عادت سنجار كسيرة وحزينة ، خربها الأشرار ، وعاث بها أشباه الرجال ، شوارعها غير تلك الشوارع، الحزن والمرارة والسكون والوحشة يخيم عليها، بيوتها الجميلة مطرزة بالرصاص والقذائف، السواد يلطخ وجهها الجميل، دكاكينها المنهوبة، ومواشيها المسلوبة، وتعبيرا عن مكنونات نفسية يغلغل فيها الحقد والعقد الدفينة سرقوا منها حتى ثياب الأطفال وأواني المطبخ، أدخلوا قذارتهم وكل قاذورات الأرض التي تعشعش في عقولهم وفكرهم المظلم، ودمروا وفجروا كل جميل فيها .
عادت سنجار بعد أن استباحوها ودنسوا شرفها وعرضها، رفضت سنجار أن تضم جثثهم الطافحة بالقذارة واللؤم فبدت روائحهم وأشكالهم ناشزة، بعد أن ضمت أجداث أولادها الطاهرين، اختلط دمهم بالتراب، حتى تنتعش شجرات الرمان التي تميزت بها، وحتى تؤرق مرة أخرى أشجار التين والزيتون التي تفردت بأنواعه منها، اختلطت أرواحهم مع قبور الأولياء والقباب العتيقة المقدسة، وحدهم من كانوا يعانقون التراب السنجاري، وحدهم من كانوا بلا سلاح فلم تكن منازلتهم عادلة، متجردين إلا من إيمانهم بعقيدتهم، ما أرعبتهم المجازر ولا حفلات النحر البشري ولا حملات النهب والسلب التي كانت تجري أمام أنظار الله والبشر، فتقدموا عراة وعزل إلا من عقيدتهم.
عادت سنجار دون أن يتمكن الفلاحين من الحصاد أو جمع الزيتون وثمار الفواكه في مواسمها، فقد لطختها أنفاس البهائم التي تجمعت كذباب الفطائس فوق أرضها، رطبتها دموع الأمهات والثكالى من النساء، وعطرها تطريز دموع الخوف المنسابة فوق خدود أطفالها وبناتها الحلوات، عادت سنجار والله يرى كل شيء ويسجل كل شيء أيضا.
عادت سنجار بعد ان شاهدت من خانها ، وتآمر عليها، وروع أولادها بنذالة وخسة وجبن، وشاهدت من غدر بها، وسمم حياتها، وسبب في تشريد أولادها وشبابها، ولمست من كفر بكرافتها وبلقمة الخبز التي تقاسمتها معه.
عادت سنجار دون بناتها الأسيرات ، مثلوم شرفها الذي لن يضيع ، في لحظات الغدر استباحها أشباه الرجال، وهم اخطر من الرجال حين يتحكمون بها، أسرفوا في الانتقام منها وتخريبها، وأوغلوا في تعميق جراحها وإيذاءها، وتحكموا في أيامها، ودنسوا لياليها ومزارعها، وجعلوا أهلها مشردين يلوذون بالخيام وبالأماكن التي لم يألفها البشر ، ودفعوا أهلها لأن يسلكوا مسالك البحار والمخاطرة بأرواحهم، ولم يزل أهلها متمسكين بعقيدتهم، ولم يزل أهلها يصدقون أن الأمم المتحدة وأخوة يوسف وكل الجيران من يساهم ويساعد على الأقل في أن يعيد لهم بناتهم وينقذ لهم شرفهم، أو أن يساهم أو يساعد في بناء ما خربته عقول الهمج والرعاع وأنصاف الرجال مهما كانت جنسياتهم.
عادت سنجار دون أن تستكمل فصولها!!! إلا إنها ستبقى أبدا قلعة من قلاع الايزيديين
وحدكم بوحدتكم من يعيد لسنجار القها ويرمم وجهها، وحدكم من يجمع لها المال ويعيد بناء الخراب وحدكم من ينشر بين دروبها المحبة والسلام دون أن يغفل مرة أخرى، وحدكم من يطرز أيامها القادمة بألوان الزيتون والتين والرمان والحنطة، وحدكم من يعيد بناء المزارات ويمشط الدروب المتربة، وحدكم من يشاركها بطوافاتها، وحدكم بان لا تديروا ظهوركم مرة أخرى وأن يكون هذا فرمانكم الأخير فقد شبعتم موتا وقهرا وهجرة.
وحدكم بتناخيكم ووحدتكم وتآزركم من يعيد سنجار أليكم.