في ظل أوضاع لا تسر الصديق تعيش كوردستان تحت ثقل الاختلافات السياسية والوضع الاقتصادي السلبي، وفي ظل عدم نضوج الحلول المشتركة التي تقبلها جميع الأطراف، وتتشارك بها كل الشخصيات، وفي ظل معاناة شرائح شعبية كبيرة نتيجة توقف دفع الرواتب والمخصصات المالية، ويرافق ذلك بطالة وأوضاع اجتماعية واقتصادية وأمراض فتاكة، وفي ظل تردي الخدمات الضرورية، وفي ظل تدفق غير مسبوق لأعداد من اللاجئين والنازحين ليس من مناطق ومحافظات عراقية متجاورة أو بعيدة فقط، بل من مدن وقرى من تركيا وسورية، لتشكل وضعا إنسانيا مريرا وصعبا.
وفي ظل غياب التروي والتأني في المواقف، ونتيجة الشحن الإعلامي وردة الفعل، وبنتيجة وجود الخطر الكامن على حدود مدن كوردستان، وتعرض أهلها إلى خطر داهم نتيجة وجود أعداد غير قليلة من الإرهابيين المدعومين دوليا ومن دول الجوار، ووجود جميع فصائل البيش مركة وقوات الأمن على الجبهات، تصد وتقاتل وتحرر مناطق عديدة ليس من مدن الإقليم إنما تجاوزت حتى الى قرى وقصبات خارج الإقليم، وتقديم هذه الفصائل قوافل من الشهداء والتضحيات الجسام نتيجة المواجهات والهجوم ضد قوافل الشر والإرهاب، بات من الضروري أن يتم تذليل الصعاب ووضع الحلول المستعجلة.
أن الجميع في مركب واحد، والجميع أيضا يتحمل المسؤولية التاريخية، بعد أن كانت الناس تعقد الآمال حول مستقبل الإقليم، وتحلم بحياة أفضل، وبضمان للحريات، وتحقيق للحدود الدنيا من حقوقها المشروعة، وأن تستفيد حتما من خيراتها وايرادتها، وان يشعر الإنسان في كوردستان العراق انه حقا يشكل نواة الحلم الكوردستاني.
الماسي التي تعيشها العوائل الكوردية لا تحسد عليها، ونحن أصدقاء شعب كوردستان لم يزل دورنا في النقد البناء والحث على إيجاد الحلول قائما، ولم يزل معنا كل المخلصين نطالب بإيجاد مخرج لما تعانيه الناس من حزن وقلق وألم دفين لما صار إليه الحال، وصرنا مع غيرنا نحلم بحلول تساهم في تفكيك المعاناة وتخفف من حدة التشنجات بين الأطراف، لم يزل الجميع بحاجة لمواقف حكيمة، لم نزل نريد شخصيات تسير على النهج والطريق الذي رسمه طريق النضال من اجل حقوق شعب كوردستان ، تلك الحلول تضع مصلحة الناس ومستقبلها قبل كل المصالح، وتؤكد بما لا يقبل الشك مصلحة مستقبل الإنسان في هذا الحيز الإنساني الذي شبع من المآسي والحروب والخلافات ولم يشبع من الرفاهية والاستقرار، ولم يزل يحلم بوطن يضمن حقوقه وكرامته قبل أن يضمن معيشته ومستقبله.
تحيط بنا مجموعات الإرهاب القذر بكل معانيه، وتنفذ الى داخل مدننا، وتحاول باسم الدين والقيم البالية أن تخرق الحرية، فتخنق معانيها وتحرف مسارها ونحن مع الضوابط والقانون هو الفيصل، إلا إننا نقول بالصوت العالي ينبغي عدم السماح لمثل هذه الدواعش أن تفرض رغباتها وقوانينها
إننا بحاجة لعقل يقبل الوسطية ويرجح الحكمة، ويشكل قاسما مشتركا، وينأى بنفسه عن الاصطفاف مع جهة مهما كانت، فمهمة الحكيم الحكمة، ومهمة العاقل الإشارة الى حل العقدة، ومهمة المجرب أن يجسد لنا ما يتيسر من الحلول مستفيدا من التجربة، وكل هذه الأمور متوفرة في حال وضع الجميع المصلحة العامة ، فلا يمكن ان تكون هناك مشكلة تستعصي على الحل، هناك دوما الحلول التي تقرب ولا تباعد، وهناك أيضا الإشارات التي توحد ولا تفرق.
كوردستان العراق اليوم على مفترق طرق، فالخلافات مع الحكومة الاتحادية قائمة، والخلافات بين الأحزاب السياسية قائمة، والاختلافات بين الشخصيات السياسية تنحدر نحو شواطيء أخرى، والأزمة الاقتصادية تتضامن مع خطورة الإرهاب وبقاءه على حدود الإقليم، ودماء الشهداء والضحايا صارت كبيرة، كما أن مدن كوردية تهدمت وسرقت أموال أهلها وبيعت محاصيلهم ومواشيهم ، وفوق كل ذلك سبيت بناتهم وبيعن في أسواق الرقيق والنخاسة، ولم تزل الآلاف منهن أسيرات كسيرات تحت رحمة من لا يعرف الرحمة والغيرة والشرف والرجولة، ومئات العوائل تفتقد أولادها العائدين جثامين يلفها العلم الكوردستاني، وآلاف العوائل تفتقد لمبالغ تسدد به إيجار بيوتها وتعينها على قوت يومها، لم يزل البيت الكوردي يتعرض للهدم ويتوسع الخراب، ومع كل هذا لم تزل الخلافات تستعر وتشتد وتتوسع كتلة النار لتذيب كتلة الثلج.
نفتقد كلمة المحبة وخطاب الحكمة والتزام العقل، وكل أملنا أن نجد من القيادات السياسية الحلول التي تطمئن الناس على غدهم ومستقبلهم.