أشار الدستور العراقي في الفقرة ثانياً من المادة الثانية الى ضمان كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائية، وهذه الأشارة تعبر عن التأكيد الحقيقي للوجود الديني المتنوع في العراق، وهي أشارة صادقة وصريحة في وجود الأديان العراقية التي كانت نصوص الدساتير الحكومية تصرف النظر عنها ولا تشير اليها، ويبدو ان الإشارة الى اليهود العراقيين تم تجاوزها وغض النظر عنها دون سبب مقبول، فبقيت الإشارة الى جميع الديانات الموجودة في العراق ناقصة بالنظر لسعة مساحة النص الذي أعترف بالأديان القائمة فعلاً في العراق، والتي دأبت السلطات البائدة على عدم ذكرها واختزالها بكلمة (الديانات الأخرى) في الدساتير المؤقتة التي كانت تصدرها بإرادة منفردة ودون أن تستفتي عليها الشعب العراقي.
ودفعاً للحرج من ذكر أسماء الديانات العراقية في الدساتير السابقة التي أنتبه اليها وأقر بها الدستور العراقي المنتخب من قبل العراقيين بشكل واضــح وصريح، غير ان النص في الدستور الجديد تجاوز الإشارة الى الديانة اليهودية التي يدين بها عدد من المواطنين العراقيين فعلاً والموجودة فوق التراب العراقي والمتداخلة مع التاريخ العراقي منذ بدء الدولة العراقية وحتى اليوم، مما يوجب الاستدراك والإشارة اليها في أقرب فرصة لاستكمال المعنى الحقيقي للوجود الديني العراقي بشكله الكامل والصريح حتى لايتم غبن وتهميش ديانة موجودة فعلاً في العراق بصرف النظر عن عدد معتنقيها.
كما عرف العراق بأنه بلد متعدد القوميات ومتعدد الأديان والمذاهب أيضاً، وهذه حقيقة من حقائق الحياة العراقية، ويعرفها أهل العراق الذين تعايشوا بشكل منسجم منذ أقدم العصور في ظل اختلافهم دينيا حيث يعد العراق من البلدان التي تتعايش فيها أكثر الديانات قدماً، وكان النص الدستوري الجديد أكثر النصوص السابقة المتعلقة بالاعتراف بالديانات الموجودة فوق التراب العراقي جرأة وصدقية حين أشار وللمرة الأولى الى الديانتين المندائية والأيزيدية في نصوص الدستور وهما من أقدم الديانات العراقية التي لم تكن الدساتير السابقة تشير اليهما أو تعترف بهما بنص صريح وواضح.
هذه الضوابط الدستورية تشكل أساساً للحرية الدينية وحرية المعتقد وقضية الحقوق في العراق الجديد، وعلى هذا الأساس يمكن ان يتم فهم المساواة العملية في الحقوق والواجبات، فالعراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون او الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي، وهذه المساواة تؤكد حرية الفكر والعقيدة والضمير، وتمنح الحق والحرية لأتباع كل دين أو مذهب في ممارسة شعائرهم الدينية وأداء طقوسهم بحرية ضمن ضوابط النظام العام والأداب تطبيقاً لمفهوم حرية العبادة وتتكفل الدولة حماية أماكن عبادتهم. وكان القانون الأساس العراقي الصادر عام 1925 قد اكد أيضاً على مساواة العراقيين بصرف النظر عن الدين، والضمان لجميع ساكني البلاد بحرية الاعتقاد التامة، وحرية القيام بشعائر العبادة، وكرر الدستور المؤقت الصادر في العهد الجمهوري الصادر في العام 1958 المساواة دون تمييز بسبب الدين، ووضع الدستور المؤقت لعام 64 المساواة دون تمييز بسبب الدين ايضا في باب الحقوق والواجبات، وبمثل هذا جاء في الدستور المؤقت لعام 1968، وهكذا نجد ان التأكيد على المساواة في الحقوق والواجبات بين العراقيين دون تمييز بسبب دياناتهم كانت على الدوام النصوص المشتركة لجميع السلطات المتعاقبة. والدين الأسلامي من أكثر الديانات التي أكدت على مسألة الحقوق والحريات العامة التي تحدد مدلول حق الأنسان في الحرية الدينية وحمايتها، كما اكد على رفع الاكراه عن الانسان في عقيدته ضمن نصوص واجبة الالزام منها ((لا اكراه في الدين))، والتأكيد على المساواة في الكرامة والحرية الفردية والحقوق، وهو دين الدولة الرسمي كما ورد في النص وهو كذلك مصدر أساس من مصادر التشريع .
ويأتي الأعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 كانون الأول 1948 ليؤكد الفهم الإنساني المشترك على الحقوق الأساسية التي أكدها الإسلام من قبل ويفترض ان تلتزم بها الدولة العراقية باعتبار أن لكل أنسأن الحق في أن يتمتع بجميع الحقوق والحريات دون تمييز بسبب الدين، وان لكل إنسان حرية الفكر والوجدان والدين.
وتأكيداً لاحترام الأديان وحرية العقيدة فقد شرع نص في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 69 المعدل في المادة 372 تحدث عن الجرائم التي تمس الشعور الديني، فعاقب من يعتدي بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية او يقم بتحقير شعائرها، ومعاقبة من يتعمد التشويش على إقامة شعائر دينية لطائفة او ديانة، وكذلك من خرب او اتلف اوشوه او دنس بناءا معدا لإقامة شعائر دينية او رمزا او شيئا له حرمة دينية، بالإضافة الى اهانة الرموز الدينية او الأشخاص موضع التقديس او التمجيد او الاحترام لدى تلك الديانة او المذهب او الطائفة، كما عاقب القانون من سخر من ذلك.
أن هذه الأشارة في أيجاد نصوص جزائية لا تكفي لترجمة الواقع الفعلي في الاضطهاد الديني أو التحقير والازدراء أو التهميش، او ممارسة أساليب من شأنها أن تحد من حقوق مواطن بسبب أعتناقه ديانة معينة، بالإضافة الى اقتصار النص على العلانية في الإساءة فقط دون بقية الأشكال.
ومن خلال الاعتراف بالشخصية القانونية يكون لكل انسان الحرية في اعتناق الدين او المذهب او المعتقد وممارسة الشعائر، ولا يجوز تعريض احد لإكراه من شأنه ان يخل بحريته في ان يدين بدين اخر، او بحريته في اعتناق اي دين او معتقد يختاره، كما لا يجوز ان تتم المعاملة بالازدراء او بما يخل بمبدأ المساواة التي أكد عليها الدستور.
أن تعزيز التفاهم والتسامح والاحترام بين الأديان والمذاهب يعزز القاعدة التي تقوم عليها العدالة الاجتماعية ويؤكد الاستقرار الفعلي ويبتعد عن سياسة التشنج والتعصب التي تربك حياة الناس وتجعل مشاعرهم عرضة للخوف والتردد والريبة، هذا التفاهم يستمد أسسه من واقع الكرامة الإنسانية، وهذا التكريم الذي اكده سبحانه وتعالى في سورة الاسراء (لقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا)، .ولم يفرق الباري بين إنسان وآخر أو بين جنس وآخر أنما شمل النص كل بني آدم في التكريم دون استثناء بالإضافة الى المعاني الكبيرة الدلالة في التفضيل على الكثير من المخلوقات، ولذا فأن الانسجام الإنساني بين المكونات الحقيقية لمعتنقي الأديان في العراق يأتي ليس فقط أقراراً وتجسيداً لنصوص الدستور الدائم، او التزاماً بعدم التعرض لهذه الديانات حيث تكون المسائلة وفقاً لنصوص عقابية، إنما من خلال المعاني الحقيقية للحياة الإنسانية الكريمة، وحق المواطنة الفعلي في العراق، فأتباع الديانات المسيحية واليهودية والأيزيدية والمندائية هم عراقيون لا سلطة لأحد على انتزاع مواطنتهم أو التقليل من قيمتهم الوطنية أو انتقاص حقوقهم، ولذا فأن الالتزام يكون من خلال المعايشة الوجدانية للإنسان العراقي في التاريخ العراقي القديم والحديث، والتمازج الإنساني الذي جسده الامام علي بن ابي طالب في مقولته الخالدة ((الناس صنفان، اما أخاً لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)).
والنظرة الإنسانية الشاملة واضحة وجلية في هذه المقولة!! وإذا كنا نقر بحقيقة كون العراق بلداً متعدد الأديان والمذاهب، ينبغي علينا أن نخلق حالة من الوعي والوجدان في أن تحترم الأديان العراقية بعضها البعض الأخر في ضمير جميع أتباع الديانات والمذاهب اعتقادا وممارسة، وان ينعكس ذلك الاحترام في ضرورة محاربة التعصب الديني والتمييز القائم على أساس الدين أو المذهب، لأن هذا الطريق يؤدي الى تعطيل وانتقاص الإقرار بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
تكمن الحرية الدينية في صميم أي مجتمع عادل وحر. وهي مجسدة في نصوص كل الديانات التي تؤكد على مبدأ الحماية الدينية ، بالإضافة الى ان الحق في حرية الدين يُشكّل حجر الزاوية للديمقراطية. فهو المقياس الحيوي في تشكيل وصون نظام سياسي مستقر. وبالمقابل، فان التقصير في حماية حرية الأديان والحقوق الإنسانية الأساسية الأخرى، يُنمي التطرف ويقود إلى عدم الاستقرار والعنف.
ومن خلال ما تعكسه قضية الحرية الدينية نستطيع تشخيص صحة النهج والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لدولة ما. ونعتقد كما يعتقد الجميع أن الإنسان مسؤول عن نفسه، ويتحمل تبعات اختياراته فليس لأحد الحق في فرض عقيدة ما عليه، مع أن واجب الهداية والتبصير والإرشاد قائما، الا ان هذا الواجب يصاحبه الاختيار والقبــول ولايمكن ان يقوم على نهج الوسائل القسرية والإكراه.
والأكراه والتعصب يقضي على الحرية الدينية التي أكدها الأسلام ومن قبله بقية الديانات العراقية وأكد عليها الدستور، كما أن أن الإيمان بدين معين لا يقوم على الدليل العقلي فقط، ولو قامت الأديان على المقولات العقلية الخالصة لآمن الناس بدين واحد، ولما بقي مجال للحرية الدينية.
تابعونا في الاسبوع القادم...
ومن يتمعن في الديانات التي انتشرت على أرض العراق يجد أن توحيدها لله عز وجل قاسمها المشترك، وانها جميعها تنكر الإهانة الإنسانية وحالات القسر والإكراه والإلغاء ، كما تسعى جميعها للهداية والخير والأعمال الصالحة والتسامح والمحبة بين كل الناس دون تمييز، ومن خلال هذه القواسم المشتركة تستمد معاني اعتمادها على الحرية الدينية.
فأذا كان التطبيق العملي يتناقض مع النصوص الدستورية والقانونية ، فيكون الأمر أن تناقضاً بين الادعاء والفعل مما يعيق عملية التطبيق الفعلي الديمقراطي للحياة العراقية التي فصلها الدستور الدائم والتي أرادها العراقيين بإرادتهم بالانتخاب الحر المباشر. يزعم بعض ان هذا التطرف والتناقض والأفعال الإجرامية تصدر عن فئة جاهلة ومريضة لاتريد للعراق الخير ولا لمستقبلة الزاهر ان يحل باختزال الزمن، وهي مصدر أعاقة للحياة الطبيعية المشتركة للعراقيين بصرف النظر عن اديانهم.
والمتمعن في الإرهاب الذي تواجهه الديانات المسيحية والأيزيدية والمندائية ،سواء بالقتل أو التهجير أو الخطف او غلق المحلات وسد أبواب الرزق او التهديد المبطن منها والصريح، هذا الارهاب يتعارض كليا مع مبدأ المواطنة، وأيضا مع مبدأ الحقوق والواجبات، ولكنه واقع فعلا، ويدفع ابناء تلك الديانات ثمناً باهضاً جراء هذا الإرهاب المستمر، إذ من جراء هذه الأفعال فقد المسيحيين والمندائيين والأيزيديين أعداد من الشباب الأبرياء ليس من ذنب ارتكبوه سوى تمسكهم بدياناتهم في ظل انفلات أمني وفوضى وضعف السلطة مع تنامي المجموعات الإرهابية والإجرامية المسلحة.
قام العديد من ابناء تلك الديانات بمغادرة مدن كانوا يقيمون بها مع أجدادهم وآباؤهم منذ عقود، لهم جذور فيها وتركوا بصماتهم على جميع معاني الحياة الإنسانية فيها، وكانت قيم النبل والمحبة والسلام والأخلاق الحميدة من مميزاتهم التي بقيت مطبوعة في ذاكرة الطيبين من أبناء العراق، وترك أخرين أعمالهم وباتوا دون مصدر رزق، وغادر العديد من هؤلاء العراق قسراً خوفا على حياتهم وعوائلهم، ومنع العديد منهم من ممارسة أعمالهم التي اختاروها، ودون ان يجدوا تلك الالتفاتة العراقية في حمايتهم أو الوقوف معهم، فلا المرجعيات الدينية التفتت اليهم ولا الأحزاب العراقية الوطنية وقفت لهم ومعهم ولا التفت اليهم برلماننا العراقي في إجراء يحد من تعنت الأرهابيين والمتطرفين ضدهم، وصاروا في مهب الريح وتحت سطوة ورحمة المتطرفين ومن فسر الأديان وفق فهمه ومصلحته مع انهم ودون خلاف من العراقيين الأصلاء الذين ساهموا في بناء هذا العراق وتركوا بصماتهم واضحة عليه مع غيرهم من بناة العراق، وسيساهمون في أعادة ترميمه وأعادة بناءه من خراب الدكتاتورية.
مايعانيه أتباع الديانات في العراق مأساة كبيرة ينبغي الاهتمام بها والعمل على إيقافها وتفعيل القوانين وبشدة بحق كل من يريد بهم السوء والأذى، وما يعانيه أتباع الديانات في العراق معاناة كبيرة وهم يضعون وطنيتهم وأصالتهم وما قدموه للعراق بلدهم ووطنهم الأزلي ولأخوتهم أمام أنظارهم وهم يجاهدون في حرب غير متكافئة ضد الإرهابيين والعنصريين والمتطرفين والغادرين المتبرقعين زورا بعباءة الدين، انها حرب الإرهاب والتجمعات الإجرامية ضدهم دون معين أو مساند، مما يوجب تفعيل النصوص العقابية وتشديدها بحق من يريد بهم السوء والعمل على ضمان حريتهم في أعمالهم وبيوتهم وحرياتهم و المناطق التي يقيمون بها.
وكان العراق على الدوام بلداً يتباهى بتعددية أديانه التي نمت جذورها فوق ارض العراق مع نمو هذا المجتمع المتنوع قومياً ، واستمرار الحياة العراقية بانسجام متميز بين كل تلك الديانات التي يوحدها
الله ويجمعها السلام والمحبة والخير، مما جعل العلاقات الإنسانية والاجتماعية ترتفع فوق ذلك الاختلاف في العقيدة، كما أن هذا الانسجام يعبد الطريق للاحترام المتبادل بين الأديان والمذاهب.
غير المسلم اليوم في العراق يقيد في الأعمال التي يرغبها المتطرفين ولا خيار له في ان يختار العمل والمكان، ويرحل بأمر منهم وبقصاصة من الورق تهدده وعياله يترك على أثرها كل امواله ويغادر مسرعاً فيضطر أما لائذا بمكان آخر أو مدينة أخرى أو الى غربة أبدية ليس له فيها خيار، وكما انه يفقد حياته بأوامر منهم ووفق رغبتهم ومشيئتهم مع وجود الدولة والأحزاب العراقية ومنها الدينية التي لا يعنيها الامر او تستنكر الفعل كموقف ادبي تحتمه عليها المسؤولية.
وحين نطالب بتشخيص هذه العناصر التي تقوم بارتكاب الجرائم وتسلب من الناس حياتها وحريتها وتسحب منهم مواطنتهم دون حق، يقال انهم لا يمثلون احد ولاينتمون الى حزب معين، انما هم متطرفين ومجرمون وذيولاً للنظام البائد وكل من يريد ان يتصيد في ماء العراق العكر في ظل الانفلات الأمني، ولكنهم يرتكبون تلك الجرائم في وضح النهار وحتى دون لثام كما عودنا الزمن الجديد، فأين يذهبون بعد ان يمارسوا القتل والتدمير وتفجير اماكن العبادة وتفجير محلات الأعمال؟ وأين يذهبون بعد أن يدمروا ممتلكات غير المسلمين و يضعوا السيارات المفخخة قرب بيوتهم وأماكن عبادتهم؟ فهل حقاً انهم دون تنظيم ودون مخططات يريدون تنفيذها؟ وأين يذهبون بعد أن يمارسوا أفعالهم الإجرامية أمام الناس وبعلمهم؟.
ومن يريد تشخيص الحقيقة في العراق عليه ان يعلن ان المسيحيين والمندائيين والأيزيديين في العراق مواطنين من الدرجة الثالثة، فلا حضور لديهم ولا حماية لاماكن عبادتهم ولا قانون يتابع من يسيء أليهم، ولا حتى من يستمر بالتحقيق في القضايا التي تقتل أولادهم وتغلق محلاتهم وتنهي أعمالهم.
ومن يريد ان يقر بالحقيقة المريرة في عدم مساواتهم بالرغم من كل النصوص العراقية المكتوبة في الدساتير مع (دين الدولة الرسمي)، بالرغم من كون الدولة شخص معنوي أعتباري لاوجود له حقيقة ولادين الا انه الحرص على أبقاء مثل تلك التعابير البعيدة عن الواقع يدلل على التمسك بالنصوص الدستورية كتابة لافعلاً.
ومن يريد ان يتذكر أخوتنا اليهود العراقيين وأماكن عبادتهم ومصير المديرية العامة للأموال المجمدة والأموال التي لم تزل اموالها تدور في خزينة الحكومات العراقية من نمائها عليه ان ينفي عن نفسه تهمة العمالة للصهيونية!! ومغازلة أسرائيل وكأن المواطن العراقي اليهودي أسقطت عنه مواطنته وألغيت إنسانيته في هذا الوطن الجريح، فالصمت اطول ما يقوى عليه فم كما يقول الجواهري.
حقيقة النصوص الدستورية الواردة في الدستور احلام لم تتم ترجمتها الى الواقع، وستبقى خيالية بعيدة عن الواقع، فلم يزل غير المسلم في بلادنا أقل شأنا وتحرم عليه وظائف عديدة، بالأضافة الى شخصيته القانونية الناقصة، مع أن النص الدستوري يبالغ حين يشير الى مساواة العراقيين بغض النظر عن الدين، وهذه النصوص الدستورية تأتي لذر الرماد في العيون، او لمجاراة النصوص القانونية الدولية وحقوق الإنسان.
وإذا كان الإنسان كقيمة عليا يجد كل هذا التعسف والظلم بسبب اعتناقه ديانة معينة يجعله التعصب في وضع أدنى من الوضع الطبيعي لغيره من المواطنين من الديانة الأخرى، وفي منزلة لاتليق به، يشير هذا الأمر الى استخدام الديانات كوسيلة ترمي الى التمييز والتعصب وتدفع الى الأحقاد والكراهية بين أهل الديانات المظلومة، وهي عكس الاتجاهات التي ترمي اليها دساتير الدول التي تتبنى مفاهيم حقوق الإنسان وتتعارض مع كبت الحرية الدينية والتفكير والوجدان وتتقاطع مع التدابير التي لا تحترم حق الإنسان في الاعتقاد.
استعادة روح التسامح والتآخي بين المواطنين يزيح قطعا التعصب القائم على أساس الدين، واستعادة روح التسامح لا تأتي بالتمني أو بالخيال، أنما تكون بالممارسة العملية فعلاً، كما أن تطبيق النصوص الدستورية بأمانة وبتجرد وبشكل متساوي على الجميع يعيد الثقة لهذه الشرائح في حقيقة علاقتها بالوطن وبجنسيته وبحقوق المواطنة التي نص عليها الدستور، ويجعلها تساهم بشكل جدي في بناء العراق.
ويقينا أن العراق كان يعاني من هذا الوباء المتعارض مع المفهوم الإنساني والمساواة التي نص عليها الدستور، ولكن استفحال هذه الظاهرة مع تطهير العراق مع براثن الدكتاتورية والطغيان، وأنتشار هذا الوباء مع قيام العراق الديمقراطي والفيدرالي أمر بحاجة الى التقليب والدراسة والتمعن لتشخيص بواطن وأسباب الخلل وإيجاد الوسائل للوقاية منه قبل أن ينتشر الوباء ويعم ويستفحل الداء.
لقد نصت ديباجة مقدمة الدستور العراقي على ان شعب العراق آل على نفسه ( بكل مكوناته ) وأطيافه أن يقرر وبحريته.. وأن يتعظ لغده بأمسه، وأن يسن من منظومة القيم والمثل العليا لرسالات السماء ومن مستجدات علم وحضارة الإنسان هذا الدستور الدائم . فهل حقاً سيكون غدنا بعد ان نتعظ من الأمس المرير؟ وهل حقاً أن منظومة القيم التي أكدها الدستور ما نريده اليوم مع ما يحدث لأخوتنا من أهل الديانات العراقية الأخرى؟
ضمان حرية العقيدة ليس فقط في حرية الممارسات والشعائر الدينية لكل الديانات في العراق، وكما ليس فقط في الإقرار والاعتراف بوجود هذه الديانات في العراق، أنما يكون الأمر مهما في أن نعتقد حقاً بإنسانية هذه الشرائح ونؤمن حقاً بأنهم يتساوون معنا في الحقوق والواجبات، وأن ندافع عن مساواتنا معهم أمام القانون، وأن نكون الجدار الذين يقفون خلفه ويحتمون به من عاديات الزمن، وحين نقف كلنا معهم نحميهم من المجموعات الإرهابية والتطرف ونوفر لهم ليس فقط الرعاية والحماية وإنما الحرية في الممارسة في الحياة دون تقييد او تحديد، وحين نتساند معهم في القضاء على كل الظواهر الشاذة التي تعيق حريتهم الدستورية وحقوقهم المنصوص عليها، وان نجسد بحق حرية الفكر والضمير والعقائد الدينية وأن نحرم الأكراه بكل الوسائل حتى يمكن ان نترجم النصوص الدستورية الى واقع وأن نجسد الاخوة العراقية المشتركة التي بدأنا نفتقدها في الزمن المر، حينها نستطيع القول اننا بدأنا بالتطبيق السليم والحقيقي لنصوص الدستور العراقي الذي يجسد بحق الحياة العراقية الجديدة التي كنا نحلم بها ونعمل من أجل أن تكون لكل العراقيين .