إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري لم يكن سوى خراعة الخضرة التي توهم الطيور بأنها رجل لتحمي المزروعات، لم يكن يملك أدنى مستويات القائد، ولا يتحلى بسمات تجعل الأتباع يتيقنون بأنه قائدهم ومخلصهم،
كان إبراهيم على قدر حاله من المعرفة والثقافة الدينية والاجتماعية والاقتصادية، كما كان لا يملك الثروة والإمكانيات المادية التي يمكن أن توفر له إمكانية تأسيس مثل هذا الجيش والتنظيم الذي ضم الأتباع من مختلف الجنسيات، ولهذا لفت نظر المسؤولين في سجن بوكا حين كان لا يلفت نظر زملاءه من المحتجزين والسجناء، حين كان معتقلا لمدة عشرة اشهر في الأيام الأولى من شهر ديسمبر 2004 بتهمة التحريض على العنف والإرهاب في العراق، بعد أن قررت لجنة المراجعة والتسريح للقوات الأمريكية التي تحتل العراق إطلاق سراحه غير المشروط.
بعد اقل من شهرين سيبلغ ابراهيم عواد الملقب بابي بكر البغدادي السابعة والأربعين من العمر، كما ان صوره سواء في المعاملات الرسمية او الأمنية متوفرة للمتابع والباحث، وحين زج به ليكون الرجل الاول لتنظيم إرهابي عالمي لم يتوانى من الظهور علنا ليلقي خطبته الشهيرة في الجامع النوري بالموصل التي احتلها التنظيم دون عناء كبير، والخطابات هي المهنة التي لا يجيد غيرها بحياته، خارقا بذلك صفحة السرية التي أحاط بها نفسه وتنظيمه، وهو حين اتخذ اسم أبو بكر البغدادي احتاط لإخفاء اسمه وعائلته عن الأعلام والجهات الأمنية، وحاله حال المقبور الزرقاوي أبو مصعب (احمد فاضل نزال الخلايله قتل في 7 تموز 2006 )، والذي لم يتم التعرف على هويته إلا عندما تم قتله في المخبأ الذي كان يتحصن به، وخط التستر والغموض لم يكن متبعا في تنظيم القاعدة الذي تعكز ابراهيم عواد البدري عليه في خطاباته وتحريضه ضمن الخطب التي يلقيها في الجامع خلال عمله الذي يعتاش وعياله منه، كما كان يطلق عليه بعض المقربين منه من أعضاء التنظيم لقب (أبي دعاء)، لأن القاعدة اعتمدت الأعلام كوسيلة من وسائل عملها الإرهابي. غير ان اسمه ولقبه طرح خلال نشر تشكيل التنظيم الذي أعلن انشقاقه عن تنظيم القاعدة ألام، وعن التنظيمات التي تناسلت منها في سوريا والعراق، ودون أن نخوض في البحث عن مصادر التمويل والسلاح، ودون أن نتطرق تفصيليا إلى إمكانيات التنقل بالسيارات وتوفير مستلزمات الحياة اليومية والمعيشية لأعضاء التنظيم، وهم يتوافدون عبر تركيا التي وفرت لهم ليس فقط الملاذات والمضافات والعلاج، إنما اهتمت بتدريبهم وتأهيلهم ليكونوا مقاتلين متدربين على أنواع مختلفة من القتال، وقد خصصت لهم مدينة غازي عينتاب لهذا الغرض، بالإضافة إلى تسهيل أمور قدومهم من بلدانهم ودخولهم إليها، وتسهيل أمور تنقلهم بين حدودها والأراضي السورية والعراقية دون جوازات سفر أو حتى يمكن دون أوراق ثبوتية، فقد أخفيت جنسياتهم واسماؤهم الحقيقية، وبات كل عضو منهم يحمل لقبا ورتبة ومنصب في تنظيم تطور بشكل سريع ليعلن قيام دولة الخلافة التي كانت قد انتهت.
وبالرغم من التنقل المستمر للمدعو ابراهيم عواد البدري بين المناطق التي احتلها التنظيم في العراق وسورية، وبالرغم من طوابير السيارات التي ترافق (الخليفة!!) ، والتي لم تخضع لرصد جميع أجهزة المخابرات العاملة في المنطقة، فقد كان يتفقد التنظيم ويطمئن على التواجد الأجنبي والعربي، ومن ثم ليجعل ثقته بقياداته من العراقيين، وهم جلهم من ضباط الحرس الجمهوري والأجهزة الأمنية في العراق.
وبالرغم من أن إبراهيم عواد البدري (أبو بكر البغدادي) لم تكن له معلومات عسكرية، إلا أن تنظيمه استقطب العديد من العسكريين والفنيين والخبراء الذين دعموا قوة التنظيم وحاولوا تطوير أساليبه القتالية، وبالنظر للتسهيلات التي لقيها التنظيم من دول عديدة في المنطقة فقد أصبح أكثر جذبا للعناصر الجهادية التي كانت لها الرغبة في فرض الخلافة والدين وفق الأسس والمفاهيم المتشددة التي يعتقدها ويعتمدها التنظيم.
بقي ابراهيم عواد محتميا بالسرية التي كان يحيط بها تنقلاته وإقامته حتى على أعضاء التنظيم أنفسهم، وبالنظر لتحرير مدن عراقية عديدة من قبضة التنظيم الإرهابي، ومع فرض الولايات المتحدة الأمريكية في تشرين الأول عام 2011 مكافأة نقدية تبلغ عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يقبض عليه او يدلي بمعلومات تقود إلى القبض عليه او قتله، إلا انه ومع انحسار المناطق التي يحتلها التنظيم في العراق وسورية، ما دفع إلى تقييد حركته والالتزام بالتشديد على سرية إقامته، وخصوصا بعد أن أنفضح وانكشف دور تركيا وقطر وهما من أهم الدول التي رعت التنظيم الإرهابي ماديا ومعنويا تحت علم الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن قادت الولايات المتحدة التحالف الدولي لمعاونة العراق للقضاء على التنظيم بعد انتهاء الدور والصفحة التي رسمت له، وزعم قبل اشهر انه أرسل رسالة صوتية يطلب فيها من أتباعه الصمود والقتال.
وبنهاية صفحة داعش في العراق بعد تحرير مناطق القائم وراوة بعد الحملة العسكرية التي يشنها الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وقوات الحشد الشعبي والعشائري، لم يتبق للتنظيم سوى مناطق قليلة في دير الزور السورية بعد تحرير كامل منطقة الرقة، وبالنظر لفقدان التنظيم لأرضية قيام الخلافة المزعومة وما تسمى بأرض التمكين، فلم تكن هناك قاعدة شرعية أو قانونية لوجود مثل هذا الزعم.
وإبراهيم البدري مختفيا لم يظهر للعلن منذ فترة ليست بالقليلة، مما يجعل جميع الاحتمالات قائمة، فربما أجرى عملية تغيير في شكله ووجهه ليتمكن من التنقل بحرية وسهولة دون أن يتم التعرف عليه، إلا أن حصول الأجهزة التي تلاحقه على نماذج من الحامض النووي لإبراهيم البدري يقطع الشك بان الملاحقة جادة ويمكن أن تؤدي إلى القبض على هذا الرجل الذي وضع نفسه في موضع الخليفة ليساهم بارتكاب اكبر الماسي والمجازر في التاريخ العراقي والإنساني، ويقينا أن البدري يتواجد في منطقة توفر له الأمان وتبعد عنه شكوك الأجهزة التي تلاحقه، والأراضي الصحراوية التي تحادد العراق وسوريا مكان مثالي لاختباء إبراهيم البدري، غير أن مثل هذه الأماكن لا تغيب عن عيون المجسات الجوية والأستخبارية، وحين يأتي قرار انتفاء الحاجة له ولخدماته، سيتم القبض عليه او قتله وإظهاره للعلن، وبعكس ذلك سيتم إهماله والسعي لإضعاف الذاكرة عنه بعد نشوة النصر والخراب ونهاية التنظيم في العراق وسوريا.
وكانت روسيا قد أعلنت أن أبو بكر البغدادي قد قتل في غارة جوية لطائراتها في سورية خلال اجتماع للتنظيم في مدينة الرقة في أيار من هذا العام ولم تقدم دليلا أكيدا على ذلك، ولم يثبت صحة الخبر، بالرغم من أن مثل هذا السيناريو مقبول ويمكن اعتماده مستقبلا تسهيلا لحقيقة تناسيه وتضييع أخباره، كما يمكن أن يلجأ بقايا التنظيم إلى إصدار بيانا يزعم أن خليفتهم قتل في غارة جوية لغرض ذر الرماد في العيون، وهو ما حصل بعد خسارة الموصل التي حررتها القوات العراقية حيث أعلن التنظيم انه سيلجأ إلى إعلان اسم خليفته الجديد ودعا المقاتلين إلى مواصلة الصمود والقتال والثبات في أماكنهم.
ولم يكن عواد البدري لوحده من بقي على قيد الحياة من قيادات التنظيم الإرهابي من قيادات الصف الأول، فقد بقي منهم 11 قياديا من أصل 33 ، تم قتل 22 منهم بينهم مساعدا أبو مصعب ألزرقاوي كل من أبو علي العفري (عراقي من تلعفر) والثاني أبو عمر الشيشاني، كذلك قتل كل من أبو بدر الحربي (سعودي) و المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني (سوري).