يفترض بكل تعديل لقانون نافذ ويعمل بموجبه ان يكون مكملا للفائدة أو سدا لنقص يعتري النص الأصلي ويعيقه في التطبيق، كما أن التعديل توجبه الحاجة الماسة والملحة والضرورية التي يلمسها من يطبق هذا القانون، ويجدها المشرع واجبة التشريع وفق تعديل للفقرة او المادة القانونية، ومن اولويات التشريع أن تكون الأحكام جامعة بشكلها العام، وان تجعل الأحكام والأحوال الشخصية للمواطن مستقرة وسلسة ومضمونة، كما إنها ينبغي أن تكون وفقا للأحكام الفقهية الشرعية المتفق عليها وبما لا يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام بعيدا عن الاختلاف وتأكيدا لمبدأ الاستقرار القضائي.
ونتفق من أن الأحكام الواردة في متن قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل أضحت بحاجة الى إعادة دراسة وتعديلات أوجبها الزمن وتغير الظروف ، (ولاينكر تغير الأحكام بتغير ألازمان).
الا أن التعديلات التي اقرها مجلس النواب العراقي على قانون الأحوال الشخصية ، لا تدخل ضمن التعديلات التي تزيد القانون متانة وتخدم الناس، إنما هي عرضة للنقد بالنظر لما تحدثه من اختلاف في التطبيق، وتسهم في اتساع الاختلافات بين المذاهب تحت غطاء الحرية الشخصية، مما يستوجب إلغائها وإعادة دراستها من قبل الباحثين القانونيين والاجتماعيين والقضاة المختصين، ولغرض تدقيق النصوص بعقلية قانونية محايدة وثاقبة تدرك ظروف المجتمع العراقي، وتتعمق في فهم معاني النصوص الدستورية، ولغرض مناقشة التعديلات التي أصدرها المجلس على القانون نورد مايلي:
1- إن التعكز على نص المادة ( 41 ) من الدستور بان يصار الى إدخال المحاكم والقضاء العراقي في قضية التزام المواطن بمذهب شرعي معين يلزم المحكمة بتطبيق أحكام مذهبه على الأحكام الشرعية الخاصة بالأحوال الشخصية أمرا مطلقا وغير محدد، والمذاهب كما نعلم هي:
1.الجعفرية (الأمامية) الإسماعيلية
2.الزيدية
3.الظاهرية
4. الحنفية
5. المالكية
6.الحنبلية
7.الأباضية
والاختلاف في الأحكام الشرعية بين هذه المذاهب واسع ومتشعب ومتفرع، والقضاة والمحاكم العراقية ليس من اختصاصها معرفة تفاصيل الاختلافات بين المذاهب المتعددة، والاختلافات واسعة وعديدة، والمواطن وفقا للنص الدستوري حر في الالتزام شرعيا ودينيا بالمذهب الذي يعتقده ويؤمن به، وعلى سبيل المثال لا الحصر قضية الوصية الواجبة التي نصت عليها المادة ( 74 من قانون الأحوال الشخصية ) والتي اعتبرت الولد الميت قبل وفاة أبيه أو أمه بحكم الحي وينتقل استحقاقه من الإرث الى أولاده ذكورا أو إناثا حسب الأحكام الشرعية باعتباره وصية واجبه، غير أن بعض المذاهب من يعتبر الوصية الواجبة منسوخة بسورة النساء وفقدت سندها الشرعي، باعتبار أن آية المواريث الناطقة بمراتب الاستحقاق وتفاصيل مقادير الحقوق القاطعة بامتناع الزيادة والنقص بقوله تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} ناسخة لها رافعة لحكمها مما لا يشتبه على أحد.
وان الدستور نص على أن العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او اختياراتهم وفق القانون ، وهذا الالتزام يتعلق بضمير وذات الشخص بشكل خاص ولا يتعدى على الغير ، كما لا يتعدى على القانون باعتبار أن القاسم المشترك بين الناس هي القوانين التي تنظم حياتهم المدنية والشخصية والجزائية
ولأن قانون الأحوال الشخصية العراقي حاسم لكل ألاختلافات فأن سريان النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناول هذه النصوص في لفظها أو فحواها، فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيتم الحكم بمقتضى ملائمة الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص القانون، وفي سبيل تسهيل تطبيق الأحكام يصار الى الاسترشاد بالأحكام التي اقرها القضاء واستقر عليها الفقه الإسلامي في العراق خصوصا وبقية البلدان الإسلامية الأخرى عموما والتي تتقارب قوانينها مع العراق، ونرى إن حصر الإفتاء بجهتين تمثلان مذهبا معينا أو فقه محدد لن يخدم المواطن ولا يفيد الحال، لأن النص مطلق جعل الأمر بين الشيعة والسنة وكلاهما مذاهب متعددة وكل مذهب لا يعتمد مرجعية الطرف الأخر.
2- نص التعديل على ان عقود الزواج السابقة على نفاذ هذا القانون، قد تم إبرامها وفقاً للمذهب الشيعي إذا تضمنت حجة الزواج عبارة (عند المطالبة والميسرة) بشأن استحقاق المهر المؤجل، ما لم يثبت العكس. ولكن النص لم يلتفت الى حالات الزواج بين الأفراد مختلفي المذاهب الإسلامية، وماهو حكم زواج الكتابية من المسلم؟
3- ولغرض فسح المجال لرجال امتهنوا أجراء عقود الزواج خارج الضوابط القانونية مصدرا لمعيشتهم والتي كان قانون الأحوال الشخصية في الفقرة ( 5 ) من المادة ( 10 ) يعاقب عليها بالحبس أو بالغرامة، فان نص التعديل ركز على إلغاء هذه العقوبة وأحل محلها مايلي:
((يجوز إبرام عقد الزواج لأتباع المذهبين (الشيعي والسني) كل وفقاً لمذهبه، من قبل من يجيز فقهاء ذلك المذهب إبرامه للعقد بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه وانتفاء الموانع في الزوجين، على أن يجري تصديق العقد لدى محكمة الأحوال الشخصية خلال فترة لا تزيد على (60) ستين يوماً من تاريخ إبرامه. )) ونلاحظ هنا ان صلاحية إبرام عقود الزواج أصبحت من اختصاص وصلاحية ( من يجيز فقهاء المذهب إبرامه ) من رجال الدين، وليس المحاكم والقضاء العراقي، كما الغى النص المعدل عن عمد الجملة الأخيرة من نص الفقرة (5 ) من هذه المادة والتي تشدد العقوبة على كل رجل عقد زواجا لأخر خارج المحكمة مع قيام الزوجية، والإلغاء يعني الإباحة مالم يرد المنع.
كما ان التعديل نص على أن يجري تصديق العقد لدى محكمة الأحوال الشخصية خلال فترة لا تزيد على (60) ستين يوماً من تاريخ إبرامه، لكنه لم يفرض عقوبة على من خالف هذا النص، في حال عدم تصديق العقود الخارجية، وهذا الحال سيربك قضايا الأحوال الشخصية ومعاملات الأحوال المدنية، كما انه سيمهد الطريق لإلغاء فاعلية نص الفقرة ( 4 ) من المادة الثالثة من القانون والتي منعت الزواج بأكثر من واحدة الا بأذن القاضي التي أوجبت لإعطاء الأذن بالزواج من ثانية تحقق شرطين أساسيين متروك تقديرهما للمحكمة.
4- أضاف التعديل فقرة جديدة ضمن فقرات المادة السادسة من القانون وهي أنه يجوز للزوجة أن تشترط على الزوج في عقد الزواج أن تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها متى أخل بحقوقها الزوجية من النفقة وحسن المعاشرة.
وهذا النص عام يتم تطبيقه على جميع المسلمين من العراقيين، غير ان المشرع فاته ان هناك اختلاف بين المذاهب وهو ما ورط نفسه به ، فقسم منها ما اعتبر إن التوكيل وهو أن يقيم الزوج غيره مقام نفسه في تطليق امرأته سواء كانت المرآة نفسها أو غيرها، إلا أن المرآة لا يمكن أن تكون وكيله لأن الوكيل يعمل عملا للغير وهم الحنفية ، والمالكية على قالوا:
أن تفويض الطلاق ثلاثة أنواع :
توكيل وتخيير وتمليك
والفرق بين الأمور الثلاثة أن التوكيل هو جعل إنشاء الطرق للزوجة أو لغيرها مع بقاء حقه في المنع من الطلاق ومعنى ذلك أن التوكيل لا يسلب حق الموكل في عزل الوكيل أو رجوعه عن توكيله قبل تمام الأمر الذي وكله فيه فلو وكلها في تطليق نفسها ففعلت وقع الطلاق وليس له حق الرجوع حينئذ لأنها أتمت الفعل الذي وكلها فيه إنما له الرجوع والعزل قبل أن تطلق نفسها، وأن التوكيل ليس فيه جعل إنشاء الطلاق حقا للوكيل وإنما فيه جعل إنشاء الطلاق للوكيل نيابة عن الموكل فللموكل عزله عن هذا متى شاء.
5- ولغرض التخفيف عن مرتكبي جرائم النهوة ومنع الزواج بين الأقارب والإكراه في الزواج ما قرره النص من عقوبة في المادة التاسعة التي نصت على مايلي:
(( لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون رضاه، ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلاً ما لم يلحقه الرضا، كما لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار منع من كان أهلاً للزواج بموجب أحكام هذا القانون من الزواج)).
ونلاحظ أن المقترح أبدل العقوبة بالحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات وبالغرامة أو بإحدى العقوبتين بعبارة ( لا يحق ) دون أية عقوبة يفرضها القانون وهي عبارة اعتبارية لاتقيد الحرية ولا تحدد العقوبة.
6- عدل النص الفقرة الثالثة من المادة ( 26 ) من القانون بان جعل الوجوب الإلزامي الذي نصت عليه الفقرة بعبارة ( على الزوج ) بعبارة ( يحق للزوج ) وهي عبارة مطاطية لا توجب إنما تضع حقا اعتباريا غير ملزم بإسكان الأبوين وهو مقترح غير موفق ويتناقض مع ابسط المفاهيم الشرعية وبعيد عن العدالة التي يوجبها القانون.
7- وأخيرا أورد المقترح نصا غريبا يضاف الى أخر مواد قانون الأحوال الشخصية بعد المادة ( 93 ) التي أوجبت تنفيذ القانون بعد نشره بالجريدة الرسمية، وبعد نص المادة ( 94 ) التي ختمت القانون بتاريخ كتابته، غير أن المقترح وهو التالي:
لا يحكم بمخالفة أي من مواد هذا القانون أو بنوده أو فقراته لثوابت أحكام الإسلام إلا إذا صوّت على مخالفته أغلبية خبراء الفقه الإسلامي من أعضاء المحكمة الاتحادية العليا، فقد اعتقد المشرع انه ربما هناك مواد او بنود في القانون تخالف الثوابت من أحكام الإسلام، فقد منح (الخبراء في الفقه الإسلامي) العاملين ضمن المحكمة الاتحادية العليا حق التعديل، والخبراء كما يعرفهم قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل تتناول خبرته الأمور الفنية والعلمية وغيرها من الأمور اللازمة للفصل في الدعوى دون المسائل القانونية، وأن رأي الخبير لا يقيد المحكمة ولها أن لا تتخذ من رأيه كلا أو بعضا في إصدار حكمها، والمحكمة الاتحادية العليا المتكونة من عدد من القضاة تعد أعلى هيئة قضائية متخصصة في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وأن سلبها هذا الاختصاص ومنحه للخبراء أمرا غريبا وشائكا القصد منه إضعاف القضاء والالتفاف على الدستور.
فهل من المعقول أن يكون الخبراء أكثر حرصا وقدرة على تعديل النصوص القانونية من قضاة المحكمة الاتحادية العليا والذي جعل الدستور ضمن المادة ( 4) قراراتهم باتة وملزمة لكافة السلطات؟
أن هذه التعديلات على قانون حاولت جهات عدة أن تعمد على تغيير في نصوصه التي تفيد الحال وتخدم الناس في هذه الظروف التي يمر بها بلدنا ، وقد اجمع أكثر القانونيين والمشتغلين في الحقل القضائي أن قانون الأحوال الشخصية النافذ جامعا لكل المسلمين من جميع مذاهبهم لما يتضمنه من ايجابيات أخذها من كل المذاهب، وبالتالي صار جامعا لكل المسلمين موحدا لكلمتهم.