درج الأعلام العربي التابع للسلطات على عدم اعتماد الحقيقة في جميع التصريحات والبيانات التي يتم طرحها للشعب، ويتم اعتماد التبريرات والحجج بديلا عن الحقيقة.
وهذا المنهج ليس وليد اليوم، إنما رافق الكيانات السياسية في كل هذا الوطن المبتلى.
فالثورة المسلحة التي قام بها الشعب الكوردي في العراق مطالبا بحقوقه المشروعة كان جيبا عميلا وانفصاليا، وهزيمة العرب في حرب 1967 كانت نكسة، وهزيمة الجيوش العربية في حرب 1973 كانت انتصارا، وهزيمة العراق في حرب ايران كانت انتصارا يتم الاحتفال به بالرغم من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي نتجت عن آثار تلك الحرب وما خلفته على الشخصية العراقية.
والهزائم التي لحقت بالعراق منذ العام 1991 كلها انتصارات وتدعو الحكومة بكل صلافة للفرح والاحتفال بها.
وبعد سقوط النظام الصدامي في العام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت الهزائم الأخرى تتوالى في السياسة وجميع المرافق الأخرى.
وبدأ التدني في البناء والاستثمار والفشل في إعادة منظومة الكهرباء والماء والصحة والتعليم، إلا إننا وفقا للأعلام العربي نسير من مجد الى مجد، ومن انتصار على الأعداء الى انتصار آخر. وتعرض الشعب العراقي الى أبشع موجة من موجات العنف والقتل والتدمير، والى موجة من التفجيرات والمفخخات آدت الى موت مئات الآلاف من العراقيين، وجرح مئات الآلاف آخرين، وتعرض أعداد كبيرة منهم الى العوق، وبالرغم من كل هذا فإننا منتصرون على الشبكات الإرهابية وصامدون بوجه ألإرهاب.
وثمة من يسال عن أسباب ذلك في الوقت الذي تسيطر سلطات إقليم كوردستان العراق على الأمن، وتطبق بكلتا يديها على المنظومة الأمنية التي تحفظ للناس أرواحهم وممتلكاتهم وكرامتهم.
كما تسيطر المنظومة الأمنية في سوريا بالرغم من تعرضها للإرهاب ولحرب تشنها قوات المعارضة بالمشاركة مع جبهات إرهابية معروفة ضد قوات النظام، فتسيطر فعليا على الوضع الأمني في المدن التي لا يصلها الإرهاب، كما تسيطر القوات الأمنية في الأردن والكويت على عملها، فأين الخلل في العراق.
يأتي قبل كل الأسباب الخرق الواضح في المنظومة الأمنية وعدم توفر المهنية في العمل، وقلة الكفاءة وعدم اعتماد المنهجية والتخطيط العلمي المدروس، وعدم الاستفادة من تجارب البلدان والمناطق المشابهة في المواجهات الأمنية، وغياب القانون وعدم اعتماد المساواة التي أكد عليها الدستور والقوانين النافذة في التعامل مع العراقيين أمام القانون، والتهاون والقبول بجميع مفاصل الفساد الذي تجاوز مرحلة نخر الدولة فبدأ في مرحلة قضم مفاصلها وأطرافها.
كل هذا ينعكس بشكل سلبي على العمل الأمني الخلافات السياسية وعدم الاستقرار السياسي، وغياب الروح الوطنية واعتماد المحاصصة الطائفية كسياسة منهجية للحكومة، ومهما كانت الاتهامات والتبريرات التي تقدمها السلطة.
فأن مواجهة كل تلك التبريرات بمنهج العمل الأمني الوطني المخلص، والتخلي عن المنهج الطائفي وحده ما سيعيد المهنية الى العمل الأمني.
بالإضافة الى وجود الفصائل المسلحة مهما كان التزامها وتسميتها، والتي منع الدستور العراقي في الفقرة (ب) من المادة (9) تكوينها خارج إطار القوات المسلحة.
كما أن الخلل الواضح في بناء الدولة وعدم تجانسه مع سياسة الحكومة والأحزاب الماسكة بزمام السلطة يمتد هذا الخلل الى أجهزة الأمن والدفاع بما فيها المخابرات والاستخبارات والأمن.
كما أن تكريم بعض الشخصيات بمنحها رتب عسكرية وأمنية تحت شعار (الدمج) سيكون له تأثير سلبي كبير على الفشل الناتج عن عدم توفر الكفاءة والمهنية والعلمية في هذا المجال الذي لا يقبل سياسة المنح والترضية التي تفرضها المحاصصة الطائفية، ليشكل اول خطوات التراجع المهني وبداية الخلل في العمل العسكري والأمني.
أن المواجهات الاستباقية للعمليات الإرهابية وخرق التجمعات والتنظيمات إرهابية يشكل جزء مهم من العمل الأمني والاستخباري، والقبض على أعضاء هذه الشبكات قبل البدء بالتنفيذ حفاظا على أرواح الناس وضمانا لأمنهم وحياتهم، لذا فان المنظومات الأمنية بالإضافة الى ضرورة إعادة بنائها مراجعة تقييمها ودراسة مخططاتها وفقا للأطر العلمية والعملية، وإعادة التدريب والتعليم والتسليح بالأجهزة الحديثة والفاعلة المتطورة، وتوحيد خطابها واعتماد المصداقية في البيانات والفعل، واعتماد النظرة القانونية المتساوية بشكل حقيقي في التطبيق بغض النظر عن الدين أو القومية أو الطائفة أو الحزب، وحصر السلاح بيد الدولة، والتدقيق في أوضاع المنتسبين الفضائيين، والحد من تفشي ظاهرة الفساد في قلب المنظومة الأمنية، والضرب بيد من حديد على تلك المفاصل لتخليص المنظومات الأمنية والدفاعية منها، والعمل على إعادة العلاقة الوطيدة والرصينة بين المواطن وبين الأجهزة المنية المختصة وتعزيز الثقة بينهما.
كما أن تقاطع المصالح بين قيادات الأحزاب والكتل السياسية الماسكة لزمام السلطة في العراق ينعكس على دور الأجهزة الأمنية، بالنظر لوجود عناصر من هذه الكتل والأحزاب في هذه الأجهزة، وهو ما يتناقض ويتعارض أصلا مع مباديء وأحكام الدستور العراقي.
أما أن يصرح الناطق الحكومي بأن الأمن مستتب والتفجيرات تهز محلات بغداد الفقيرة، وان الأوضاع الأمنية جيدة ومسيطر على الوضع والإرهاب يضرب مدن العراق البائسة، وأن يصرح بان قواتنا تسيطر على الأوضاع وثلث العراق تحت سلاح وسيطرة ألارهاب فأن الأمن قطعا غير مستتب.