نص قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل على مبحث الإنابة القضائية وتسليم المجرمين في المواد من 352-368.
وحددت النصوص أن الإجراءات المتبعة في الإنابة القضائية وتسليم الأشخاص سواء كانوا من المتهمين الذين لم تزل قضاياهم قيد التحقيق أو المحكوم عليهم من الذين صدرت بحقهم أحكام من المحاكم العراقية إلى الدول الأجنبية يجب أن تراعى الأحكام والنصوص المذكورة في قضايا تسليمهم، والإنابة القضائية فيما يخصهم، مع مراعاة أحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي العام، إضافة إلى مبدأ المعاملة بالمثل الذي يجب مراعاته والعمل بموجبه مع تلك الدول. وفصلت تلك المواد القانونية بين مبحث الإنابة القضائية وبين مبحث تسليم المجرمين، وشمل المبحث الأخير المتهمين بارتكاب جريمة وقعت داخل ارض العراق أو خارجه، وكانت القوانين العراقية تعاقب على ارتكابها بالسجن مدة لاتقل عن سنتين أو أية عقوبة أشد، أو أن تكون الجريمة معاقبا عليها أيضا وفقا لقانون الدولة الأجنبية طالبة التسليم، كما يشمل أيضا المحكومين بأحكام صادرة من المحاكم العراقية مدة لاتقل عن ستة أشهر أو أية عقوبة اشد، كما يشمل التسليم أيضا إذا كان الحكم قد صدر من محكمة أجنبية بنفس العقوبة. واشترطت النصوص لصحة التسليم أن لاتكون الجريمة المطلوب التسليم من اجلها جريمة سياسية أو عسكرية وفقا للقوانين العراقية. والجريمة السياسية هي الجريمة التي ترتكب بباعث سياسي أو تقع على الحقوق السياسية العامة أو الفردية وفيما عدا ذلك تعتبر الجريمة عادية، ولم يعتبر القانون العراقي الجرائم التالية جرائما سياسية حددتها الفقرة (آ) من المادة 20 من قانون العقوبات منها:
- 1.الجرائم التي ترتكب بباعث أناني دنيء
- 2.الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي.
- 3. جرائم القتل العمد والشروع فيه.
- 4.جريمة الاعتداء على رئيس الدولة.
- 5.الجرائم الإرهابية.
- 6.الجرائم المخلة بالشرف كالسرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الأمانة والاحتيال والرشوة وهتك العرض.
ومن الطبيعي أن يتم اعتبار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية من الجرائم التي لا تدخل في باب الجرائم السياسية لخطورتها الاجتماعية وأثرها الإجرامي على المجتمع البشري كما سنتطرق لاحقاً.
ولم يجوز القانون العراقي تسليم الأجنبي في حالة ما إذا كانت الجريمة المطلوب التسليم من اجلها جريمة سياسية أو عسكرية وفقا للقوانين العراقية، كما لم يجوز القانون التسليم إذا كانت الجريمة تجوز المحاكمة عنها أمام المحاكم العراقية بالرغم من وقوعها بالخارج.
كما لم يجوز القانون أيضا تسليم الشخص إذا كان رهن التحقيق أو قيد المحاكمة داخل العراق عن نفس الجريمة، أو انه كان قد صدر فيها حكم ببراءته أو إدانته أو قرار بالإفراج عنه من محكمة عراقية أو من قاضي التحقيق أو أن الدعوى الجزائية قد انقضت وفقا لأحكام القانون العراقي أو لقانون الدولة طالبة التسليم.
وفي حال كون الشخص المطلوب تسليمه رهن التحقيق أو المحاكمة أمام المحاكم العراقية، وعن جريمة غير الجريمة المطلوب تسليمه عنها، حينها يتم تأجيل النظر في عملية تسليمه حتى يصدر قرار بالإفراج أو البراءة أو الإدانة ويتم تنفيذ العقوبة في القضية المنظورة أمام المحاكم العراقية.
إن أهمية تسليم المجرمين تأتي من باب الملاحقة القانونية والقضائية استكمالا للقضية التحقيقية المعروضة أمام القضاء، والتوصل الى توفر الأدلة ضد المتهم من عدمها، ليصار الى إصدار قرار بالإحالة أو بالإفراج من سلطة التحقيق وحسم القضية. وتسليم المتهمين أو المجرمين الموجودين في دولة أخرى خارج العراق، بناء على طلب من السلطة العراقية مقترنا بأوامر قضائية تفيد وتشمل ارتكاب المتهمين جرائم في العراق أو خارجه ضد العراق، مما يستوجب التحقيق معهم وإخضاعهم للإجراءات القانونية، وصولا إلى القرار الفاصل في التحقيق والمحاكمة، أو بصدور حكم قضائي عراقي من محكمة عراقية يستوجب التنفيذ. وتتقيد الدول بشكل عام بعدم التسليم في قضايا الجرائم السياسية، وهو مبدأ واضح وجرى الاتفاق عليه، غير أن القانون الدولي والعراقي وما درجت عليه القوانين للعديد من الدول، أن يتم استثناء الجرائم الإرهابية من مفهوم الجريمة السياسية، كما أن هناك بعضاً من الإجماع الدولي على استثناء بعض الجرائم من مفهوم الجرائم السياسية، حيث أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أجمعت بقرارها المرقم 3074 في 3 كانون الأول/1973 على عدم شمول مجرم الحرب والمتهم بالجرائم ضد الإنسانية أيا كان المكان التي ارتكبت الجريمة فيه موضوع تحقيق، ويكون الأشخاص المذكورون محل تعقب وتوقيف ومحاكمة، وتتم معاقبتهم عند توفر الأدلة في تلك المحاكمة، كما أشارت الفقرة 7 من القرار المذكور من انه لايجوز لجميع الدول منح ملجأ لأي شخص توجد دواع جدية للظن بارتكابه جريمة ضد السلم أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، وإزاء ذلك لا يمكن اعتبار تلك الجرائم سياسية بأي شكل كان.
القوانين الدولية أكدت على التعاون من اجل القبض على المتهمين بهذه الأفعال الخطيرة وتسليم مرتكبيها الى الدول الطالبة لمحاكمتهم وفقاً للقانون، استنادا لما لقيه المجتمع البشري من جرائم وتصفيات وحملات إبادة بشرية تستر مرتكبوها خلف حصاناتهم الدستورية وسلطاتهم. وفيما يخص الوضع العراقي بعد سقوط سلطة الدكتاتورية، فقد ألزمت الأمم المتحدة الدول الأعضاء بمقتضى نص الفقرة 16 من القرار الصادر من مجلس الأمن برقم 1546 لسنة 2003، ألزمت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تمنع عبور الإرهابيين الى العراق ومنه، وتمنع تزويدهم بالأسلحة وتوفير التمويل لهم، وكل ما من شأنه دعم الإرهابيين. وأن تأخذ جميع الدول بالاعتبار وجود ضرورة خاصة لاتخاذ تلك الإجراءات على الصعيد الدولي، بغية تأمين ملاحقة ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والجرائم الإرهابية، وتتعاون الدول بغية وقف تلك الجرائم التي تستهدف الإنسانية والحيلولة دون وقوعها، كما تتعاون من أجل تقديم هؤلاء الى المحاكمة وفقا لما اتفقت عليه المنظومة الدولية بصدد التصدي لنشاط المجموعات الإرهابية، والمتهمين بقضايا جرائم الحروب والجرائم ضد الإنسانية والسلام.
وصدر قرار من مجلس الأمن الدولي المرقم 1483 في 22 أيار 2003 ناشد فيه جميع الدول الأعضاء عدم منح ملاذ آمن لأعضاء النظام العراقي السابق الذين يزعم أنهم يتحملون المسؤولية عن ارتكاب الجرائم المرتكبة أن صح وقوعها، حيث يؤكد القرار على عدم توفير فرصة لإفلات هؤلاء من قبضة العدالة، فانه يؤكد بنفس الوقت على توفير محاكمات عادلة وتوفير الضمانات القانونية للمتهمين وتحقيق العدالة في إجراءات التحقيق والمحاكمة، وهذه الإجراءات تتعرض لجرائم القتل والمساهمة والتحريض والتمويل وباتفاقات جنائية من قبل الفاعلين لقتل أكبر عدد ممكن من المواطنين العراقيين، إضافة الى الفظائع المنسوبة إليهم، ولذا يتطلب الأمر دعم الإجراءات الرامية لتقديمهم للعدالة وفقا للأصول، وأكد القرار المذكور على التقيد تقيداً تاماً بالتزامات الدول بموجب القانون الدولي بما في ذلك وبصفة خاصة في إشارة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 واتفاقية وقواعد لاهاي لعام 1907. ومع توفر جميع الضمانات القانونية للمتهمين فقد تم تحديد تعريف جريمة الإبادة الجماعية التي تعني كل فعل بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أوعرقية أو دينية إهلاكا كليا أو جزئيا وقتل أفراد منها، أو إلحاق أي ضرر جسدي أو عقلي بهم، كما تم تحديد وتعريف مفهوم الجرائم ضد الإنسانية بأنها جرائم القتل العمد الموجه ضد السكان المدنيين وجرائم الإبادة والاسترقاق والإخفاء القسري وإبعاد السكان والنقل القسري والتعذيب والحجز والسجن بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي والاغتصاب والاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو أثنية أو ثقافية أو دينية متعلقة بنوع الجنس أو أي شكل لايجيزه القانون الدولي، كما تطابق تعريف مجرمي الحروب مع التعريفات الواردة في القوانين والاتفاقيات الدولية. ويجري طلب التسليم وفقا للطرق الدبلوماسية، بعد أن يستكمل مجلس القضاء الأعلى (البديل عن وزارة العدل) ملفاتها بعد أن تكون أحيلت إليه القضية من المحكمة الجنائية المختصة، التي أصدرت قرارا بإحضار المتهم أمامها، ويقترن بالقضية مرفقا بجميع المعلومات الخاصة بالمتهم مع صور من أوامر القبض أو الإحضار والمواد القانونية المنطبقة على الفعل التي نسبتها المحكمة المختصة، مع نسخة مصورة ومصدقة من الأوراق التحقيقية، فيقوم مجلس القضاء الأعلى بإحالة الأوراق التحقيقية إلى وزارة الخارجية لعرضها على تلك الدولة لتسليم المتهم أو المجرم.
ومن الجدير بالذكر أن قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم 10 لسنة 2005 وهي المحكمة التي تخصصت بمحاكمة المتهمين في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب والإبادة الجماعية وانتهاكات القوانين العراقية لم يخضع الجرائم المذكورة للتقادم المسقط للدعوى الجزائية وللعقوبة أيضا انسجاما مع المقررات الدولية وما اتفق عليه المجتمع الدولي ضمن اتفاقياته وقراراته.
وعلى هذا الأساس فأن المتهمين بالجرائم الإرهابية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب لن يتم اعتبار أفعالهم جرائم سياسية مطلقا، وفقا لمعايير القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية كما ذكرنا، إضافة الى القوانين العراقية النافذة، ويعاقب القانون الجنائي العراقي على مثل هذه الجرائم بعقوبات مقترنة بظروف مشددة. كما أن على الدول إلزاما عدم منحهم الملاذ الآمن ولا اللجوء السياسي وعدم منح أي منهم الغطاء الشرعي أو القانوني لحمايتهم من القوانين النافذة، خلافا للاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن الذي يضع تلك الدول تحت طائلة المسؤولية القانونية الدولية، ويعرض بلادها الى العقوبات القانونية، كما يضعهم في صنف الدول التي تحمي المتهمين والمجرمين.
وقانونية تسليم المجرمين تأتي من حرص القانون على توفير إجراءات تحقيقية عادلة ونزيهة يفترض أن توفرها السلطة القضائية، باعتبار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وتحكمها إجراءات قانونية محددة وفق نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية، إضافة الى ترسيخ مبدأ احترام القانون وقرارات القضاء بين الدول. أن الإلزام القانوني والأخلاقي يلزم الدول كافة بعدم إيواء الخارجين على القانون أو النظام وعدم تشجيعهم على التمادي في مسلكهم الضار بأمن دولتهم أو الدول الأخرى، أو مدهم بالسلاح أو المال أو تدريبهم على أعمال العنف والإرهاب والتخريب ومكافحة نشاطاتهم المعادية وأعادتهم الى دولتهم بعد اتخاذ الإجراءات المناسبة في حقهم. والالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية معيارا لاحترام الدول للقانون، ودليلا على حرصها على امن وسلامة الإنسان في كل مكان، ومن يحرص على أبناء شعبه عليه أن يحرص على أبناء الشعوب الأخرى، ويعينها في التصدي لمرتكبي تلك الجرائم بالمساهمة في القبض عليهم وتقديمهم للعدالة، وكما أن منطق القانون والعدالة يقتضيان الوقوف بحزم مع حق المجتمع في حماية نفسه من الجريمة والمجرم، فأن ضمانات أكيدة للمتهمين يتم الالتزام بها وتطبيقها، ووفقا لهذه المعايير ستسود العدالة ويتحقق منطق الالتزام بالنصوص والقوانين التي تكفل للجميع المساواة، كما سيعكس بشكل مباشر ذهنية تلك السلطات في عدم وضع غطاء أو حواجز تحمي المجرم أو المتهم مهما كانت التبريرات والأسباب، والتاريخ سيكتب تلك المواقف حتما.
وحين نتحدث بشكل مجرد عن قضايا تسليم المتهمين أو المجرمين، فأن ما يعنينا هم المتهمين في قضايا الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب والانتهاكات ضد البشرية أو المجرمين الذين صدرت بحقهم أحكام جزائية من محاكم عراقية مختصة. حيث يلزم القانون الدولي التكاتف والتعاضد بين الدول الأعضاء لتطبيق معايير العدالة وملاحقة المجرمين والمتهمين بهذه الجرائم، وان تسمو على تقاطعاتها واختلافاتها من أجل تلك المهمة النبيلة، حماية للبشر من تلك الجرائم التي يرتكبها الأشخاص المسؤولون في تلك السلطات.