لم يكن في بال إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي تولد 1971 والملقب بابي دعاء انه سيكون شخصا مرموقا وتنتشر صورته في الصحافة والإعلام ويشار إليه بالأخبار ، مقترنا بقيادة مجموعات متطرفة ملتبسة وفاقدة لجزء من العقل والتعقل، يجمعها التطرف والعنف وتفتقر إلى فهم كل معاني الحياة بعد انشقاقه عن تنظيم القاعدة الذي يقوده ايمن الظواهري، مجموعات متباينة المستوى الاجتماعي والثقافي والعلمي ومختلفة في قومياتها ، ومتعددة في جنسياتها غير إنها تجمعت كالذباب بما توفر لها من فرص التجمع وتسهيل التنقل، وهكذا صار بين ليلة وضحاها قائدها الأوحد ، يأمر فيطاع، يقول فيتم تنفيذ أقواله إلى أفعال، يتمكن من الانتقال والعبور من مدينة إلى مدينة، ومن بلد إلى بلد دون هوية أو جواز سفر أو بطاقة، وضعوا تحت أمرته بهائم بشرية مفخخة وجاهزة للانتحار بأي مكان وفي أي وقت .
لم يخدم إبراهيم عواد الخدمة العسكرية في العراق رغم بلوغه سن الرشد لاعفاءه منها بسبب تقارير طبية تفيد إصابته بقصر النظر وبالتالي فهو لا يصلح كجندي مسلح أو غير مسلح، مما وفر له فرصة إكمال تعليمه في كلية الشريعة الإسلامية في جامعة بغداد بعد تخرجه من الإعدادية (الفرع ألأدبي) في العام 1991 من إعدادية سامراء للبنين في الدور الثاني، حيث حصل على شهادة البكالوريوس بالدراسات القرآنية، ثم يتابع تحصيله لشهادة الماجستير بموضوع تلاوات القران الكريم من جامعة صدام للعلوم الإسلامية ، وبعد سقوط نظام صدام تمكن إبراهيم عواد من الحصول على شهادة الدكتوراه، حيث مكنته هذه الشهادة الحصول على وظيفة في دائرة الأوقاف الدينية بصفة إمام وخطيب في جامع الطوبجي احد جوامع بغداد في العام 2003 ، ليستقر ويتزوج ضمن هذه الوظيفة.
كان إبراهيم ميالا ومتعاطفا مع تنظيم القاعدة الإرهابي، ومع انه كان حذرا ويقظا من التورط في الانخراط بالتنظيم، إلا انه كان محرضا أساسيا ومثابرا على الشحن الطائفي ضمن الخطابات التي كان يلقيها قبل صلاة الجماعة التي يقوم بها في الجامع الذي يشرف عليه وظيفيا، باعتباره منظرا للسلفية الجهادية ويعتبر نفسه احد أقطابها. ولأنه كان معجبا بتجربة وشخصية ابن لادن وتنظيم القاعدة، فانه كان ميالا للاعتقاد بجدوى (العمليات الجهادية!! ) التي يقوم بها عناصر التنظيم في العراق وسورية، واعتماد الإرهاب كوسيلة لنشر الرعب والخوف بين الناس، ولهذا ارتبط بالتنظيم ليؤدي دورا معنويا وقياديا، وانضم إلى مجلس شورى المجاهدين، وقد تم اعتقاله من قبل القوات المحتلة للعراق في العام 2005، وتم اقتياده إلى سجن بوكا، إلا انه تم إخلاء سبيله لعدم وجود ما يدلل على خطورته أو عدم تعاونه وربما لتعاونه وتجاوبه لكونه الشخصية التي تم العثور عليها وكان البحث عنها بشكل دقيق.
وجد إبراهيم عواد الأرضية التي تمكنه من الانشقاق على تنظيم القاعدة وخصوصا بعد مقتل بن لادن، فأعلن وفق أسس تم توفيرها له ماديا ومعنويا، كما وفرت له السلطات السورية الإمكانية للحركة بزعم ضرب القوات المحتلة في العراق، ومع تنامي الحركة المسلحة المتطرفة التي تنطلق برعاية المخابرات السورية، فأنها ارتدت على محركيها لتعلن تمردها عليهم، ثم تعلن الحرب على السلطة السورية ، وتعلن أيضا قيام تنظيم (داعش)، بما يعني الدولة الإسلامية في العراق والشام.
ان اختيار العراق والشام لم يكن دون سبب، وليس أيضا اعتباطا، بل لان كلتا السلطتين تعانين من قضايا داخلية واضطرابات طائفية وتدخلات إقليمية جعلت كلا الدولتين تعانين من هزال بنيوي وضعف في الخطاب والحكم، بالإضافة إلى تفشي الفساد والطائفية بشكل لافت للنظر، بالإضافة والاهم ان تضع الدولة التركية المحكومة من قبل الجناح اليميني لحزب الأخوان المسلمين (حزب العدالة والتنمية) كل إمكانياتها المادية والمعنوية لاستقبال المتطرفين والإرهابيين من كل العالم وتأمين إيصالهم إلى سوريا والعراق لنشر أعمالهم الإرهابية، وتتكفل بمعالجتهم والإشراف على تدريباتهم العسكرية، كما وفرت دويلة قطر إمكانياتها الإعلامية والمعنوية والمادية بحكم رعايتها لتنظيم الأخوان المسلمين في المنطقة العربية، ومساندتها للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وتمسكها بمنهج تخريب بعض الأنظمة والمجتمعات بزعم سيادة الفكر المتطرف، ووضعت قناة الجزيرة القطرية في خدمة النفخ والتطبيل الإعلامي لهذا الفكر، وفر للمتطرفين والإرهابيين الفرصة لإعلان قيام مثل هذه الدولة الخرافية. وفتح التنظيم أبوابه للضباط البعثيين والعناصر الفارة من العراق لتلتحق ضمن مقاتليه، وبغض النظر عن تمكن تنظيم داعش من احتلال مدن نينوى والانباروصلاح الدين وبعض القصبات والمدن الأخرى، ودون الخوض في الأسباب والظروف والصفقات التي مكنت التنظيم من السيطرة على هذه المدن ومن ثم الإعلان عن قيام دولة الخلافة الإسلامية، ليتم إعلان أبو بكر البغدادي خليفة لهذه الدولة زاعما انه سيد قرشي ومن أهل بيت رسول الله، ونلاحظ هنا اختفاء اسم إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي، وسطوع الاسم الحركي والكنية التي اعتمدها، لم يعد في العراق من يعرف أهل هذا الشخص ولا المقربين له، وفي زحمة احتلال المدن العراقية ومواجهة القوات المسلحة، كان إبراهيم يوجه بنشر الإرهاب والرعب بين أهل هذه المدن، بواسطة طرق وأساليب بعيدة عن المعقول، كاعتماد طريقة الذبح بالسكين وقطع الرؤوس علنيا، وعملية حرق الأحياء بالنار، أو الدفن للأحياء، أو رمي الإنسان من شاهق، وبتر الأطراف والجلد بالعصي والسياط، وغير ذلك من الأساليب الوحشية، وكان أيضا ينشر الفكر المتطرف الضال وتقوم مجموعاته المسلحة بتطبيقه، ومن الجدير بالملاحظة التركيز على نشر الكنية التي طغت على الاسم الحقيقي ليظل الأخير مختفيا وغامضا، فيبقى إبراهيم عواد بعيدا عن جرائم أبو بكر البغدادي، وهي كنية لاتمت للواقع بصلة، فإبراهيم عواد لم يكن بغداديا وليس له علاقة بابي بكر ، إلا أن ضرورة العمل الإرهابي يستوجب أن يكون لكل عنصر كنية يستخدمها بديلا عن أسمه الحقيقي.
ولبزوغ نجم إبراهيم عواد ضمن التنظيم الإرهابي باعتباره قائدا فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية عام 2011 منح جائزة مالية مقدارها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه تقود إلى القبض عليه أو قتله، ولم يكن إبراهيم عواد يستعمل الهاتف النقال في تنقلاته لئلا يتم رصده، كما اعتمد على عناصر مسلحة للحماية الشخصية، اغلبهم من عناصر الأمن العراقي الخاص التابع للمقبور قصي صدام حسين، وقد تمكن أكثر من مرة ان يتخلص من موت محقق، غير انه لم يكن يظهر في العلن إلا في مرات قليلة جدا، منها حين خطب في جامع النوري بالموصل، ليعلن قيام دولته المزعومة، ويطالب عناصر التنظيم بمبايعته، وتم بث خطابه وصورته حينها. وبعد تمكن القوات المسلحة العراقية من اقتحام المدن التي فرض الإرهاب عليها سلطته واحتلها بالقوة، واستعادة تلك المدن، والانتصار على تلك المجموعات التي تجمعت من شتى البلدان يجمعها الاعتقاد والوهم بإمكانية إحياء خلافة إسلامية، وان يتم اختيار شخص مناسب لهذه الخلافة صار الأمر أن يكون إبراهيم عواد خليفة لعناصر هذه الدولة، وتم فرض إحكام وسلطة هذه الخلافة على الناس وتطبيق مشروعها الديني والمذهبي والعقائدي المتطرف.
ونعود للحديث عن الخديعة التي تكاد ان تنطلي على الجميع، وهي نسيان الاسم الحقيقي للخليفة المزعوم، كما ان ديمومة وبقاء وإمكانيات هذه المجموعات المسلحة كانت لايمكن ان تقوم لولا وجود دعم دولي، ولايمكن أن يتقوم عمل تلك التنظيمات بدعم إرهابي داخلي فقط، مالم يقترن برعاية دولية سرية أو مكشوفة، علنية أو مستترة، فالتنظيم قام باستيراد الأسلحة، وباع النفط الخام، وتبادل الأموال، والتنظيم وجد له منفذا أكثر من مرة ، كما لم تعد لعبة الطائفية التي يمتطيها تنطلي على الجميع، وضمن المجموعات التي تقاتل تم قتل أعداد ووقع آخرين في الأسر، لكننا لم نتعرف على جنسياتهم ولاهوياتهم، وبقيت حتى أسماؤهم وهمية منتحلة غير حقيقية، ومنذ بدء المعارك لم نتعرف على مصير من يقع منهم بالأسر ولم نتعرف على شكله أو هويته، ولم نتعرف على أهله ومدينته، ووصل الأمر ان يشاع بان المدعو أبو بكر البغدادي قتل، أين وكيف ومتى؟؟ لا احد يعلم، وإذا كان البغدادي حقا قتل وهو أمر مشكوك فيه فأين اختفى إبراهيم عواد!! وأين اختفى التيار السلفي ألجهادي؟ وأين اختفت مئات الملايين من الدولارات الأمريكية التي حصل عليها التنظيم؟ وهي بلا شك لايمكن حملها أو التنقل بها مالم تكن محفوظة في أرصدة وبنوك!! من قام بالصفقات التجارية مع التنظيم؟ ومن هي الجهات التي مولت ودعمت وشاركت في جهد هذه الدولة الخديعة؟
ومن حقنا أن نسأل عن مصير الأسرى من الذين كانوا يواجهون كل هذه الترسانة التي شاركت بها القوات العراقية المسلحة وقوات البيش مركة الكوردية وقوات الحشد الشعبي والعشائر ، بمساندة واضحة من إيران والتحالف الدولي ؟ وأين انتهت الأسلحة والأجهزة التي كان يستحوذ عليها التنظيم؟
وعلينا أن نفضح العلاقة بين بروز ظاهرة الإرهاب والحركات الجهادية وبين ابتعاد مؤسسات الدولة عن مجتمعها المدني وتعميق الشعور الطائفي، ثم في اعتبار الفساد قيمة تدخل ضمن الأعراف المتداولة لتعلن السلطة محاربتها له إعلاميا، وعدم قدرة القضاء العراقي على أن يقول كلمته وحكمه في ظل ظروف القمع الاجتماعي وسيادة حكم العشائر والمجموعات المسلحة التي لا تهين السلطة ولا تحط من الدولة بقدر ما تستهين بالشعب.
آلاف القتلى من المدنيين جراء العمليات الإرهابية، بالإضافة إلى التخريب المتعمد للبنى التحتية وأسس الحياة التي يتطلبها المواطن العراقي، عمليات الإعدام والاغتيال وسلب الحرية وانتهاك آدمية الناس واستباحة المجتمعات غير المسلمة أو المختلفة مع عقيدة الإرهابيين، تعطيل مناحي الحياة وإيقاف مسيرة التطور والتقدم، بيع البشر واستباحة النساء، تلك الجرائم ارتكبت من عراقيين وأجانب تحت قيادة إبراهيم عواد، وهو عراقي أيضا، كان لابد من معرفة أسس التربية والرعاية التي شكلت شخصية هذا الكائن، وأدراج اسمه ضمن اخطر المطلوبين عالميا، وبالرغم من انه كان يتنقل بسهولة بين العراق وسورية وربما دول مجاورة أخرى، كانت تنقلاته لا تحظى بعلم واستخبار الجيوش المتطورة، وهذه مسألة مشكوك فيها، وكان لابد ان تتكشف طريقة تكوين إبراهيم عواد ليصبح قائدا ثم واليا ثم خليفة لدولة خرافية ولدت وهي تحمل موتها ولايمكن أن تقوم أو تستمر بأي حال من الأحوال، بعد ان نمسح الدماء من جباهنا علينا ان نتعرف على مصير من يتخفى وراء اسم أبي بكر البغدادي، حيث لم تصلنا من أخباره سوى انه قتل في غارة ليلية استنادا إلى بيان مقتضب صادر عن التنظيم المحاصر في قصبة تلعفر (وهي قضاء تابع لمحافظة نينوى وتبعد عن مدينة الموصل 70 كيلو متر)، وهو الذي عرف بممارسة الخديعة والأساليب الإعلامية المفبركة.