ملاحقة المجرمين الذين تمكنوا من الهروب خارج العراق مهمة قضائية لها شروطها من أهمها:
1- إن يكون المطلوب متهما بارتكاب جريمة وقعت داخل العراق، والقانون العراقي يعاقب على ارتكاب تلك الجريمة .
2- أو إن يكون قد صدر بحقه حكما قضائيا بالحبس مدة لاتقل عن ستة اشهر أو أي عقوبة اشد.
3- أو إذا تعددت الجرائم المطلوب التسليم عنها .
وبالنظر لسهولة الانتقال بين الدول في العصر الحاضر، وبغية أيجاد آلية لملاحقة المتهمين أو ممن ارتكبوا جرائم في بلدانهم، رسمت القوانين طريقة التسليم التي تقضي بإعداد ملف يقدم من قبل وزارة العدل يتضمن بيان وافي عن المتهم أو المدان المطلوب تسليمه، ومن خلال التبادل الدبلوماسي بين الدول، وعلى أساس التعاون الدولي في ملاحقة الخارجين على القانون يتم التعاون في تنفيذ تلك الأوامر، مع اعتبار لجميع القواعد الإجرائية والموضوعية التي تخص التسليم، علما بأن التسليم لايتم في حال كون الجريمة المرتكبة من الجرائم السياسية وإذا كانت تلك الجريمة مما لا يعاقب عليها القانون وتجوز محاكمته عنها خارج العراق، بالإضافة الى صدور حكم من محكمة خارج العراق عن نفس القضية يقضي ببرائته أو الإفراج عنه أو صدر فيها حكم بات.
وتحكم العديد من البلدان اتفاقيات ثنائية أو جمعية لتسليم المجرمين والتعاون القضائي فيما بينها، ولعل العراق من بين العديد من البلدان ممن يتمسك بتنفيذ تلك الاتفاقيات ويحرص على احترامها .
كما يمكن إن تكون تلك الظاهرة في الالتزام القانوني والتعاون القضائي ظاهرة متمدنة تدلل على المستوى الأخلاقي والحضاري الذي وصلته تلك الدول في صيانتها واحترامها للقانون ومحاربتها للجريمة والمجرم وتعاونها في ذلك، وكما ان العديد من دول العالم ممن اعتبر للقانون الدولي اعتبارا خاصا من خلال اعتماده واعتباره كجزء من القانون الوطني، وبالتالي تصبح النصوص القانونية في الأنظمة والقوانين الدولية والمعاهدات مدمجة ضمن القانون الداخلي، بهدف التعاون المثمر في الشؤون الجنائية، ويمكن الإشارة الى إن تسليم المجرمين احد هذه الصور المتمثلة في التعاون الدولي من خلال الإنابة القضائية ونقل المحكوم عليهم وإرسال الأوراق التحقيقية وحضور الشهود والخبراء.
وتسليم المجرمين إجراء قانوني يتم الالتزام في سبيل تنفيذه بالقوانين الدولية والمعاهدات وينظمه القانون، وأن قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 نص على الإنابة القضائية وتسليم المجرمين في المواد من 352 – 368، ونعتقد إن قضية التسليم تعتمد على مجال ومستوى العلاقات السياسية التي ترتبط بها الدول، ومن هذه النقطة نلمس عدم تنفيذ وإفلات المجرمين من العقاب.
والقانون الدولي لم يعتبر المتهمين في جرائم الأبادة والجرائم ضد الإنسانية من الجرائم السياسية، لذا فأن التسليم فيها ملزم لتلك الدول كما لم يشملها بالتقادم المسقط للقضية في القوانين التي تنص قوانينها اعتماد التقادم المسقط للجرائم، ولهذا فأن ارتكاب عدد من المتهمين من أقطاب العهد البائد أو الحالي لا يجعلهم من المتهمين السياسيين، باعتبار أن الجرائم المرتكبة جنائية وعادية بحق العراقيين، ولا يشملهم التقادم المسقط للجريمة، علما أن القانون الجنائي العراقي لا ينص على التقادم المسقط للجريمة أيضا، وهذا الأمر يفرضه القانون الطبيعي من خلال التضامن الإنساني في عدم توفير الملاذات الآمنة للمجرمين وعدم إيوائهم ومساعدتهم، حيث عبروا الحدود بطرق غير شرعية فارين من شعبهم وخشية من تعرضهم للمسائلة القانونية.
وللمعاملة بالمثل اعتبار أساسي ومهم في هذا الجانب، ومع إن نصوص اتفاقية جنيف لعام 1951 حظرت طرد أو إبعاد اللاجئ وتهديد حياتهم للخطر، إلا إن هناك موانع واعتبارات تميز بين اللاجئ وبين الإرهابي، وبين السياسي صاحب العقيدة الفكرية وبين من اتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
فقد ناشد قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 1483 في 22 أيار 2003 جميع الدول الأعضاء عدم منح ملاذ آمن لأعضاء النظام العراقي البائد الذين يزعم أنهم يتحملون المسؤولية عن ارتكاب الجرائم والفظائع ودعم الإجراءات الرامية لتقديمهم للعدالة، وأكد القرار على التقيد تقيداً تاماً بالتزامات الدول بموجب القانون الدولي بما في ذلك وبصفة خاصة لاتفاقيات جنيف لعام 1951 واتفاقية وقواعد لاهاي لعام 1907.
وبمقتضى نص الفقرة 16 من القرار الصادر من مجلس الأمن برقم 1546 لسنة 2003 والذي يلزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تمنع عبور الإرهابيين الى العراق ومنه، وتمنع تزويدهم بالأسلحة وتوفير التمويل لهم، وكل ما من شأنه دعم الإرهابيين.
وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 3074 والمؤرخ في 3 كانون الأول 1973 أن تأخذ جميع الدول بالاعتبار وجود ضرورة خاصة لاتخاذ إجراءات على الصعيد الدولي بغية تأمين ملاحقة ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتتعاون الدول بغية وقف الجرائم ضد الإنسانية والحيلولة دون وقوعها، كما تتعاون من أجل تقديم هؤلاء الى المحاكمة.
ونتلمس المخالفات الصريحة للاتفاقيات الدولية في المنطقة من خلال اتخاذ ساحة دول مجاورة أو بعيدة ملاذا لتلك العناصر المطلوبة والتي يشملها الحظر في منحهم الملاذ الآمن وإيوائهم والحرص على وجودهم بعيدين عن سلطة القانون، ومنحهم اللجوء السياسي خلافا لحقيقة الأفعال المرتكبة من قبلهم، دون إن تعرف على ماذا تراهن تلك السلطات في مواقفها المعادية للعراق؟
أن العديد من المتهمين بجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بالإضافة الى ارتكابهم جرائم جنائية شخصية وجب التحقيق معهم وتقديمهم للمحاكمة في بلدهم، فإنهم يجدون الملاذ الآمن خلافا للأعراف القضائيةوالقانونية الدولية والإنسانية، وانتهاكا لقرارات مجلس الأمن دون أدنى إحساس بالمشاركة في المسؤولية الدولية وملاحقة المجرمين وتسهيل تقديمهم للعدالة، بالإضافة الى أن تلك الدول تقف موقفا سلبيا من الشعب العراقي حين تناصر المجرمين وتمتنع عن تسليمهم، وتسجل موقفا سلبيا لا ينسجم مع التطلع للتعاون القانوني بين الدول.
وغالبا ما تلجا الدول الى التحايل على شروط التسليم خصوصا إذا كانت من الدول التي تحمي المجرم أو المتهم لأسباب شخصية أو سياسية، فتلجأ الى افتعال طرد المجرم أو تمثيل إعلان طلب مغادرته لبلادها حتى يصبح خارج مطالبتها به قانونا، في حين انه يبقى في بلدها بشكل خفي أو مستتر، علما بأن المؤتمر العاشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات أكد على ضرورة الالتزام بدقة لتسليم الجناة أو المتهمين وإذا كانت جرائم القتل العمد وباتفاق جميع الدول تعتبر من الجرائم التي يمكن التسليم بموجبها أذ لا تعتبر من الجرائم السياسية، فما هو المبرر لعدم القبض على المتهمين في الجرائم المرتكبة بحق الشعب العراقي؟
وعلى أي قاعدة تستند بعض الدول العربية في الامتناع عن تنفيذ مقررات قرار مجلس الأمن واتفاقيات التعاون القضائي العربي؟
وعلى أي قاعدة يتم مساعدة الإرهابيين الذين استثنتهم جميع اتفاقيات وقوانين الأرض من قواعد تسليم المجرمين؟
أن ما توفره تلك الاتفاقيات والقوانين من ضمانات للمجرم أو المتهم يكشف الغطاء الذي تتستر به بعض الجهات التي تمتنع من تنفيذ نصوص الاتفاقيات والقوانين، وكما إن مبدأ التعاون القضائي يؤكد احترام تلك الدولة لقانونها الوطني وحرصها على إن تكون طرفا دوليا يحترم القانون الدولي وساعية لتطوير مفاهيمها القانونية والقضائية، لتدلل على حرصها على، أن تكون طرفا دوليا يحترم القانون الدولي وساعية لتطوير مفاهيمها القانونية والقضائية، لتدلل على حرصها على حقوق الإنسان وارتباطها بالمنظومة الدولية.