ضمن أحكام الباب الثاني من الدستور أورد نصوصا تؤكد على الحقوق المدنية والسياسية، ونصت المادة (15) منه على أن لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية.
ثم زاد النص التأكيد على لا يجوز لأية سلطة حرمان أي فرد من هذه الحقوق أو تقييدها إلا بناء على قانون، أو بناء على صدور قرار من جهة قضائية مختصة.
هذه النصوص وان كانت قواعد عرفية ومسلمات مفترضة، إلا أن النص عليها يؤكد انسجام الدستور العراقي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فتشير إلى أنها من الحقوق الأساسية الدستورية في التشريع العراقي، باعتبار أن هذه الحقوق تتميز بالسمو والعلو على كافة القوانين الأخرى.
والنص على حق الحياة والأمن والحرية يكشف عن المكانة والمنزلة التي ينظرها المشرع للفرد، وهي من أسمى الحقوق البشرية، ويترتب على الالتزام بها توفير جميع الطرق والوسائل التي تجعل كل أنواع التعسف والظلم تتناقض وتتنافى مع هذه المباديء، وبالتالي توفر حقا دستوريا للفرد ليس فقط في حمايته والتمسك بحقوقه، إنما يتعدى الأمر إلى إمكانية مقاضاة ومحاسبة السلطات، ونلاحظ أن أي خرق او تهميش لأي من هذه الحقوق يعرض الحاكم والسلطة الى الابتعاد عن تطبيقات حقوق الإنسان، ويضعهم في خانة الاتهام، ويعرضهم للمسؤولية، وبالتالي يوفر قاعدة ثورية لإسقاطهم ومحاسبتهم وطنيا ودوليا.
ويأتي النص على حق الإنسان في الحياة ليس لأنه حقا طبيعيا يتمتع به كل إنسان، إنما تصديا لما تهدره بعض الأنظمة والحكام للحياة البشرية تحت شتى الأسباب والمزاعم، سواء كانت عرقية أو دينية أو مذهبية أو فكرية، مما يستوجب احاطة هذا الحق بالحماية والاحترام، لذا لم يجوز الدستور حرمان الفرد من حق الحياة تعسفا، بالنظر لوجود نصوص عقابية تعاقب الجناة بسلب حياتهم بموجب أحكام وقرارات أخذت شكلها القانوني والقضائي التام، ولكون العراق من بين الدول التي تتمسك بتنفيذ عقوبة الإعدام في قانون العقوبات، ومناقشة هذه القضية ليس في هذا الموجز، فأن الحرمان القانوني يصبح جزءا من التقيد بالقانون الوطني، وانسجاما مع الجملة الملحقة بحق الفرد في الحياة وهي (التقييد والحرمان وفقا للقانون).
وفي حالة حرمان الفرد من حق الحياة يتوجب ان يكون هناك تحقيقا ومحاكمة من قبل سلطات قضائية مختصة، وان تصدر أحكامها وقراراتها وفق القانون، وان تأخذ مداها وتدقيقاتها بالشكل الذي رسمته القوانين.
وان تتوفر للفرد جميع ما يضمنه القانون له من حقوق أخرى، ثم يقترن كل هذا بصدور المرسوم الجمهوري للتنفيذ، ومنح الدستور رئيس الجمهورية في المادة (73) صلاحية إصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء، واستثنت المادة ما يتعلق بالحق الشخصي، ولا يشمل أيضا المحكومين نتيجة ارتكابهم جرائم دولية أو جرائم الإرهاب والفساد المالي والإداري، بينما يصدر العفو العام بقانون ويترتب عليه انقضاء الدعوى ومحو حكم الإدانة الذي يكون قد صدر فيها وسقوط جميع العقوبات الأصلية والتبعية والتكميلية الاحترازية ولا يكون له اثر على ما سبق تنفيذه من العقوبات مالم ينص قانون العفو على غير ذلك.
وهكذا يؤكد النص الدستوري على إن حق الفرد في الحياة والأمن والحرية مؤكد لايمكن حرمانه أو تقييده إلا للسبب المذكور في كل الأحوال، ومع كل هذا فان توفر ضمانات إنسانية لتعزيز الكرامة والسلامة والأمان تشكل مكملات للتمتع بهذا الحق، وهذه الضمانات والمكملات تبرز في الحرية الشخصية والخصوصية الشخصية وحرمة المسكن والمساواة أمام القانون، وعدم جواز ممارسة الحجز أو تقييد الحرية دون أمر قضائي، ومنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع، وغيرها من الحقوق.
ومع توفر حق الحياة ينبغي ان يتوفر أيضا الحق في الأمن والحرية، إذ لا قيمة للحياة دون الحرية والأمن، كما ان عدم توفر الحرية والأمن يسلب من الفرد القدرة على الإبداع وممارسة الحياة في أجواء السلام العادل، والتمتع بحياة هانئة وهادئة وطبيعية بعيدا عن الحروب والتعنت والظلم والخشية من الأخر، وبتوفر أجواء الأمن والحرية تتوفر عناصر الحياة الطبيعية والرفاه الاجتماعي، وطريق لتقليل التفاوت الاجتماعي والطبقي والقضاء على الفقر، ونمو علاقات صحية وايجابية بين المكونات سعيا لتحقيق الغاية الأساسية في الحياة المشتركة.
ولان الإنسان هو الحجر الأساس الذي تشتغل عليه الحقوق والحريات في الدستور، فأن كل ما ورد ضمن نصوص الشرعة الدولية، ينعكس التزامه إلى القانون الوطني، ولعل تطوير ذهنية من يعمل أو يشتغل في التطبيق العملي لهذه الحقوق وفقا لما نصت عليه اللوائح الدولية، وما اقره العراق من معاهدات والتزامات، يستوجب على الجهات القضائية والأمنية المختصة، أن تسعى لتبسيط وتحليل مفاهيم حقوق الإنسان، وما نص عليه الدستور العراقي من حقوق وواجبات للفرد، وان تسعى المؤسسة التربوية والتعليمية إلى نشر ثقافة حقوق الأنيسان مقترنة بقيم المحبة والتسامح وترسيخ مفهوم المواطنة بين أبناء الجيل الصاعد كجزء من تقويم الشخصية التي ابتليت بها أجيالنا التي سترحل.