تشكل المجالس النيابية او مجالس الشعب في كل البلدان سلطة تشريعية وفق الاختصاصات التي يحددها دستور اي بلد ووفق انظمتها الداخلية التي تنظم سير العمل فيها ، وهذه المجالس هي جزء من السلطة التشريعية الاتحادية التي تتكون من مجلسي النواب والاتحاد، وهذه المجالس النيابية يمكن ان تتشكل من مكون سياسي واحد أو انها تتكون من عدد من التشكيلات السياسية، ويتكون عدد ممثلي هذه المكونات وفقا لما تحصل عليه من أصوات في الانتخابات التي يتم اجراؤها بعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة لنهاية الدورة الانتخابية المقررة. الحقيقة التي غابت عن جميع اعضاء مجلس النواب العراقي طيلة الفترة المنصرمة منذ التغيير في العام 2003 وحتى اليوم ، هي ان جميع الأعضاء لم يكنوا يمثلون جميع العراقيين، بل تمسك جميع الاعضاء بتمثيل الجهات والكتل السياسية التي يتبعونها ويلتزمون باوامرها، وتمسك الباقين بتمثيل قومياتهم وطوائفهم ومذاهبهم ، ولم يكن هناك حضور وتمثيل للمواطن العراقي ، والذي افترضه نص المادة ( 49 ) من الدستور العراقي، حيث أن عبارة النيابة التي يتشكل منها اسم مجلس النواب هي القيام مقام المواطنين في اداء دورهم التشريعي ضمن رعاية مصالح الشعب والسهر على سلامة ارض الوطن وكرامته وثرواته ونظامه الديمقراطي، والعمل بضمير منفتح على صيانة الحقوق والحريات، وعلى استقلال القضاء وتطبيق التشريعات بامانة وحياد ، ولأن الشعب منح تلك المجموعة من الناس التي يتشكل منها مجلس النواب هذا التخويل بالنيابة عنه، فانهم بالتالي يمثلون جميع شرائح ومكونات العراق. ولمجلس النواب دور فاعل في الازمات والاحداث التي تمر بها البلاد، ولكونه يفترض به أن يمثل جميع العراقيين، لذا فهو حريص جدا على تطبيق مبدأ الانسجام والتآخي بين تلك المكونات، وهو الذي يفترض به أن ينأى عن ان يكون طرفا في أي خصومة أو نزاع أو خلاف بين المكونات العراقية، ولم نزل نلمس تلك المواقف والتصريحات التي تزيد النار اشتعالا ، وتدفع باتجاه السعار الطائفي والشوفيني من قبل اعضاء في مجلس النواب، ولم نزل والحيرة تزيدنا دهشة من تناقض في المواقف والتصريحات مع اختلاف عميق يعرقل التشريعات التي تهم الشعب فتزيدها تعقيدا وابتعادا.
أن قضية المصالحة الوطنية أصبحت الشماعة التي علقت عليها جميع الحكومات العراقية المتعاقبة اخطاؤها وكبواتها عليها، ولم يكن هناك أي دور فاعل ومؤثر لمجلس النواب ، ومع انقضاء أكثر من 13 سنة لم تزل المصالحة الوطنية والتشريعات المتعلقة بها على رفوف النسيان، واحيانا منفذا للفساد وعدم الجدية، فلم تكن هناك اية مصالحة وطنية ، ولم يعد هناك وفاق وطني وتقارب بين الكتل الا وفقا للأنتماء القومي أو الطائفي.
أن مجلس النواب ليس اجتماعات شكلية ولا تجمعا للكتل السياسية، وليس بيتا لالقاء الخطابات، انما يتبوء مركز النيابة من كان مؤهلا لمناقشة مشاريع القوانين وتشريعها، بالاضافة الى الرقابة على اداء السلطة التنفيذية، وهذه الرقابة لاتتيح له دور المفتش او المتدخل في شؤون الجهة التنفيذية مثلما يفعل اغلب نوابنا ، كما ان على مجلس النواب ان يكون امينا في اختيار المؤهلين لقيادة المراكز المهمة في البلاد على اساس المصلحة الوطنية والكفاءة.
أن غياب دور مجلس النواب في طلب محاسبة كل من اتهم بتسبب الخراب والدمار في العراق بسبب القيود الطائفية التي يتمنطق بها الأعضاء ، كما أن غياب دور المجلس في تأجيل تشريع القوانين المهمة التي تهم حياة الشعب بسبب الفساد المستشري بين عدد من الأعضاء أنفسهم، كما أن الحرص على ديمومة الخلافات والتناحر بين الكتل المتصارعة داخل المجلس بسبب الفرقة بين المكونات التي تنخر الجسد العراقي والتي لم يستطع المجلس تخفيف وطأتها أو حدتها وبقيت مستمرة، كما أن عدم الاستماع الى صوت الشعب وهو يخرج كل يوم جمعة ينادي بالإصلاح وبالقضاء على الفساد ، وعدم اتخاذ أي إجراء أو قرار يحقق جزء من هذه المطالبات الشعبية يؤكد عدم تفاعل مجلس النواب مع الشعب، وكما ان تمسك أعضاء مجلس النواب بالرواتب الضخمة والحمايات والمكاسب المالية والمعنوية الكبيرة التي يحققها مركز النيابة لهم ، بالرغم من مرور العراق بأزمة اقتصادية خانقة، وانخفاض سعر البترول الى مستويات لايمكن معها أن تبقى الخزينة العراقية في وضع يؤمن معيشة الناس، مع ما لحقها من فساد ونهب وفشل وتهريب واختلاسات وضياع دون أي مشروع أو قرار أو قانون يساهم في تخفيف هذه الأزمة، يؤكد أيضا غياب دور مجلس النواب العراقي الذي لم يزل يتمترس بالمواقف الطائفية التي ضيعت البلاد والعباد.
أن قضية الوحدة الداخلية تتعلق بالاستعداد لقبول الآخر ، وبتقديم التضحيات من اجل المستقبل، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمحافظة على الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، وبدون ذلك سيبقى دور مجلس النواب شكليا لا أهمية له، مع التأكيد على أن عضو مجلس النواب يمثل الشعب العراقي اذا حصل على مئة ألف صوت مؤهل للتصويت بطريق الاقتراع، وهو مالم يحصل عليه الغالبية من نواب المجلس مما يعدم الدور الحقيقي للتمثيل النيابي في العراق.