يفترض أننا نعيش زمن تتمع فيه جميع الدول بالسيادة والكرامة والحقوق، وأن تتمتع جميعها بالحماية القانونية، وأن يكون جوهر التعامل بين هذه الدول يقوم على أطار العلاقات الودية والمصالح المتبادلة بينها، وأن المعاهدات الدولية ألزمت جميع الدول بالتعاون مع الأمم المتحدة لضمان احترام تلك السيادة والتقيد بأحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، ووفقا لكل هذا فأننا تجاوزنا فترة الاستعمار والاحتلال واستعمال القوة.
أن العلاقات السلمية بين الدول تتيح ظروف الاستقرار والتفاهم والانسجام، حيث ان لجميع الدول حقوقها الثابتة في الحرية وممارسة سيادتها على بلدانها وسلامة ترابها الوطني، ومن هذا المنطلق عدت الاتفاقيات الدولية كل إخضاع للشعوب لاستعباد أجنبي عنها وسيطرته واستغلاله يشكل تجاوزا على القانون الدولي وعلى السيادة الوطنية وعلى حقوق الإنسان ويتناقض مع المواثيق والاتفاقيات الدولية، ويتعارض أصلا مع قضية السلام العالمي. كما ان كل محاولة تستهدف التجاوز على سيادة دولة ما أو على جزء من هذه السيادة يعد تحديا وتجاوزا على ميثاق الأمم المتحدة الملزم للدول الموقعة عليه بكل أمانة ودقة لجميع الشعوب.
وعدت مباديء الحقوق الدولية الأفعال التي تقع ضد السلام وارتكاب أفعال العدوان والقوة المسلحة ضد سيادة أي دولة او سلامة أراضيها او استقلالها السياسي جريمة ضد السلام، ويشمل العدوان الغزو، الاحتلال العسكري، الهجوم، ضم الأراضي، حصار الموانيء والسواحل، السماح لدولة ثانية باستخدام أراضي الدولة الأولى لمهاجمة دولة ثالثة، وهي جميعها من الأفعال التي يتم تجريمها دوليا.
والجولان منطقة تقع ضمن أراضي السيادة للجمهورية العربية السورية، تشرف الهضبة على دول اربعة، يقع ضمنها جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة وأحد منابع المياه التي تغذي بحيرة طبرية، واحتلت أكثر مساحتها إسرائيل خلال حرب 1967 حيث بلغت المساحة المحتلة حوالي 1200 كيلومتر، وبقي أهلها تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث قرر الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 14 ديسمبر 1981إصدار قانون الجولان باعتبارها أراض محتلة تقع تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية.
وقد أكد مجلس الأمن في قراره المرقم 497 بتاريخ 17 ديسمبر 1981 أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة واعتبر قرار إسرائيل ملغيًا وباطلًا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي؛ وطالبها باعتبارها قوة محتلة، أن تلغي قرارها فوراً. مع ذلك لم يفرض مجلس الأمن العقوبات على إسرائيل بسبب قرار ضم الجولان.
من الناحية العملية أدى "قانون الجولان" إلى إلغاء الحكم العسكري في الجولان ونقل صلاحيته للسلطات المدنية العادية.
في العام 1973 استعادت سورية مدينة القنيطرة وبعض القرى المحيطة بها بعد انسحاب القوات الأسرئيلية عن جزء كبير من الأراضي السورية المحتلة، الانسحاب الإسرائيلي كان مقابل التزام سوري بإبعاد قوات الجيش السوري وراء شريط يخضع لمراقبة قوات هيئة الأمم المتحدة.
تضم الاتفاقية بندًا يدعو إلى إعادة المدنيين السوريين إلى المناطق التي انسحبت إسرائيل منها، وينص ملحق أضيف إلى الاتفاقية على إرسال قوة خاصة للأمم المتحدةUNDOF) ) مراقبة الهدنة وتطبيق الجانبين للاتفاقية، وما تزال هذه القوة متواجدة في المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ويقوم مجلس الأمن بتمديد مهمتها مرة كل ستة أشهر.
طيلة الفترة الماضية بقيت هضبة الجولان السورية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبحكم القانون لم تتغير الطبيعة القانونية للمنطقة، ولم يزل القرار رقم 497 الصادر عن مجلس الأمن الدولي نافذا وفاعلا، وجاء هذا القرار بإجماع المندوبين بما فيه ممثل الولايات المتحدة الأمريكية والذي يرفض بشكل مطلق قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية بخصوص الجولان ويعتبره باطلاً ولاغياً ولا أثر قانونياً له.
وإذا كان الاحتلال العسكري الإسرائيلي يشكل صورة من صور الاستعمار الحديث والذي نبذته البشرية وأصبح من أفعال الماضي، فأن الاتفاق الدولي بعدم مشروعية استمرار الاحتلال ينفي أي معلم من معالم الإقرار بالواقع وضم أراضي محتلة بالقوة، وهذا الاحتلال مهما كان شكله أو صورته فأنه يشكل سيطرة عسكرية مفروضة بالقوة ولفترة مؤقتة، وتأتي اتفاقيات جنيف ولاهاي لتعزز إدانة احتلال أي دولة بالقوة العسكرية وتدين هذا الفعل، وتطالب بإعادة الأراضي الى الدولة التي تم سلبها واغتصاب أراضيها وشعبها الساكن في تلك المناطق.
ويبقى الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان مرفوض دوليا ومدان ومخالف لأحكام القانون الدولي والمعاهدات التي وقعتها الدول، وتحديات صارخا لمباديء حقوق الإنسان والأمم المتحدة، وموقفا ينم عن التوحش والهمجية في العصر الحديث، وبالرغم من المواقف المنسجمة في السياسة الدولية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين إسرائيل، فأن العديد من قرارات الإدانة التي أصدرها مجلس الأمن والأمم المتحدة كان ضمن من وقعها مندوب الولايات المتحدة الأمريكية، ويأتي تصريح وموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بتقرير مصير هضبة الجولان والقرار بشرعية احتلالها وضمها لإسرائيل، وهو لا يملك اية صيغة قانونية منطقية تبرر هذا التصريح، كما أنه لا يملك حق تقرير مصير الأرض والبشر فيها، ولا يغير أي حال من النواحي القانونية والدولية، كما انه يساهم بشكل غير مباشر لتعريض حالة السلم الدولي للخطر، ويأتي التصريح من رئيس دولة يفترض انها بالإضافة الى معرفتها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتلتزم بكل الاتفاقيات الدولية، فأنها لا تنتهك القانون الدولي ولا تقف الى جانب الدولة المحتلة بأي شكل من الأشكال، كما أنه يزيد من اشتعال فتيل الحرب في المنطقة مزعزعا استقرارها ويزيد من المخاطر.
وهذا القرار وأن كان فرديا لم يحظ بموافقة أية دولة من الدول التي تحترم نفسها، فأنه لن يغير من واقع الاحتلال لهضبة الجولان، ولامن معنى الاحتلال العسكري بالقوة في القانون الدولي، ويعكس للرأي العام مدى هشاشة النظام الدولي والاستهانة بمجلس الأمن وتجاوز الاتفاقيات والقوانين الدولية التي ضربها عرض الحائط، كما لن يغير من مخططات رسم الحدود المعتمدة ولا تغيير الوضع القانوني دوليا مع نفاذ قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 242 في العام 1967 بشأن انسحاب القوات الإسرائيلية المحتلة من كافة الأراضي التي احتلتها عام 1967، وبالتالي لن يفرض نفسه على البشر الذين يرزحون تحت سلطة احتلال غاشم مهما كانت التبريرات والأسباب، فحقوق الشعوب لاتقبل التجزئة ولا يمكن أن يكون قيم او وكيل عليها وليس لأحد أن يتصرف بها، ولايأتي القرار أخيرا في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ولا منسجما مع سياستها في المنطقة.