سرد السيد حازم جواد ضمن مذكراته الشخصية في جريدة الحياة اللبنانية بواسطة الصحفي السيد غسان شربل بنفس العقلية التي يعيشها في الحياة، فقد بدأ حياته السياسية طالباً في المعهد العالي للمعلمين في بغداد بعد نقله من الناصرية مدينته التي ولد فيها عام 1935 والتي انتظم فيها بعثيا بواسطة أستاذه وابن خالته فؤاد الركابي والتي استلم فيها التنظيم بعد هروب فؤاد الركابي من ملاحقة السلطات الأمنية للنظام الملكي الى سورية.
بدأ الطالب حازم جواد يرتدي نظارة سوداء على عينيه تشبها برجال المخابرات ، وكان مغرم بالأسرار، غير أن مشكلته أنه لا يحفظ هذه الأسرار وحين يكشفها فأنه يقلب سافلها عاليها ويخلطها وفق فهمه ورؤيته الذاتية للعملية، وبعد انقلاب 8 شباط 1963 صار حازم جواد وزيرا للدولة لشؤون رئاسة الجمهورية من 8 شباط ولغاية 11 أيار ، ووزيرا للداخلية من 13 أيار ولغاية 13 تشرين الثاني من نفس العام، حيث انتهت علاقته بالدولة وبالقيادة القطرية لحزب البعث بعد هذا التاريخ والى يومنا هذا، ومن المآخذ التي سجلها عليه الحزب محاولته تحريض عبد السلام عارف ضد امين سر القيادة القطرية علي صالح السعدي، واصطف مع عارف ضد رفيقه وحزبه ( انظر حنا بطاطو – العراق – الجزء الثالث – ص 332)، ولهذا لم يستمر في موقعه كعضو في أعلى مؤسسة حزبية بعثية سوى عامي 62 و 63، ولكن لم يحل أحد اللغز المحير في اقتران فصل السيد حازم جواد من حزب البعث مع قرار فصل محمد المهداوي الرجل الذي أثبتت الوقائع تورطه في عمليات لصالح المخابرات المركزية لتتم تصفيه محمد المهداوي بعد مجيء البعث مرة أخرى للسلطة في العراق عام 1968، حيث جرى تهميش حازم جواد من كلا الشطرين المتحاربين في الحزب ( اليسار واليمين)، حتى كادت الذاكرة أن تنساه أو تتناساه بالنظر لأعتزاله العمل السياسي ورحيله الى إنكلترا تخلصاً مما يسببه له المستقبل العراقي من مسؤولية وملاحقة جنائية بعد ان خاض دوراَ دموياً في مجازر العراق عام 63 دون ان يبدي ندما على الدماء البريئة التي سالت وألرواح التي ازهقت، والخراب الذي حل بالعراق، ولم يتبق لحازم جواد مايرتبط به أو يشير اليه سوى النظارات السوداء التي تغطي عيونه، ولعله يتخذها ستاراً لئلا تتعرف عليه الحقيقة التي في أحيان كثيرة لا يريد ان يتعرف عليها أو تجنبا من معرفة العراقيين لشخصيته. والمذكرات التي يكتبها البعض تصلح للتدقيق والتمحيص، منها ما يساهم في كشف حقائق جديدة أو يؤكدها، ومنها ما يحاول أن يزيد الحقيقة طمساً وتشويها لأسباب عديدة منها شخصية أو تتعلق بالفترة الزمنية.
يقول السيد حازم جواد انه زار صدام في أواخر العام 1978 وسأله صدام عن نصيحة، فنصحه بالابتعاد عن التصفيات سواء ضد البعثيين أو خصومهم ولا أريد التعليق على هذا الخبر وأترك تقليب مصداقيته للمطلعين على الواقع العراقي المرير ، وعلى تقبل صدام لمثل هذه النصائح بعقل مفتوح وربما كان قد استجاب لنصائح السيد حازم جواد!! ويحاول السيد جواد إلقاء تبعة الدماء العراقية في رقبة صالح مهدي عماش في أكثر من حادث وقضية، حتى أن السيد جواد يحاول نفي الجرائم التي يتهم بها صدام في إعدام الشيوعيين، ويبدو أن الكراهية التي يحملها السيد جواد لصالح مهدي عماش لم تزل تغلي في قلبه لحد اليوم فتدفعه لإلقاء تبعة الدماء والإعدامات على عاتق رفيقه السابق، ونستطيع أن نتلمس هذه الكراهية من الكلمات التي تنكل بشخص عماش بالرغم من معرفة السيد جواد في قراره ضميره أن عماش ممتليء بالأسرار الملوثة ومليء بالشكوك التي رافقت حياته ومماته. وبالرغم من نفي أي دور لصدام في انقلاب شباط 63 لكونه كان هارباً في القاهرة في تلك الفترة، بالأضافة الى أنه لم يكن محل اهتمام أو في موقع متقدم من الحزب، إلا ان السيد حازم جواد وبالرغم من كونه قياديا ومن قادة الانقلاب يذكر أن صدام حضر لمقابلته (دون أن يذكر صفته أو علاقته به) وأعرب لحازم جواد استعداده لقتل علي صالح السعدي، لكن جواد عارض الفكرة، فأي انضباط حزبي هذا؟
الا يدلل هذا الأمر على فرض صحته أن القضية هي حرب عصابات وتصفية شقاوات حين يتبرع عضو عادي في الحزب أمام عضو قيادة قطرية استعداده لتصفية أمين سر القطر، لكن عضو القيادة يعارض الفكرة فيخيب امل العضو ( نبارك للسيد جواد هذه العلاقة الحزبية السياسية والديمقراطية). وإمعانا في تغييب الحقيقة يؤكد السيد حازم جواد معرفته بقاتل فؤاد الركابي الذي يرتبط معه بصلة القرابة ويشير الى أسمه ( ... ) بنقاط بين قوسين ولا ندري ماهو السر في التستر على الاسم في هذا الزمن بالذات وبعد أن سقط صدام وسلطته وذهب الى مزابل التاريخ العراقي، ويقينا ان الأسرار لم تزل تزدحم في عقل السيد جواد وستربك الباقي من ايامه وتزيدها ظلاماً ووحشة بدلاً من الإفصاح عنها ونشرها في الهواء الطلق أمام شعبه وتاريخه لعله يريح ضميره من عذاب الضمير ويريح الآخرين.
وفي معرض استسلام الزعيم عبد الكريم قاسم لمجموعة الانقلابيين في دار الإذاعة صبيحة التاسع من شباط 1963، ومن الطريف ان حازم جواد يكرر مقولة الزعيم أنتم حكمتم علي من دون محاكمة، وأن ما اتهمتوني به مسائل نتركها للتاريخ، وحين خرج على حد قول السيد جواد من غرفة الإذاعة بدأ فصيل من الضباط أطلاق الرصاص على الزعيم ورفاقه، وبصدد المحاكمة فأنه يؤكد أن احدهم أقترح الإعدام دون محاكمة والكل وافق ولم يعارض احد.
ويؤكد بشكل صريح وقاطع أن القتل تم دون أن تجري محاكمة، وانه اعتبر مجلس القيادة هو المحكمة.
ويتعرض السيد حازم جواد لماورد بقصة السيد عبد الغني الراوي الذي صور نفسه انه بطل الحادثة في حين أن كل من طالب شبيب وحازم جواد نفوا قصته وأنكروا صحة روايته وذكروا ان كلامه لا أساس له من الصحة، ولم تكن هناك محكمة، ومن المفيد أن نذكر أن السيد طالب شبيب وحازم جواد كان يرتديان ملابس الضباط العسكرية في تلك اللحظة. ويذكر السيد طالب شبيب في الصفحة ( 123) من مذكراته في كتاب المرحوم علي كريم سعيد ( عراق 8 شباط 63 من حوار المفاهيم الى حوار الدم دار الكنوز الادبية بيروت 1999 ) ( كتب كثيرون عن مقتل قاسم فخاضوا في تفاصيل ليس لها وجود، وأضاف بعضهم مشاهد درامية انفردوا بها دون غيرهم، وسعوا في رواياتهم لاستكمال التشويق..) .
وحتى لا تضيع الحقيقة في اعترافات حازم جواد يذكر أنه ارتكب غلطة عندما أصدر البيان ((رقم13)) القاضي بأبادة الشيوعيين العراقيين من دون سابق إنذار وكان اعتراض السيد حازم جواد ليس على القتل والدماء والإنسان الذي يستباح كليا في العراق، إنما كان يختلف في تسمية من يتم إعدامهم بالفوضويين بدلاً من الشيوعيين خشية من حدوث ضجة في المستقبل، لكن طالب شبيب أصر على أبقاء كلمة الشيوعيين.
وإذا كان السيد حازم جواد يرتدي بزة برتبة عسكرية بالرغم من كونه شخص مدني لا علاقة له بالجيش فيكون منتحلاً صفة عسكرية يعاقب عليها القانون.
كما أنه يقر كواحد من المجموعة التي تمكنت من الأنفراد بالزعيم عبد الكريم قاسم والذي كان قد سلم نفسه مع رفاقه بناء على كلمة شرف لتمكينه من الدفاع عن نفسه بمحاكمة عادلة، وحتى يتقدموا بالاتهامات ضده، ويتمكن هو من الدفاع عن نفسه، ومن ثم يتم إصدار قرار الحكم على ضوء ذلك.
وحيث أن جريمة القتل تمت بالطريقة التي أجمع عليها الحاضرين المسؤولين الذين أوعزوا الى فريق القتل والإعدام بالمباشرة بعملية القتل بإطلاق الرصاص، لذا يكونوا قد ارتكبوا جريمة
القتل العمد وتنفيذ حكم إعدام بمواطنين عراقيين دون تحقيق أولي أو ابتدائي أو قضائي ودون أجراء محاكمة ودون حضور قضاة أو أعضاء من الادعاء العام.
وفوق كل هذا الأمر أوغلوا في ارتكاب جرائم خسيسة لم يسبق للمجرمين العراقيين من عتاة المجرمين أن مارسوها، حين أقدموا وبالاتفاق على التمثيل بجثة ميت ودفنه في مكان مجهول ومن ثم أخراجه من القبر ورمية في النهر لتضييع معالم الجثة.
وأمام الاعترافات التي أدليت بها المجموعة التي كانت حاضرة عملية القتل والتي بقيت حية وشاهدة تتبجح بجريمتها المخزية، المجموعة التي نصبت من نفسها مشتكياً ومدعياً ومحققاً وقاضياً في نفس الوقت، مما يتطلب الأمر أن يتم فتح ملف القضية واستدعاء المتهمين من الحاضرين بما فيهم السيد حازم جواد المتهم بارتكاب مجازر القتل بالاشتراك في قصر النهاية إضافة الى إقراره بمشاركة إصدار الأمر بارتكاب عملية قتل عبد الكريم قاسم ورفاقه دون محاكمة وإجراءات أصولية في التحقيق بالاشتراك مع مجموعة المتهمين الآخرين، بعد أن تقوم السلطة القضائية بإيقاف الإجراءات القانونية بحق المتوفين منهم.
أن الادعاء العام في العراق يجب أن يقوم بمطالبة قاضي التحقيق المختص في محكمة تحقيق في بغداد بفتح الإجراءات التحقيقية بهذا الخصوص وفقاً للاختصاص المكاني، وعلى التنظيمات السياسية العراقية متابعة الموضوع بالنظر لما يخص التاريخ العراقي، وحتى يكون الفعل المذكور نموذجاً للخرق الإنساني ومباديء العمل السياسي وصولاً الى المجتمع المدني وسيادة القانون في العراق من خلال أحلال سلطة القضاء دون التدخل في اختصاصها الذي ينص عليه الدستور.