اعتمدت سلطة صدام وسيلة تصفية المعارضين بطرق غادرة وجبانة، تنم عن خسة وتدني في أساليب التعارض والاختلاف، فتوظف عناصر من الأجهزة الأمنية ممن قبلت بيع ضمائرها وأنفسها للسلطة، لغرض اقتناص فرصة للغدر بالمعارض العراقي فتقضي على حياته.
وبقيت المؤسسات الأمنية في العراق مؤسسات مكروهة من العراقيين، واقترن أسمها بالرعب والموت ونهاية الإنسان متهماً كان أم بريئاً، ولذا فإن اسمها تغلغل مغلفا بالرهبة والرعب في داخل روح كل مواطن عراقي.
استطاعت مؤسسة السلطة الصدامية التي أطبقت على خناق العراقيين أن تحكم سيطرتها على رقبة الشعب، وبات من الصعب أن تفك أصابعها التي انغرزت داخل الجسد، وأصبح الخلاص من حكم الطاغية حلماً من الأحلام التي يتحدث عنها شعب العراق بما يشبه الخيال والأحلام والتمنيات المستحيلة.
وهذه الوسائل أصبحت منهجا ملموسا ومعتمدا في اعتقادها قدرتها على إسكات صوت الخصم، وفي سبيل ذلك وأمام إمكانياتها الهائلة، فقد سعت لشراء ذمم وضمائر، دبلوماسيين وأحزاب سياسية وشرطة وصحفيين وحقوقيين ومهاجرين، وتمكنت الأجهزة الأمنية أن تنظم قوافل من المخبرين ومجموعات من الجمعيات تحت أسماء ولافتات مختلفة، وتمكنت أيضا أن تفرز من بين تلك المجموعات ما يساعدها في الوصول الى لحظة الغدر ومتابعة الخصوم حتى وأن كانوا بعيدين عن الوطن.
وتقوم الأجهزة الأمنية بتقييم مدى خطورة المعارض فتعتمد تصفيته أو انتهاك حرية عائلته والضغط عليهم للاتصال به أو اعتقال والديه أوزوجته، أو تلطيخ سمعته ومحاولة النيل من سمعته وكرامته في أدنى الأحوال وحسب درجة تلك الخطورة.
وفي أغلب محطات التصفية نجح أغلب عناصر السلطة المكلفين بتصفية المعارضين أن ينسلوا من مكان الجريمة، وذلك بالاعتماد على عناصر سريعة الحركة ولها قدرة على التسلل، واعتمادها على توظيف العمل الدبلوماسي وما يوفره من حصانة لعناصرها المتبرقعين تحت ستائر العمل الدبلوماسي في حال القبض عليهم وتوجيه الاتهام، فتمت تصفية عبد الرزاق النايف في لندن والسيد محمد مهدي الحكيم في السودان وحردان عبد الغفار التكريتي في الكويت وتم اغتيال الدكتور توفيق رشدي في اليمن الجنوبي ونقيب المخابرات ماجد عبد الكريم حسين في السويد وعادل وصفي وعبد الجبار عبدالله ورجل الدين حسين الشهرستاني وأسعد لعيبي في بيروت وسهيل محمد السلمان والدكتور نعيم العضاض في عمان وحسام البلداوي في دبي ونعمة مهدي محمد وسامي عبد المهدي في الباكستان وأياد حبش في ايطاليا على سبيل المثال لا الحصر.
وقد تم القبض على قتلة الدكتور توفيق رشدي في اليمن وهم من مخابرات السفارة حيث أعيدوا للعراق على أمل محاكمتهم فكرمتهم السلطة.
لعل قضية اغتيال الشهيد الشيخ طالب السهيل بتاريخ 12/4/1994 في بيروت لها خصوصية ليس في تنفيذها وتدبيرها والتخطيط لها، إنما في سرعة القبض على القتلة والمشاركين بالعملية، وساهم بذلك بشكل فاعل الشهادة التي أدلت بها زوجة الشهيد بعد دقائق من وقوع حادث الاغتيال.
وفي قمة المشاعر المختلطة بالفزع والحزن والموت تشير السيدة (منيرفا بدر الدين) زوجة الشهيد الى هوية القتلة ومن ساعدهم في تسهيل مهمة الاغتيال وتنبه المحقق الى ضرورة الإسراع بعرض الأمر على قاضي التحقيق المختص لإصدار أمر القبض بحق القتلة.
وتستجيب السلطات التحقيقية الى تلك النصيحة وبسرعة فيتم القبض على القتلة، وتتمكن السلطة التحقيقية من أن تستحصل على اعترافاتهم الصريحة والواضحة في التخطيط والمراقبة والتنفيذ لاغتيال الشهيد طالب السهيل بأمر من سلطة صدام. وكشفوا خلال اعترافاتهم التي أدلوا بها دون ضغط أو إكراه باعتراف مسؤول السفارة العراقية حينها من أنهم عناصر تنتسب الى جهاز المخابرات العراقي ولا علاقة لهم بالعمل الدبلوماسي، وإنما تم توظيفهم بوظائف دبلوماسية في السفارة العراقية لصالح جهاز المخابرات، وإنهم يتلقون أوامرهم من سلطة المخابرات وليس من وزارة الخارجية.
وبعد القبض على القتلة بذلت السلطات العراقية محاولات كثيفة لإنقاذ رقاب المتهمين، وتمكنت من تخليصهم بذريعة الحصانة الدبلوماسية، وبعد مخططات لإيصال مجموعة الاغتيال الى بغداد، لم تستثمر السلطة صلافتها وخبثها في تطبيق النصوص القانونية التي نص عليها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل بموجب المادة (10) والتي جاء فيها: يعاقب كل عراقي ارتكب وهو في الخارج فعلا يجعله فاعلاً أو شريكا في جريمة تعد جناية او جنحة بمقتضى هذا القانون يعاقب طبقاً لأحكامه إذا وجد في الجمهورية وكان ما ارتكبه معاقبا عليه بمقتضى قانون البلد الذي وقع فيه. ويسري هذا الحكم سواء اكتسب الجاني الجنسية العراقية بعد ارتكاب الجريمة أو كان متمتعاً بهذه الجنسية وقت ارتكابها وفقدها بعد ذلك.
والمادة (12) الفقرة الثانية منه التي نصت: ويسري كذلك على من أرتكب في الخارج من موظفي السلك الدبلوماسي العراقي جناية أو جنحة مما نص عليه في هذا القانون ما تمتعوا بالحصانة التي يخولهم إياها القانون الدولي.
مما يجعل ارتكاب هذه الجريمة فعلا جنائيا لأغراض سياسية لتصفية معارض عراقي على يد عناصر تنتسب لجهاز المخابرات العراقي متبرقعة بلبوس الصفة الدبلوماسية والتي لم تكن حقيقية.
يقيناً أن روح طالب السهيل سترفرف عالياً فوق سماء العراق تبشر بالغد الذي انتظرناه طويلاً وبالحياة الديمقراطية المدنية والبرلمان والفيدرالية وحقوق الإنسان التي نحلم بها والتي دفع في سبيلها طالب السهيل روحه فداءاً لتحقيقها.