركز تواجدها في شبه القارة الهندية. ويمثلون جزء من الزردشتيين الذين يعيشون في شبه القارة الهندية. المعروف أن البارسي وهم الزردشتيين الإيرانيين استوطنوا غرب الهند قبل الف عام مضت.
التواجد القديم للبارسي أدى إلى تميزهم عن القومية الزردشتية الأخرى في شبه القارة الهندية وهي قومية إيراني الزردشتية والتي تشكلت نتيجة هجرة لاحقة.)، والحقيقة انهم ليسوا جزءا من الزرادشتية، وهناك اختلافات عديدة بينهما مما يمكن القول ان البارسي انسلخ من الزرادشتية.
بينما يؤكد بعض المحللين أن المسلمون هم من اطلق على أتباع الديانة الزرادشتية اسم المجوس والتي هي تعريب عن كلمة مغ أو مغوبد أو المغان" مكوسيا " التي كانت تطلق على رجال الدين الزرادشتي، والتي وردت كذلك في التوراة والإنجيل، وبها عرفوا في معظم العصور الإسلامية، ومع أن كثرة منهم اعتنق الإسلام إلا أن الذين حافظوا منهم على عقيدتهم استمروا في ممارسة طقوس عبادتهم، وقد برز في العصرين الأموي والعباسي العديد من الزرادشتيين في مختلف مجالات الحياة، وكان لهم في العصر العباسي – كما في العهود القديمة - رئيس في البلاط العباسي احتفظ باسمه القديم موبذان أو موبذ، ونُظر إليه كنظرتهم إلى رئيس النصارى واليهود، واستمرت معابدهم - بيوت النار - قائمة خلال القرون الثلاثة الأولى من العصر الإسلامي، وعاشوا كبقية أهل الذمة دون أي تمييز أو اضطهاد.
وإثر ازدياد دور الفرس في الدولة العباسية، وازدياد تأثير مظاهر الحياة الفارسية على المجتمع في جميع المجالات، وللتضييق على هذا الدور، أو على من كان يسعى إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، بطرق ووسائل مختلفة، وخاصة الأدباء والشعراء وبعض القادة العسكريين، أُطلق على قسم أو فرقة من المجوس اسم الزنادقة التي كانت تعني الذي يتبع أو يعمل بكتاب زند أفستا.
وبتتبع معنى مصطلح الزندقة أو الزنادقة نجد اضطراباً في تفسير كلمة الزندقة في المصادر الإسلامية، فتارة تطلق على أتباع الديانة الزرادشتية، نسبة إلى كتاب الزند أفستا ، وتارة على من يظهر الايمان ويبطن الكفر ، بينما ذكر ابن حجر في فتح الباري (12/270-271) : " قال أبو حاتم السجستاني وغيره: الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرداي، يقول بدوام الدهر؛ لأن زنده الحياة، وكرد العمل، ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور. بينما ذكر في الملل أن أصل الزنادقة اتباع ديصان ثم ماني ثم مزدك الأول.
ويقول الغزالي في جوامع الانوار البهية أن الزنديق هو المنافق ولاتوبة له مهما صلى وصام والتزم بموجبات الدين، وهو رأي متشدد يتعارض مع قوله تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيما. وشكلت الزرادشتية باعتبارها عقيدة ومنهجا دينا توحيديا تؤمن باله واحد ازلي هو:
(اهورا بمعنى (الاله الحكيم ) ومزدا تعني الاله الأوحد بينما تعني كلمة أهورا الحكيم او العليم، فتصبح الكلمة (أهورا مزدا - بمعنى الاله الأوحد الحكيم او العليم)، وهو خالق الكون ويمثل الخير ولا يأتي منه الشر ابدا، وهو القادر على كل شيء، وهناك من اختاره الاله لمساعدته في تسيير امور الكون والحياة، وعدد مساعديه ستة، ويعرفون بـ أميشا سبنتاس بمعنى (الخالدين المقدسين)، ومهما كانت وجهات النظر فأن الزرادشتيين يعتقدون بحق ان زرادشت نبي الله، وهو الذي بشّر بالقوة الشافية للعمل الصالح والقوة الخيرة، فالنار والشمس هما رمزا الزرادشتية، بالأضافة الى أعتمادها المنطق في تحليل الأشياء وتفسيرها، ولذلك فإن النار مقدسة لكونها تمثل نور أو حكمة اهورامزدا، ويحرص الزرادشتيون على ألا تنطفئ النار المقدسة في معابدهم، وهو ما جعل أصحاب الكثير من الديانات الأخرى يفسرونه على أن الزردشتيين يعبدون النار، وأن هذه الديانة لم تنقرض كما يعتقد البعض بل لاتزال موجودة حتى اليوم رغم قلة عدد اتباعها في ايران والعراق والهند ومناطق اخرى.
وقد ورد في الموسوعة العربية الميسرة المطبوعة بالقاهرة عام 1959 من قبل دار الشعب ومؤسسة فرانكلين بالصفحة 921-922 من أن الغبر لا يزالون يمارسون الزرادشتية في يزد بأيران كما يمارسها البارسيون في الهند ، وللزرادشتية تمثيل في البرلمان الإيراني مثلما للباراسيون في الهند .
وينفي العديد من العراقيين وجود زرادشتيين في العراق، الا أن الحقيقة انهم موجودين وأن كانوا باعداد قليلة، وكنت قد التقيت خلال سفراتي الى كوردستان العراق باشخاص يؤمنون ويدينون بالزرادشتية ولم يزالوا واهلهم يدينون بعقيدة الزرادشتية وكلهم من الكورد، وهم في منتهى الخلق والطيبة والالتزام والتسامح، وبالنظر للتزامن والتناص الحاصل بين الزرادشتية والأيزيدية التي كتبت عنها بشكل موجز من خلال عدد من الكتب التي اصدرتها عن حقيقة الديانة الأيزيدية ورموزها الدينية، بالأضافة الى وجود تشابك مع ديانات اخرى في المنطقة، فقد دفعني البحث للكتابة عن حقيقة هذه الديانة ومسالكها وخفاياها، حيث لم اجد في المكتبة العربية ما يغني المعرفة الواسعة عن الديانة الزرادشتية، ولو بشكل موجز ووافي وبسيط لتشكيل صفحة ناصعة عن حقائق هذا الدين الذي انتشر في منطقتنا ضمن حقبة زمنية محددة، وصار دين الأغلبية الذي تلتزم به المجتمعات، حيث لم يقتصر على مكان انبثاقة في إيران وبهذا الأنتشار الواسع في ذلك الزمان فقد التزمت به ملايين البشر.
وينفي العديد من العراقيين وجود زرادشتيين في العراق، الا أن الحقيقة انهم موجودين وأن كانوا باعداد قليلة، وكنت قد التقيت خلال سفراتي الى كوردستان العراق باشخاص يؤمنون ويدينون بالزرادشتية ولم يزلوا واهلهم يدينون بعقيدة الزرادشتية وكلهم من الكورد، وهم في منتهى الخلق والطيبة والالتزام والتسامح، وبالنظر للتزامن والتناص الحاصل بين الزرادشتية والأيزيدية التي كتبت عنها بشكل موجز من خلال عدد من الكتب التي اصدرتها عن حقيقة الديانة الأيزيدية ورموزها الدينية، بالأضافة الى وجود تشابك مع ديانات اخرى في المنطقة، فقد دفعني البحث للكتابة عن حقيقة هذه الديانة ومسالكها وخفاياها، حيث لم اجد في المكتبة العربية ما يغني المعرفة الواسعة عن الديانة الزرادشتية، ولو بشكل موجز ووافي وبسيط لتشكيل صفحة ناصعة عن حقائق هذا الدين الذي انتشر في منطقتنا ضمن حقبة زمنية محددة، وصار دين الأغلبية الذي تلتزم به المجتمعات، حيث لم يقتصر على مكان انبثاقة في إيران وبهذا الأنتشارالواسع في ذلك الزمان فقد التزمت به ملايين البشر .
ولعل أسم (سلمان الفارسي) يمثل رمزا من رموز الزرادشتية سابقا، وابنا لأحد كبار رجال هذا الدين، حيث يذكر ان سلمان الفارسي (568م- 656 م )، واسمه حسب اليوكيبيديـــــا (الموسوعة الحرة) : عندما كان ببلاد فارس (( روزبه)) وقيل ((مابه بن يوذخشان)) وأصله من منطقة أصبهان في إيران هو صحابي دخل الإسلام بعد بحث وتقصي عن الحقيقة، وكان أحد المميزين في بلاد فارس بلده الأصلي. دان بالزرادشتية ولم يقتنع بها، وترك بلده فارس فرحل إلى الشام وألتقى بالرهبان والقساوسة ولكن أفكارهم ودياناتهم لم تقنعه. واستمر متنقلا حتى وصل إلى الجزيرة العربية فالمدينة والتقى النبي محمد بن عبد الله فاعتنق الإسلام، ومقامه وقبره يقعان في مدينة المدائن من ضواحي بغداد على بعد 2 كيلو متر من نطاق كسرى وقد سمي المقام باسم "سلمان باك" اي "سلمان الطاهر"، وقبره عليه قبة ومسجد وصحن كبير. وهو الذي أشار على النبي محمد في غزوة الخندق أن يحفروا حول المدينة المنورة خندقا يحميهم من قريش، وذلك لما له من خبرة ومعرفة بفنون الحرب والقتال لدى الفرس.
ويعتقد أنه مدفون في بلدة المدائن قرب بغداد.
انحسرت الديانة الزرادشتية بشكل كبير بعد هذا الزمن الطويل، وبعد حلول ديانات كثيرة تعاقبت الظهور عليها، فأثرت عليها وتأثرت بها، حيث قدر عدد الزرادشتية بين 124,00 إلى 190,000 نسمة حسب إحصاء عام 2004، ينتشرون في المناطق الاتية:
- 69601 زرادشتي في الهند حسب إحصاء 2001 يتكونون من قوميتين وهما بارسي وإيراني.
- 5000 زرادشتي في باكستان يتركزون في مدينة كراتشي، وازداد عددهم في السنوات الأخيرة بشكل كبير بعد هجرة الكثير من زرادشتي إيران إلى باكستان.
- ما بين 18000 إلى 25000 زرداشتي في قارة أمريكا الشمالية.
- 21400 زرادشتي في إيران، حيث يتواجدون بشكل خاص في مدن يزد وكرمان وشيراز أضافة إلى العاصمة طهران كما يوجد لهم نائب في البرلمان الأيراني وهو من اصول كردية.
- 10000 زرادشتي في مناطق أسيا الوسطى وخصوصا في منطقة (بلخ الواقعة في شمال أفغانستان وفي جمهورية طاجيكستان) والتي كانت موطن الديانة المجوسية سابقا.
- جالية كبيرة في أستراليا يقدر عددهم 3500 وخصوصا في مدينة سيدني.
- عدد كبير منهم في مدن كردستان العراق وخاصة مدينة اربيل ومنطقة سنجار وكلهم من الاكراد.
- في ارمينيا في الالز (قرى جبل ارارت وداخل العاصمه يريفان) وهم ينتمون للقومية الكردية ايضا.
- عدد منهم في مدينة عدن في اليمن الجنوبية.
وكنت قد حصلت على كتاب الفنديداد وهو من اهم الكتب التي تتألف منها (( الأبستاه )) الكتاب المقدس عند الزرادشتية، وكان قد نقله من اللغة الفرنسية المرحوم الدكتور داود الجلبي وقدم له المرحوم الكاتب جرجيس فتح الله ( 1922-2006 ) وصدر عن دار اراس الطبعة الثانية 2001 ويذكر في الصفحة 16 من المقدمة ان الخليفة عمر بن الخطاب الخليفة الثاني امر بملاحقة رقوق ( الأفستا) واتلافها لأنها تخالف ماجاء في كلام الله ( القرآن)، وكذلك أمره بتهديم بيوت النار وإزالتها، وأن الأسلام كان صارما في معاملة المرتد أو التقية، مثلما كانت الدولة الزرادشتية صارمة في معاملة الزرادشتي المنقلب الى الديانة المسيحية، فالمعتصم مثلا لم يتردد في إنزال عقوبة الحد الشرعي بقائد جيوشه محمد الافشين الاشروسني عندما ثبت بالشهادة والاقرار ان الافشين كان يحتفظ بالابستا في منزله، وان اتباعه كانوا ينادونه بــ - بغ بغا - وهو ما يخاطب به ملوك الفرس وكان سليلهم، والكتاب من تاليف المستشرق الفرنسي الكبير المختص بالايرانيات جمس دار مشتاتر ( 1849 - 1894 )، والدكتور داود الجلبي من مواليد الموصل تخرج من كلية الطب العسكري باسطنبول، وهو باحث متمكن ومشهود له بالدقة والرصانة والعلمية، وعضو في عدد من المجامع العلمية العربية، وانتخب عضوا في المجمع العلمي العراقي عام 1924 ، وله مؤلفات عديدة تزخر بها المكتبة العربية ، وتوفي في العام 1961 .
واشار الدكتور داود الجلبي الى ما اورده الطبري في تاريخه في الصفحة 284 / ج((: قال هشام وفي زمان بشتاسب ظهر زرادشت الذي زعم المجوس انه نبيهم، وكان زرادشت فيما زعم قوم من علماء اهل الكتاب من اهل فلسطين، خادما لبعض تلامذة ارميا النبي خاصا به اثيرا عنده، فخانه وكذب عليه فدعا الله عليه، فبرص فلحق ببلاد اذربيجان فشرع بها دين المجوسية، ثم خرج منها متوجها نحو بشتاسب وهو ببلخ، فلما قدم عليه وشرح له دينه اعجبه فقسر الناس على الدخول فيه وقتل في ذلك من رعيته مقتلة عظيمة ودانوا به.))
وجاء في مروج الذهب للمسعودي الصفحة 142ج: ((كان زرادشت من اهل اذربيجان، والأشهر في نسبه انه زرادشت بن استيمان وهو نبي المجوس الذي اتاهم بالكتاب المعروف (بالزمزمة) عند عوام الناس واسمه عند المجوس أبستاه، واتى زرادشت عندهم بالمعجزات الباهرات للعقول واخبر عن الكائنات من الغيبيات قبل حدوثها من الكليات والجزئيات، والكليات هي الاشياء العامة، والجزئيات هي الاشياء الخاصة مثل زيد يموت يوم كذا ويمرض فلان في وقت كذا ويولد لفلان في وقت كذا واشباه ذلك، ومعجم هذا الكتاب يدور على ستين حرفا من احرف المعجم وليس في سائر اللغات اكثر حروفا من هذا، ولهم خطب طويل قد اتينا على ذكره في كتابينا اخبار الزمان والكتاب الأوسط، واتى زرادشت بكتابهم هذا بلغة يعجزون عن ايراد مثلها ولايدركون كنة مرادها، وسنذكر بعد هذا الموضع من هذا الكتاب ما أتى به زرادشت وما جعل له من التفسير وتفسير التفسير.))
وذكر المسعودي ايضا في كتابه التنبيه والاشراف بالصفحة 79 : ((وملك كيبشتاسب مائة سنة وعشرين سنة خلت من ملكه أتاه زرادشت بن بورشسب بن اسبيمان ( كذا ) بدين المجوسية فقبلها وحمل اهل مملكته عليها وقاتل عليها حتى ظهرت.)) وأما الشهرستاني فقد ذكر في الملل والنحل ص 62 ج 2 في هامش الفصل لابن حزم الظاهري (62 ) بعد ان ذكر من الثنوية المجوس والكيومرثية والزورانية والمسخية والخرمدينية: (الزرادشتية اصحاب زرادشت بن بورشب الذي ظهر في زمان كشتاسف بن لهراسب الملك، وابوه كان من اذربيجان وامه من الري واسمها (دغد) ، وزعموا ان لهم انبياء وملوكا اولهم كيومرث وكان من ملك الارض وكان مقامه باصطخر ، ثم بعد انبياء وملوك منهم ( منوجهر ) ونزل ببابل واقام بها، وزعموا ان موسى عليه السلام ظهر في زمان زرادشت الحكيم زعموا ان الله عز وجل خلق في وقت ما في الصحف الاولى والكتاب الاعلى من ملكوته خلقا روحانيا ، فلما مضت ثلاثة الاف سنة، انفذ مشسئته في صورة من نور متلألي على تركيب صورة إنسان وأحف به سبعين من الملائكة المكرمين وخلق الشمس والقمر والكواكب والأرض وبني آدم غير متحركة ثلاثة الاف سنة، ثم جعل روح زرادشت في شجرة (هي شجرة الهوم المقدسة عند الزرادشتيين )، أنشأها في عليين وغرسها في قلة من جبال آذربيجان يعرف ب (أسمويذخر) ثم مازج شبح زرادشت بلبن بقرة فشربه فصار نطفة ثم مضغة في رحم أمه فقصدها الشيطان وغيرها، فسمعت امه نداء من السماء فيه دلالات على بروئها فبرأت، ثم لما ولد ضحك ضحكة تبينها من حضر .) .
ندرك من كتابات الطبري (محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطبري، (224 هـ - 310 هـ - 839 - 923م)والمسعودي ( أبو الحسن علي بن الحسين بن علي أن هناك خلطا بين المجوسية والزرادشتية، كما أن كلا المؤرخين وقع في خطأ تاريخي هو ان زرادشت اصبح ملكا بعد لهراسب، والحقيقة ان زرادشت لم يصبح ملكا في يوم من الأيام ، ورغم ان المناصب والرتب دانت له الا انه عزف عنها وترفع ، في حين ان الشهرستاني (479-548 أبو الفتح تاج الدين عبد الكريم بن أبي بكر أحمد ) ميز بين المجوسية والزرادشتية وفصل في قضية الثنوية والتضاد التي جاء بها زرادشت، فلم ينكر وجوده وافكاره، مثلما ذكر المستشرق الفرنسي كليمان هوارت ( كليمان هُوارْتْ Clément Huart (1270 - 1345 هـ / 1854 - 1927 م ) كان عضواً في المجمع العلمي العربي، والمجمع العلمي الفرنسي، و الجمعية الآسيوية. كان يحسن من اللغات العربية والتركية والفارسية. له عدة كتب بالفرنسية ، ) حيث يقول في كتابه فارس القديمة والحضارة الايرانية ص207 نقلا عن الابستاه للدكتور داود الجلبي ص27 : (ليست سيرة صاحب شريعة ايران (يقصد الديانة الزرادشتية) ( الكاتب) سوى نسيج قصص حاول العلماء عبثا استخراج اساس تاريخي منه، حتى ان اسمه صعب التفسير لم يمكن إيضاحه بصورة مرضية، ورد اسمه في الابستا (زراثشترا ) مع لقب (اسبيتاما) وبدونه، ويظهر ان هذا اللقب كان اسم عائلته وهو ات من كلمة (اسبيت) ومعناها الابيض، اما اشترا فهو الجمل، ولكن كل الصعوبة هي في (زراث) ، القسم الاول من اسم هذا النبي وخاصة في وجود حرف الثاء اللثوية المهموسة التي لولاها لاتجه الفكر الى ( زرا ) الذهب ولأدى الاسم بكامله الى معنى مالك الجمال الذهب، ولكن هذا بعيد الأحتمال.) واضاف انه يصعب تعيين الزمان الذي عاش فيه زرادشت، حيث ان كتبة اليونان واللاتين يرفعون هذا الزمان الى قبل التاريخ المسيحي بستة الاف سنة، غير انهم اقتبسوا معلوماتهم هذه من بيئة كانت قد صيغت فيها هذه القصة التي يستحيل تصديقها. ( انتهى)
وما يدحض اعتقاد المستشرق الفرنسي كليمان من ان الزرادشتية صارت دين الدولة الفارسية على عهد السلالة الساسانية ، فهل يمكن أن يأتي مثل هذا الدين من وهم أو من قبل شخص من نسج الخيال؟ وهل يمكن ان يرتب الخيال تلك النصوص التي ضمتها الأفستاوالفنديداد، ثم ان طرحه لفكرة تقسيم الأسم ومعانيه فكرة لاتلغي وجود زرادشت، كما أن كتابة التاريخ وما وصلنا من المرويات التاريخية يؤكد بما لايقبل الشك فترة بزوغ الديانة الزرادشتية ومن ثم انتشارها وصيرورتها دين الحكم والسلطة ثم في تراجعها وضعف وجودها .
كما يدحض فكرة كليمان كتاب أجانب آخرين امثال أرثر ريمي وجوزيف توماس مثلما ورد في الموسوعة الكاثوليكية ( تسمى أيضا الموسوعة الكاثوليكية القديمة، هي موسوعة باللغة الإنجليزية نُشرت بواسطة ذا إنسيكلوبيديا برس. عرضت للمرة الأولى في مارس 1907؛ واكتملت في عام 1914 ) ، المجلد الثاني. نشرت عام 1907في مدينة نيويورك : (( انه مامن شك في ان الحكيم زرادشت حقيقة قائمة غيرت مجرى التاريخ البشري ، ان زرادشت كان شخصية حقيقية تاريخية. وقد فشلت محاولات بعض العلماء لتمثيله بوصفه كائنا الأسطورية، حتى على الرغم من الكثير من القصص التي نسجت حول حياته الأسطورية ، كما هو الحال في بوذا.
وزرادشت رجل في النصوص الأصلية كما يبدو Zarathushtra ، وهي مشتقة من زرادشت، تشكيلتنا الحالية هي اسم نبي، من خلال اليونانية واللاتينية. الأفستا يكتب دائما Zarathushtra ، وبالبهلوي Zartusht ، وبالفارسية الحديثة، Zardusht. ، لا يمكن للمعنى أن ينطبق على الاسم ، لا يمكن القول بشكل ايجابي. كل ما نعرفه هو أن اسمه مركب، والعنصر الثاني، ushtra ، يعني الإبل)) .
ان اسس الخلاف بين الزرادشتية وبين الاديان التي تلتها هو ان الزرادشتية تعتبر الشمس والنار والماء والتراب من الاركان الاساسية في الدين، وهي وان لم ترمزها كالهة الا انها وضعتها موضع التقديس،.
ولهذا فان الديانات السماوية التي حلت بعدها كانت ترفض هذه الفكرة وتعتبر الشمس والنار والماء والتراب من مخلوقات الله ولاتضعها موضع التقديس، بالاضافة الى شعور بخطورة وجود وبقاء وانتشار تلك الديانات على الديانة الزرادشتية، وبالرغم من ان الاسلام في بدايته اعتبرهم من اهل الكتاب وانهم من اهل الذمة (ابن حزم - المحلى - ص 945 / تفسير القرطبي 3645 / الطبري - كنز العمال في سنن الاقوال والأفعال -ص 4702، البيهقي - السنن الكبرى ج 9 ص 188 ) ، الا انهم تعرضوا لاجتهادات ومواقف اضرتهم كثيرا ، حيث كانوا اقل درجة في المواطنة من المسلمين في بعض المناطق التي حكمها الدين الأسلامي ، كما اطلقت عليهم لفظة (المجوس) في حين انهم زرادشتية .
واطلق الاسلام اسم المجوس على اتباع الديانة الزرادشتية بالرغم من الاختلاف الحاصل بين دين المجوس والديانة الزرادشتية، حيث ان علماء اليونان ومؤرخوها امثال (هيرودتس) و(إفلاطون) و(سترابو) و (بلوتارخ ) قالوا عن المجوس:
انهم لم يكونوا اتباعا مخلصين لدين زرادشت، لقد كانوا كهنة مستعمرات متوضعة في غرب ايران وذلك في عصر الاخمينيين ، وكانوا متواجدين في بلاد مابين النهرين حتى بلاد اليونان، وحين ظهرت المسيحية تفرق المجوس وهاجروا من المناطق التي انتشرت فيها الزرادشتية، وتجنبوا كثيرا من تعاليمها، ولكنهم تبنوا مبادئها بشكل جزئي فقط، مع بقائهم مخلصين لعبادة الطبيعة، الدين الأقدم في أيران، وكانت لغتهم الأرامية، وفي مدتهم الأخيرة لم يكونوا قادرين على قراءة ( الأفستا ) (مجموعة الكتابات والمتون التي كتبها زرادشت) والتي كتبت في العهد الساساني، واهم كتب الافستا كتاب الفنديداد ومعناه مخالفة الشيطان او شريعة مقاومة الشيطان، والأغلب أنه لم يكن عندهم نسخ منها، لقد شغلوا انفسهم بالعرافة والتنجيم، وكانوا مختلفين عن الزرادشتيين الحقيقيين كما يختلف اليهود في الاسكندرية عن يهود فلسطين.
وجاء في الصفحة ( 472 ) من كتاب كفاية الطالبين للدكتور محمود الرضواني عن الزرادشتية مايلي:
((الزرادشتية هي الديانة المجوسية ويطلق عليها المانوية والثنوية، ومجوس اسم رجل أو اسم قبيلة فارسية أو وصف لعبادة النار، وقد أتى زرادشت فحددها واظهرها وزاد فيها ، فالمجوسية أسبق من الزرادشتية ، وقيل ان زرادشت ابن يورشب المولود في القرن السابع قبل الميلاد هو مؤسس هذه الديانة ، فصح الأنتساب لها على أن الأصل زرادشت .
وجاء في الصفحة ( 472 ) من كتاب كفاية الطالبين للدكتور محمود الرضواني عن الزرادشتية مايلي:
((الزرادشتية هي الديانة المجوسية ويطلق عليها المانوية والثنوية، ومجوس اسم رجل أو اسم قبيلة فارسية أو وصف لعبادة النار، وقد أتى زرادشت فحددها واظهرها وزاد فيها، فالمجوسية أسبق من الزرادشتية، وقيل ان زرادشت ابن يورشب المولود في القرن السابع قبل الميلاد هو مؤسس هذه الديانة، فصح الأنتساب لها على أن الأصل زرادشت.
وأيا كانت الأسبقية فهما أسمان لديانة واحدة، فالمجوسية هي الزرادشتية وبالعكس، كما يطلق عليها المانوية والثنوية، وذلك لقولهم بالهين أثنين، وهي ديانة فارسية وثنية ثنوية تقدس النار ، وتقول بآلهين أثنين غله للخير واله للشر، وقد تأثروا ببعض الديانات الهندية، فقالوا بتناسخ الأرواح، وكان لهم أثر كبير في ظهور بعض الحركات الباطنية الذين تستروا بحب أل البيت لهدم الأسلام من الداخل، فمنهم عبدالله بن سبأ المجوسي أصل الباطنية في الأمة الأسلامية، وكذلك أبو لؤلؤة المجوسي قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب)).
وبالرغم من الخلط بين العديد من الأديان والمذاهب، فأن التحامل على الديانة الزرادشتية واضح، ومع ان الزرادشتية ديانة موحدة تؤمن بالله، فأن الكاتب يؤكد كونها ديانة فارسية وثنوية تقدس النار، مع تلميح في معاداته للفرس مما يجعله يبتعد عن الواقع والحياد والموضوعية .
كما أن الزرادشتية بعيدة عن المجوسية والباطنية، وهي من بين الديانات القديمة التي تؤمن بوحدانية الله، وان الصراع في الدنيا بين قوى الخير وقوى الشر حيث ينتصر الخير اخيرا، وأن الملائكة مكلفة بمتابعة أعمال البشر، ثم يكفي أن يوصف محللين ومؤرخين بأن الزرادشتية نظام أخلاقي ونموذج راقي في العدالة الأجتماعية وحقوق الأنسان، وأن الزرادشتية لاتؤمن بالعتف ولاتعبد النار وهي اخيرا دين الاله الواحد.
وتختلف المجوسية عن الزرادشتية من كون الأولى تعتمد السحر والتنجيم وقراءة الأحلام وتفسيرها، بالأضافة الى انها طبقة تعتمد الكهنوت وتمارس طقوس التضحية، وربما تحول بعض من رجال دينهم الى الزرادشتية وانصهروا ضمن تعليمات هذا الدين الذي اكتسحهم في المنطقة، الا ان صلاة الزرادشتية تختلف عن صلاة المجوس، كما تختلف عنهم في عدم اعتماد السحر والتنجيم بل وتدعو الى تحريمها ونبذها، واعتمادها على فكرة الصراع القائم بين قوة الخير وقوة الشر.
بالاضافة الى الخلط الحاصل بينهم وبين المزدكية وهي حركة انشقت عن الزرادشتية ، وكان (( مزدك 487- 528 م )) قد ظهر في عهد الملك (قباذ) الساساني، والذي ايد هذه الحركة
وعن الموسوعة الحرة ( الويكيبيديا) للتعريف بالمزدكية: (( انها ديانة فارسية قديمة أسسها الداعية الفارسي مزدك وإليه نسبت.
تقول هذه الديانة بمبدأين:
الخير والشر، والنور والظلام.
كما اقرت هذه الديانة النظام الاشتراكي في الأموال والنساء، بمعنى ان يتشارك الناس في أموال بعضهم البعض وكذلك في نسائهم.
أيد هذا المذهب الملك الفارسي قباذ الأول عام 488 ميلادي، وبقي المذهب سائدا في عهده حتى خلعه عن العرش الملك الفارسي كسرى انوشروان الذي اعاد الديانة الزرادشتية.
دونت افكار مزدك في كتاب (مزدك نامه) وبعد ظهور الإسلام وقد قام ابن المقفع بترجمته إلى العربية وظل موجودا عدة قرون ثم فقد.
ويذكر ان مزدك كان يشترك مع كونفوشيوس وافلاطون من جهات لأن الطابع السياسي والاجتماعي كان يغلب على مذهبهَ)).
وهناك من يحاول الافتراء والاساءة للديانة الزرادشتية بتقوله ان الزرادشتية تبيح زواج المحارم، وهو أفتراء محض لاينم الا عن نفس مريضة وضمير مختل، فالديانة الزرادشتية ديانة صارمة في مسألة الاخلاق والقيم وتهذيب النفوس، بالأضافة الى ما تفرضه من تقديس لقضية التطهير واحترام المرأة واعطاء رأيها الأهمية، ومثلت ديانتهم ومجتمعها طورا من الازدهار الاجتماعي والقيمي.
ولذلك كان موقف الزرادشتية من المزدكية التي دعا إليها مزدك أكثر حدة، لأنها لم تشكل خطراً على المعتقدات الدينية فقط، بل هددت النظام الاجتماعي والسياسي والأخلاقي برمته، بالدعوة إلى إلغاء التقسيم الاجتماعي، والمساواة بين الجميع والاشتراك (المشاعية) في المال والنساء.
وليس أكثر انصافا من تلك القيم الروحية التي اطلقها زرادشت مع نصوص الأفستا، والتي توجب على الزرادشتي التطهر والصلاة وإداء الزكاة المفروضة، بالأضافة الى اعتقاده بالوحدانية، وتقديسه للنار والشمس، واحترامه للمرأة والحيوانات التي تحتاج الى عطف الأنسان ورعايته، وطرح مبدأ الثواب والعقاب بشكل تفصيلي، بالأضافة الى حقيقة أن الروح هي الأساس الذي ينبغي محاسبته بأعتبار أن الجسد فاني، وأن الروح هي التي تعود الى الخالق، وبالتالي فأن الجسد متحول ويدنس الأرض فيما لو دفن فيها، ولهذا تم الأعتماد في حينه على طقس نشر الجثث في الأعالي والأماكن الخاصة للأستفادة من بقية الجثة التي غادرتها الروح، وضمان عدم تدنيس التراب المقدس، وهو جزء من المقدسات الأربعة، ومصدر العطاء والخير للأنسان.
ان تضمين مفردة المجوس واطلاقها على الزرادشتيين اضرت كثيرا بواقع وحقيقة ومضمون هذا الدين التوحيدي، مما سبب له الانكسار والانحسار، بالنظر لأنتصار الأسلام وأكتساحه اديان المنطقة، مما جرده من قوته وبعثره ضمن منطقة انتشاره، مع ان هذا الدين يعتمد قبل كل الاديان التي حلت في المنطقة على ثنائية الصراع القائم بين المتناقضات، الخير والشر، والنور والظلام وغيرها، الا انه يؤمن بشكل مطلق بوحدانية الآله (اله الخير المطلق)، وتضمين المفردة وان نص عليه القران الا انه اصبح شائعا وعلامة فارقة لم يتمكن الاتباع والمؤمنين بتلك الديانة من مواجهته، ربما بسبب سعة انتشار بلاد المسلمين وكثرة عدد المسلمين، وانحسار البلدان التي تؤمن بالزرادشتية وقلة الأتباع، وربما بسبب المنطقة الجغرافية والطقوس التي يمارسها الزرادشتيون والتي رفضها الأسلام، والتي اتسع نطاق توصيفها ليصل الى اطلاق لفظة (عبدة النار )، والتي تعني ما تعنيه الكفر والشرك والالحاد، وهو ما يوجب الحد والقتل أو الرضوخ الى الدين الأسلامي في قوانين الأسلام، بالرغم من ان واقع حال تقديس النار تعد من بين الطقوس المعتمدة في التقرب الى خالق النار والنور، بحكم المعتقد زمانيا ومكانيا، ويؤكد الباحث محمد امين زكي في كتابه خلاصة تاريخ كرد وكردستان بالصفحة 123 من ان الكرد وجدوا في الدين الاسلامي الجديد تشابها مع ما كانوا يعتقدون به فآمنوا به، مايؤكد ذلك التقارب والتشابه بين الدين القديم والجديد، الا ان هناك رأي يحيل تلك القضية على اشكالية العلاقة بين الدين العربي الجديد وبين تلك الأقوام الآرية التي تؤمن بأديان غارقة في القدم مع انها تؤمن بوحدانية الله.
ويمكن ان يكون ما أورده المؤرخ ابن الاثير في الكامل في التاريخ قرينة على تلك النزعة حيث جاء في خطبة الخليفة عمر بن الخطاب ( رض):
(( انه لقبيح بالعرب ان يملك بعضهم بعضا، وقد وسع الله عز وجل وفتح الأعاجم )) (والأعاجم لفظة تطلق على غير العرب - الكاتب)، ثم يكمل (( ألا وان ملك المجوسية قد هلك فليسوا يملكون من بلادهم شبرا يضر بمسام، ألا وإن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناؤهم لينظر كيف يعملون)) - راجع الكامل في التاريخ لأبن الأثير - تحقيق الدكتور عمر عبد السلام - دار الكتاب العربي للنشر 1997 بيروت ج2 ص 382 وج3 ص37. وكلمة "مجوس" معرَبة عن لفظة مجوس (بالفارسية: مكوس) والتي تعني مفسر الرؤى، وهي من الألفاظ التي دخلت إلى اليونانية كذلك، حيث وردت لفظة "ماجي"، فيها، وهي جمع "مجوس". مجوس هي جمع لكلمة ماج وهي ديانتهم وأصحاب الديانة هم مجوس.
ومكوس كلمة فهلويهأوفارسية قديمة، وتعني الشخص الذي يفسر الرؤيا وأحلام النوم ويخبر أخبار الغيب بالمنجم والتنجيم.ومجوس ايضا هو اسم رب عند الفرسالقدماء وهو رب القدرة.
إن أقدم ديانة لسكان إيران الأصليين هي ديانة (( مغان)) لتي ظهرت قبل زرادشت، وتعني كلمة : مغوش في لغة إيران القديمة الخادم، وهي تختلف عن الزرادشتية الا ان لفظة المجوس شملت الزرادشتية، مع ان الديانة الزرادشتية سادت في الامبراطوريات الفارسية حوالي الالف والخمس مائة عام (من القرن السادس قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي) وعرفت هذه الديانة بهذا الأسم، وكان الأغريق القدماء قد حولوا اسم مؤسس هذه الديانة من زراتوشترا الى زروآسترا، وعدوه حكيما منجما (الجذر آسترا ماخوذ من كلمة آسترون = نجمة) ثم اخذ الأخرون عن الأغريق هذا التجديد، والحقيقة ان بعض المؤلفين المعاصرين يحاولون العودة الى استخدام الأسم الأصلي لزرادشت بهدف إظهار تميزهم وحسب! لكن ذلك لايفضي في واقع الأمر الا الة تشويش المسألة.
وهناك من يؤكد ان زرادشت في حقيقته نبيا كورديا، لأن الكوردي كان يوازن بموقعه داخل التاريخ نفسه حيث ان تمايزه تجلى محكوما بعلو ومتانة موقعه، هذا الموقع الذي كان للاخرين( الفرس خصوصاالدور الكبير في نزع الاسم المميز عنه، لذا فان الزرادشتية هي العلامة الاكثر بروزا لمعتقد تميز به رغم قلة المصادر الموضخة لأسباب تاريخية، وربما لعب الاسلام دورا كبيرا في نذريرها، ولكنها لم تؤهله تاريخيا ليكون المعلوم بها، وقد شهدت الجغرافية له بذلك، ففي الوقت الذي ظهرت قبل اكثر من خمسة وعشرين قرنا فان زرادشت نفسه نبيا كورديا كما هو مذكور عنه ميديا تماما، وقد عاش للفترة بين اعوام ( 628 - 551 قبل الميلاد) وانه جسد ذلك الصراع العنيف بين خاصية كل من النور والعتمة في اكثر تجلياتها حكمانية، وهو يحمل مشروع ديانة كان المكان الجغرافي الحدود العملية لولادتها وتناميهاولهذا يتوجب علينا ان نفصل بين المجوس والزرادشتية، وبين الايزيدية والزرادشتية مع اننا لاننفي وجود تناص وتقارب وتطابق احيانا بين تلك المعتقدات، بالنظر لتداخل الزمان والمكان بينهما، والتأثيرات الحتمية التي يحدثها ذلك.
والديانة الزرادشتية ديانة غير تبشيرية، ((وأن الفرس لم يكونوا يبشرون بدينهم، ولم يكن يهمهم دخول الناس فيه، اذ عدت المجوسية ديانة خاصة بهم، وهذا مما صرف الحكومة (المجوسية) الاهتمام بامر الاديان الخاضعين لها من غير ابناء جنسها )) . ( 5 )
يعتقد الزرادشتيين ان زرادشت نبي الله، إضافة إلى ذلك فأنهم يؤمنون بأن هناك عدة مساعدين للاله اهورامزدا، وعدد هؤلاء المساعدين ستة، ويعرفون بأميشا سبنتاس وتعني: الخالدين المقدسينولا تزال هذه الديانة موجودة ومنتشرة في مناطق متعددة من العالم ولو بأقليات صغيرة، بالنظر لتعرضها لظروف محاربتها من قبل ديانات وسلطات حاكمة، ما أدى الى انحسارها ضمن مناطق معينة.
أن الباحث الموسوعي رشيد الخيون تعمق في بحوثه عن الأديان والمذاهب في العراق، الا انه لم يتعرض للزرادشتية بشرح مفصل في كتابه عن الاديان والمذاهب بالعراق، اعتقادا منه بأن لااحد منهم اليوم باق في العراق مع انه ذكرهم في الصفحة ( 39 ) من انهم يظهرون في المجالس الرسمية بايران بثيابهم البيضاء الناصعة مع انهم على دين منسوخ بالاسلام، وفي الصفحة ( 81) منه يذكر بان الديانة القديمة الزرادشتية كانت سائدة بالمنطقة وفي الصفحة(147) منه يذكر ان الكورد كان الغالب منهم على الديانة الزرادشتية.
وبالنظر للحملات العسكرية التي شنت ضد الزرادشتية، مما أضطر الكثير منهم الهروب من أماكن تواجدهم في أيران، حيث لجأوا الى الهند، ومن الجدير بالذكر أن الزرادشتية لاتقتصر على أبناء الكورد فقط، إنما آمن بها العديد من أبناء القوميات الأخرى كالفرس وغيرهم، وهم اليوم يتمركزون في منطقة كرمنشاه في أيران، ومع وجود ممثل لهم في البرلمان الأيراني، الا ان هناك تضييق عليهم بشكل غير مباشر ، وبالنظر للتماس والتناص الحاصل بين الأيزيدية والزرادشتية، فهناك من يعتقد خطأ ودون سند أن أصل الأيزيدية هم الزرادشتية أو العكس .
وحين نذكر تاثير الديانة الزرادشتية على ماتلاها من ديانات، فأننا لاننكر تأثير الديانات القديمة والميثولوجيا في المنطقة على تلك الديانات، فتلمس تلك المشتركات وتشعر بتلك السلسلة التي ترتبط بها جميع الأديان في المنطقة.
وتاتي هذه الدراسة المتواضعة وهي جزء من مقدمة كتابي عن الزرادشتية لتساهم بشكل ملموس وموجز في كشف وتوضيح معالم الديانة الزرادشتية، وأطارها العام والخاص، بالأضافة الى تثبيت بعض الحقائق التي قد لايعرفها القاريء غير المعني بالبحث والتقصي عن الديانات القديمة، وخصوصا انني ارى الحاجة الماسة لمعرفة تلك الديانات الغارقة في القدم، والتي ملئت صفحات التاريخ وكانت جزء من التاريخ والجغرافية في بلادنا، وايضا وجودها حتى اليوم مع انحسارها لأسباب عديدة، والبحث على بساطته يشكل جهدا يضاف الى جهود الاخرين في التوسع والتدقيق بمعالم تلك الديانة الانسانية.